بشعار حماية الأسرة.. موجة من التقييد للنساء في تركيا تثير مخاوف حقوقية
بشعار حماية الأسرة.. موجة من التقييد للنساء في تركيا تثير مخاوف حقوقية
أثارت السياسات التركية المتعلقة بـ"عام الأسرة" الذي أُعلن عام 2024 تحت شعار "أسرة قوية، مجتمع قوي" جدلاً واسعاً بين منظمات حقوق الإنسان والنسويات، إذ رأت فيه محاولات لتقييد حرية المرأة وإعادة إنتاج نموذج اجتماعي تقليدي يقيد دورها في الحياة العامة.
تأتي هذه السياسات في وقت تشهد فيه تركيا انتكاسات كبيرة في مكتسبات النساء الحقوقية، بما في ذلك حقوق الصحة الإنجابية والمشاركة الاقتصادية والاجتماعية، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء المرأة، اليوم الأربعاء.
وتركز الحكومة التركية على ربط قوة المجتمع بزيادة معدلات الخصوبة، ومطالبة الأسر بإنجاب ثلاثة أطفال، وهو توجه أثار مخاوف المنظمات النسوية من استخدام هذه السياسة لتهميش النساء وفرض قيود على حرياتهن.
هذه السياسات لم تتوقف عند حدود الخطاب الرسمي، بل شملت تغييرات عملية في القوانين والإجراءات الإدارية، مثل إدراج ختم "عام الأسرة" على الوثائق الرسمية وطرح حزم قضائية تعد جزءاً من استراتيجية طويلة المدى لتحديد دور المرأة داخل الأسرة والمجتمع.
تدخل في حياة النساء
تقول المحامية ديرن جواهر شن، وعضوة المجلس التنفيذي في مركز حقوق المرأة بنقابة المحامين بإسطنبول، إن السياسات الجديدة تشكل محاولة مباشرة للسيطرة على أجساد النساء وخياراتهن الصحية: "عندما تُمنع شابة من زيارة طبيبة نسائية، أو يُعطّل الإجهاض في المستشفيات الحكومية رغم كونه حقاً قانونياً، فإننا أمام تراجع خطير لمكتسبات أساسية".
وتشير إلى أن هذه الإجراءات جزء من خطة ممنهجة لفرض نموذج تقليدي للمرأة يركز على الأمومة ورعاية الأسرة، بينما تُهمش مشاركتها في سوق العمل والسياسة، ويقوض استقلاليتها القانونية والاجتماعية.
ورغم وجود قوانين من المفترض أن تحمي النساء، يشير تقرير منظمات حقوقية إلى أن الواقع الميداني مختلف تماماً، فالنساء يعشن في بيئة تفتقر إلى الأمان، ويُقتل ثلاث نساء يومياً في تركيا، غالباً ضمن منازلهن، رغم صدور قرارات حماية.
وتوضح ديرن جواهر شن أن "إعلان عام الأسرة يبدو وكأنه غطاء سياسي، بينما العنف المنزلي والتمييز المؤسسي مستمران بلا تدخل فعلي من الدولة".
وتتعلق إحدى أبرز مظاهر التمييز البنيوي بقيد المرأة المتزوجة تلقائياً إلى قيد زوجها، ما يحرمها من الاعتراف القانوني كشخص مستقل، وقد رفع محاميان دعوى قضائية للطعن في هذا الإجراء، وأجرت المحكمة الدستورية مراجعة قانونية، وهو ما يمثل خطوة رمزية مهمة ضمن نضال طويل لاستعادة استقلالية المرأة القانونية.
تداعيات على الصحة الإنجابية
تركز السياسات الحكومية على تعزيز النمو السكاني، لكنها تأتي على حساب حقوق الصحة الإنجابية، فقد أُبلغت المنظمات النسوية عن حالات منع الإجهاض أو تعطيله، كما تُقيد الشابات في الوصول إلى الرعاية الصحية الخاصة بالنساء.
وتؤكد الناشطات أن هذه الممارسات لا تمثل مجرد قيود إدارية، بل جزءاً من رؤية سلطوية للسيطرة على أجساد النساء وحقهن في تقرير مصيرهن.
وتوضح المحامية ديرن جواهر شن، أن الهدف من "عام الأسرة" هو إقصاء النساء من الحياة المهنية والاجتماعية: "يسعى النظام إلى فرض نموذج تقليدي للمرأة: تنجب الأطفال، تعتني بهم، وتظل داخل المنزل، هذا يقوّض وجودها في سوق العمل والحياة العامة".
وترى أن السياسات الحكومية الحالية تُعيد إنتاج نمط اجتماعي يضع النساء في موقع هشاشة اقتصادية وقانونية، ويكرّس التمييز البنيوي الذي يضعف استقلاليتهن.
نضال مستمر رغم القيود
تؤكد الناشطة النسوية أن النضال النسوي في تركيا مستمر رغم التحديات، معتبرة أن الحركة النسوية جزء من حركة عالمية تمتد لعقود، هدفها المساواة والعدالة.
تقول جواهر شن في ختام حديثها: “حياتنا تُدفع نحو الانكماش، لكننا لن نتوقف عن النضال. العدالة والمساواة ليست شعارات، بل حقوقاً يجب انتزاعها”.










