رفض شبه كامل.. ألمانيا تعيد رسم خريطة اللجوء السوري أمام واقع يعرقل أي عودة

رفض شبه كامل.. ألمانيا تعيد رسم خريطة اللجوء السوري أمام واقع يعرقل أي عودة
لاجئون سوريون

في تطور يعكس تحولا عميقا في سياسة ألمانيا نحو ملف اللجوء السوري، كشفت تقارير إعلامية ألمانية أن السلطات رفضت أكثر من 99 بالمئة من طلبات اللجوء المقدمة من السوريين خلال أكتوبر الماضي، في خطوة وصفت بأنها الأكثر صرامة منذ بدء الأزمة السورية. فبعد تعليق البت في الطلبات عقب سقوط نظام بشار الأسد العام الماضي، استؤنفت الإجراءات الشهر الماضي لتسفر عن نتيجة غير مسبوقة في شدتها، ومن بين أكثر من ثلاثة آلاف طلب تمت معالجتها لم يمنح سوى طلب واحد صفة اللجوء السياسي، فيما حصل عدد محدود على حماية ثانوية أو قرار يمنع الترحيل.

أرقام تعكس تحولا جذريا

تكشف البيانات التي نقلتها صحيفة بيلد الألمانية الجمعة عن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين تغييرا واضحا في سياسة التعامل مع طالبي اللجوء السوريين، ففي الفترة الممتدة حتى نهاية أكتوبر لا يزال أكثر من اثنين وخمسين ألف طلب دون معالجة، نتيجة تراكمات الأشهر التي تلت تعليق الإجراءات في ديسمبر الماضي. 

وتشير الوثائق إلى أن المكتب الاتحادي أعاد تفعيل جلسات الاستماع الأولية لمن قدموا طلباتهم منذ مايو، لكنها أصبحت تشمل جميع المواطنين السوريين باستثناء الأقليات العرقية والدينية التي تأجل النظر في طلباتها، وبذلك باتت طلبات الأغلبية السنية على رأس القوائم، ما يعكس توجها إداريا يميز بين الفئات دون الإعلان عن تغيير رسمي في السياسة.

خلاف حكومي 

تتزامن هذه القرارات مع جدل محتدم داخل الحكومة الألمانية حول طبيعة الوضع الأمني والإنساني في سوريا، وما إذا كانت الظروف تسمح بعودة أعداد من اللاجئين، واشتعل الجدل مع تصريحات وزير الخارجية يوهان فاديفول، الذي لا يزال يتمسك بوصفه لدمشق بأنها مدينة مدمرة بالكامل، وخلال مؤتمر اقتصادي في ميونيخ شدد الوزير على أن العودة إلى العاصمة السورية ممكنة في نطاق محدود للغاية، مؤكدا أن تقييمه للواقع يستند إلى مشاهدات مباشرة وليس إلى تقديرات سياسية، وأوضح أن من يخالف هذا الرأي مطالب بتقديم أدلة تدحض حجم الدمار القائم.

صور الدمار فوق طاولة النقاش

وزاد فاديفول من حدة النقاش حين قارن مستوى الدمار الحاصل في مدن سورية بما شهدته ألمانيا عام 1945، وقد جاءت تصريحاته عقب زيارة ميدانية لضاحية جوبر في دمشق، حيث لفت إلى غياب البنية التحتية الأساسية من كهرباء ومياه وصرف صحي، وإلى حجم القصف الذي دمر مدنا كبرى مثل حمص وحلب والتي تعرضت لهجمات جوية روسية وسورية إضافة إلى استخدام غازات سامة في بعض المناطق، واعتبر الوزير أنه من غير الممكن توقع عودة واسعة للاجئين في ظل هذا الواقع، مؤكدا أن النظر إلى الأرقام وحدها لا يكفي دون فهم حجم المعاناة على الأرض.

في الوقت ذاته حاول فاديفول تقديم رؤية مزدوجة تجمع بين الدعم والضغط، حيث أكد أن ألمانيا ستواصل تقديم المساعدة لإعادة الإعمار، لكنها تنتظر من السوريين القيام بدور نشط في هذه العملية، وشدد الوزير على ضرورة تحفيز اللاجئين للعودة والمشاركة في إعادة البناء، لكنه أقر بأن الضغط يجب أن يكون محسوبا ومراعيا للظروف الإنسانية. وأشار إلى أن الحكومة السورية ترغب في عودة المواطنين، معتبرا أن سوريا بلد متعدد وغني ثقافيا، لكنه بحاجة إلى جهد هائل لإعادة الحياة إلى مدنه.

حاجة ملحة لإعادة تقييم ملفات الاندماج

إلى جانب النقاش حول العودة، أثار الوزير مسألة اندماج السوريين في المجتمع الألماني، مؤكدا أن إعادة المجرمين والمصنفين كمصدر خطر إلى بلدهم أمر لا خلاف عليه، كما انتقد ضعف اندماج البعض رغم إقامتهم لسنوات طويلة في ألمانيا، سواء لعدم تعلم اللغة أو لغياب التدريب المهني أو عدم الاندماج في سوق العمل، لكنه في المقابل أشاد بما وصفه بالنجاحات الكبيرة لآلاف السوريين الذين تمكنوا من بناء حياة مستقرة واندماج فعال في المجتمع الألماني، وهو ما يبرز التباين الكبير بين أوضاع اللاجئين.

بدأت أزمة اللجوء السوري في ألمانيا مع تصاعد الحرب منذ عام 2011، وبلغت ذروتها في عام 2015 حين استقبلت البلاد أكثر من مليون لاجئ، معظمهم من سوريا والعراق وأفغانستان، واعتمدت ألمانيا لسنوات سياسة لجوء تعد من الأكثر انفتاحا في أوروبا، مدفوعة بعوامل إنسانية وسياسية واقتصادية، لكن تزايد الضغوط الداخلية وارتفاع أصوات الأحزاب المطالبة بتقييد الهجرة دفع الحكومة إلى مراجعة سياساتها، وبعد سقوط نظام الأسد وبدء الحديث عن مرحلة انتقالية في سوريا، علقت ألمانيا مؤقتا النظر في طلبات اللجوء الجديدة إلى حين إعادة تقييم الوضع الأمني. ومع استئناف الإجراءات عادت الخلافات داخل الائتلاف الحاكم، بين من يرى أن سوريا ما تزال غير آمنة مطلقا وبين من يدعو إلى فتح الباب أمام العودة الطوعية وتضييق معايير اللجوء.

وتأتي القرارات الأخيرة لترسم ملامح مرحلة جديدة في السياسة الألمانية، عنوانها تشديد غير مسبوق وإعادة ترتيب أولويات الهجرة بما يتناسب مع المتغيرات الإقليمية والداخلية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية