خطر الجماعات المسلحة.. نيجيريا في مواجهة الفوضى الأمنية بعد خطف عشرات التلاميذ

خطر الجماعات المسلحة.. نيجيريا في مواجهة الفوضى الأمنية بعد خطف عشرات التلاميذ
احتجاجات ضد جرائم الخطف في نيجيريا

تصاعد خطر الجماعات المسلحة في نيجيريا عاد إلى الواجهة بقوة بعد حادثة خطف جديدة استهدفت مدرسة كاثوليكية في ولاية النيجر، في ثاني عملية من نوعها خلال أسبوع واحد، لتضيف مزيدا من القلق على المشهد الأمني المضطرب في أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان. 

ومع غياب الأعداد الدقيقة حتى اللحظة، تتباين الروايات حول عدد التلاميذ المختطفين، فيما تبدو السلطات في سباق مع الزمن لاحتواء موجة من الاعتداءات التي طالت أيضا دور عبادة مسيحية خلال الأيام الأخيرة.

إعلان رسمي وسط غموض الأرقام

ذكرت قناة تلفزيونية نيجيرية، اليوم الجمعة، أن حكومة ولاية النيجر أعلنت أن مسلحين هاجموا مدرسة سانت ماري في منطقة أغوارا وخطفوا عددا من التلاميذ، من دون القدرة على تأكيد العدد النهائي للمختطفين، وأوضح المسؤول الحكومي أبو بكر عثمان أن السلطات تلقت الخبر ببالغ الحزن وأنها تتحقق من المعلومات الأولية، في وقت تتحدث مصادر إعلامية محلية عن خطف اثنين وخمسين تلميذا على الأقل، وفق وكالة رويترز.

لكنّ حالة الغموض لا تزال تطغى على الروايات القادمة من موقع الحادث، حيث تعمل الجهات الأمنية في نيجيريا والسلطات المحلية على جمع المعلومات وسط انقطاع الاتصالات وصعوبة الوصول إلى المنطقة التي تشهد منذ أشهر تصاعدا في نشاط العصابات المسلحة.

خطْف جديد يطال الكنائس

وفي حادثة منفصلة، كشف مسؤول في الكنيسة لوسائل إعلام دولية أن مسلحين اقتحموا كنيسة في ولاية كوارا يوم الثلاثاء الماضي واختطفوا ثمانية وثلاثين مصليا، مطالبين بفدية ضخمة قدرها مئة مليون نيرة عن كل مختطف. وتشير شهادات محلية إلى أن الهجوم وقع خلال قداس مسائي، وأن المسلحين كانوا مدججين بالسلاح وعملياتهم كانت منظمة وسريعة.

كما سبق هذا الحادث هجوم آخر وقع في بلدة إروكو وسط البلاد، أسفر عن مقتل شخصين على الأقل وخطف الكاهن وعدد من المصلين. ويؤكد سكان محليون أن المسلحين اقتحموا الكنيسة فجأة وأطلقوا النار من دون تمييز قبل اقتياد مجموعة من الحاضرين إلى جهة مجهولة.

اتساع رقعة الخطر واتهامات حكومية

تأتي هذه التطورات بعد أيام فقط من خطف خمس وعشرين فتاة من مدرسة داخلية، في وقت تواجه فيه الحكومة النيجيرية سيلا من الانتقادات الداخلية والخارجية بسبب تصاعد العنف ضد المدنيين، كما أثارت الهجمات الأخيرة ردود فعل دولية، بينها تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحدث فيها عن اضطهاد للمسيحيين في نيجيريا ولوّح خلالها بإمكانية اتخاذ إجراءات ضد الجماعات المسلحة التي وصفها بأنها تشكل تهديدا متناميا.

وفي الداخل، يجد الرئيس بولا تينوبو نفسه في مواجهة ضغط متزايد، دفعه أخيرا لتأجيل رحلات خارجية مقررة، فيما يتعرض لإحراج سياسي بسبب تكرار عمليات الخطف واتساع نطاقها جغرافيا من الشمال الشرقي إلى الولايات الوسطى والغربية.

خريطة أمنية معقدة

تعاني نيجيريا من مزيج معقد من الصراعات التي تتداخل فيها دوافع سياسية واقتصادية وطائفية. ففي الشمال الشرقي تواصل جماعات متشددة شن هجمات موسعة ضد المدنيين ومواقع عسكرية. وفي الشمال الغربي تنتشر مجموعات من العصابات المسلحة تمارس القتل والخطف بهدف الحصول على فدية، أما في المناطق الوسطى، فيشتد الصراع بين رعاة غالبهم من المسلمين ومزارعين غالبهم من المسيحيين، ما يؤدي إلى مواجهات دامية متكررة.

وتشير تقارير محلية إلى أن هذه العصابات المسلحة باتت أكثر تنظيما وتسليحا خلال الأشهر الماضية، كما توسعت عملياتها لتشمل أهدافا حساسة بينها المدارس والكنائس، الأمر الذي يثير مخاوف من دخول البلاد مرحلة جديدة أشد اضطرابا إذا لم تنجح السلطات في احتواء الوضع.

تحرك حكومي وسط تحديات

رغم الوعود المتكررة بتحسين المشهد الأمني، تواجه الحكومة النيجيرية تحديات كبيرة أبرزها محدودية القدرات اللوجستية للقوات الأمنية، واتساع رقعة البلاد، وانتشار السلاح في أيدي الجماعات الخارجة عن القانون، ويؤكد خبراء أن استمرار الخطف الجماعي للطلاب ولرواد دور العبادة يهدد النسيج الاجتماعي، ويعزز انعدام الثقة في قدرة الدولة على حماية مواطنيها.

كما تحذر منظمات حقوقية دولية من أن عمليات الخطف باتت صناعة مربحة للجماعات المسلحة التي تطلب فديات مالية ضخمة، وينتهي معظم تلك الحوادث بدفع الأموال لغياب حلول أمنية فاعلة.

حالة خوف في المجتمعات المحلية

في المناطق التي شهدت الهجمات، يعيش المواطنون حالة قلق متزايد، ويخشى الكثير من الأهالي إرسال أطفالهم إلى المدارس، فيما تتخذ بعض الكنائس إجراءات مشددة لحماية المصلين أثناء إقامة الشعائر الدينية. ويقول سكان إن الخوف أصبح جزءا من الحياة اليومية، وإنهم ينتظرون تحركا واضحا وسريعا من الحكومة قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة.

وتشهد القرى المتضررة موجات نزوح داخلية، إذ يفر السكان إلى مناطق أكثر أمنا هربا من المسلحين الذين يتنقلون على دراجات نارية ويتجنبون مواجهة القوات الحكومية مباشرة.

دعوات دولية لاحتواء الوضع

مع تصاعد الهجمات وجرائم الخطف، دعت منظمات دولية إلى تعزيز التعاون الأمني بين نيجيريا والدول المجاورة، وتحسين مراقبة الحدود لمنع تحرك الجماعات المسلحة بين الولايات بسهولة. كما حثت على دعم برامج التنمية في المناطق الفقيرة التي تعد أرضا خصبة للتجنيد في صفوف العصابات.

وفي ظل غياب حلول فورية، تبقى الجهود مركزة على محاولة تحرير المختطفين وضمان عدم تكرار الهجمات، لكن الواقع على الأرض يشير إلى أن الطريق أمام الحكومة النيجيرية طويل وشاق، وأن استعادة الاستقرار تتطلب استراتيجية شاملة تتجاوز الحلول الأمنية إلى معالجة الأسباب الاجتماعية والاقتصادية التي تغذي العنف.

تعاني نيجيريا منذ سنوات من تدهور أمني حاد، تتداخل فيه نشاطات جماعات متطرفة أبرزها بوكو حرام في الشمال الشرقي، إضافة إلى عصابات الخطف في الشمال الغربي، وصراع رعاة الماشية والمزارعين في المناطق الوسطى، وتعد المدارس والكنائس من الأهداف الأكثر تعرضا للهجمات، إذ استخدمت الجماعات المسلحة عمليات الخطف للحصول على التمويل عبر الفدية، وتؤكد تقارير دولية أن ضعف البنية الأمنية وتوسع الفقر والبطالة من أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار الجماعات المسلحة، بينما تكافح الحكومة لاحتواء الأزمة في ظل ضغوط سياسية واقتصادية متزايدة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية