استمرار الاحتقان.. ارتفاع حصيلة الضحايا في اللاذقية وسط تصعيد أمني وتحركات عسكرية

استمرار الاحتقان.. ارتفاع حصيلة الضحايا في اللاذقية وسط تصعيد أمني وتحركات عسكرية
نشر قوات أمنية في اللاذقية

شهدت محافظة اللاذقية السورية، اليوم الاثنين، تصعيًدا أمنياً خطيراً عقب هجوم مسلح استهدف قوات الأمن ومواطنين خلال احتجاجات شهدتها المدينة ومحيطها، ما أدى إلى ارتفاع عدد الوفيات إلى 4 أشخاص وإصابة 108 آخرين بجروح متفاوتة، وفق ما أعلنت مديرية الصحة في المحافظة، وتعكس الأرقام حجم العنف الذي رافق الاحتجاجات، وتسلط الضوء على هشاشة الوضع الأمني في واحدة من أكثر المناطق حساسية في الساحل السوري.

ونقلت وكالة الأنباء السورية سانا عن قائد الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية، العميد عبد العزيز الأحمد، قوله إن قوات الأمن تعرضت يوم الأحد لاعتداء من قبل مجموعات وصفها بالإرهابية، قال إنها تتبع لما سماه فلول النظام البائد، وذلك خلال المظاهرات التي دعا إليها شخص يدعى غزال غزال، وأوضح الأحمد أن الهجوم أسفر عن إصابة عدد من عناصر الأمن الداخلي، إضافة إلى تكسير سيارات تابعة للمهام الخاصة والشرطة، في مشاهد وصفها بأنها استهداف مباشر لمؤسسات الدولة والأمن العام.

مسلحون ملثمون في قلب المدن

وأشار العميد الأحمد إلى أن الأجهزة الأمنية رصدت خلال الاحتجاجات عناصر ملثمة ومسلحة في مواقع حيوية، منها دوار الأزهري في مدينة اللاذقية ودوار المشفى الوطني في مدينة جبلة، وأضاف أن هذه العناصر تتبع لما يعرف بخلية سرايا درع الساحل وخلية سرايا الجواد، وهما مجموعتان تتهمهما السلطات بالمسؤولية عن عمليات تصفية ميدانية وتفجير عبوات ناسفة، منها استهداف أوتوستراد M1، أحد الطرق الحيوية في الساحل السوري.

وبحسب روايات محلية فإن الاحتجاجات التي شهدتها اللاذقية وجبلة بدأت بمطالب وشعارات مختلفة، قبل أن تنزلق بسرعة نحو العنف مع ظهور مجموعات مسلحة بين المتظاهرين، وهذا التحول السريع من حراك احتجاجي إلى مواجهات دامية زاد من تعقيد المشهد، وأثار مخاوف واسعة بين السكان، خصوصاً مع وقوع إصابات بين المدنيين الذين وجدوا أنفسهم عالقين في قلب الاشتباكات.

انتشار عسكري واسع

على وقع هذه التطورات، أعلنت وزارة الدفاع السورية يوم الأحد نشر مجموعات من الجيش مدعومة بآليات مصفحة ومدرعات في مراكز مدن اللاذقية وطرطوس، في خطوة تهدف إلى احتواء التصعيد وإعادة ضبط الأمن، وأكد التلفزيون السوري نقلاً عن إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع أن هذا الانتشار جاء بعد تصاعد عمليات الاستهداف من قبل مجموعات خارجة عن القانون، قالت إنها وجهت هجماتها نحو الأهالي وقوى الأمن على حد سواء.

وأوضحت وزارة الدفاع أن مهمة القوات المنتشرة في الساحل الغربي لسوريا تتركز على حفظ الأمن وإعادة الاستقرار، بالتعاون مع قوى الأمن الداخلي، وأضافت أن الجيش يعمل على تأمين المراكز الحيوية والطرق الرئيسية، ومنع أي محاولات لزعزعة الاستقرار أو استغلال حالة الاحتقان الشعبي لتنفيذ أعمال عنف مسلح.

انعكاسات إنسانية مقلقة

الاشتباكات الأخيرة خلفت آثاراً إنسانية ثقيلة، إذ امتلأت المشافي في اللاذقية وطرطوس بالمصابين، وسط ضغوط كبيرة على الكوادر الطبية، وأفادت مصادر طبية بأن من بين الجرحى حالات خطيرة، في وقت تعاني فيه المرافق الصحية من نقص في بعض المستلزمات نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، كما أعربت عائلات الضحايا عن مخاوفها من تكرار هذه الأحداث، مطالبة بحماية المدنيين ومنع انزلاق الأوضاع نحو مزيد من العنف.

تأتي هذه التطورات في وقت يشهد فيه الساحل السوري توتراً متقطعاً منذ أشهر، مع تسجيل حوادث أمنية متفرقة واحتجاجات متقطعة تعكس حالة من الاحتقان الاجتماعي والاقتصادي، ويرى مراقبون أن طبيعة المنطقة التي تضم خليطاً من المصالح العسكرية والاقتصادية، تجعل أي اضطراب فيها ذا تداعيات أوسع من نطاقها الجغرافي.

مخاوف من اتساع رقعة العنف

يحذر محللون من أن استمرار العنف في اللاذقية وطرطوس قد يفتح الباب أمام تصعيد أكبر، خاصة إذا لم تتم معالجة الأسباب العميقة للاحتجاجات، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية، كما يشيرون إلى أن ظهور مجموعات مسلحة وسط احتجاجات مدنية يشكل خطراً مضاعفاً؛ لأنه يهدد بتحويل أي حراك شعبي إلى ساحة صراع مسلح.

تعد محافظة اللاذقية واحدة من أهم المحافظات السورية من الناحية الاستراتيجية؛ نظراً لموقعها الساحلي واحتضانها لمرافئ حيوية وقواعد عسكرية، إضافة إلى كثافتها السكانية، وخلال سنوات النزاع السوري، ظلت المحافظة أقل تعرضاً للاشتباكات المباشرة مقارنة بمناطق أخرى، ما جعل أي اضطراب أمني فيها يحظى باهتمام واسع. وفي ظل التدهور الاقتصادي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، تشهد بعض المناطق الساحلية بين الحين والآخر احتجاجات تعكس الضغوط المعيشية المتراكمة، غير أن تحول هذه الاحتجاجات إلى مواجهات مسلحة يعيد إلى الواجهة مخاوف من عودة دوامة العنف، ويطرح تساؤلات حول قدرة السلطات على تحقيق توازن بين فرض الأمن والاستجابة للمطالب الاجتماعية، ما يحول دون دفع المدنيين ثمناً جديداً في صراع لم تهدأ نيرانه بالكامل بعد.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية