بعد 20 شهراً من التوقيف.. السلطات التونسية تطلق سراح ناشطين إنسانيين
بعد 20 شهراً من التوقيف.. السلطات التونسية تطلق سراح ناشطين إنسانيين
عاد ناشطان بارزان في العمل الإنساني إلى الحرية بعد ما يقرب من عامين قضياها خلف القضبان في تونس، في قضية أثارت نقاشا واسعا حول حدود القانون ومسؤولية منظمات الإغاثة في بلد يشهد جدلا حادا بشأن ملف الهجرة غير النظامية، فقد حكمت المحكمة بالسجن عامين على مصطفى الجمالي البالغ من العمر واحدا وثمانين عاما ويحمل الجنسيتين التونسية والسويسرية، وعلى زميله عبد الرزاق الكريمي، قبل أن تقرر إطلاق سراحهما فورا بعد احتساب فترة الإيقاف التحفظي التي تجاوزت عشرين شهرا.
الجمالي هو مؤسس المجلس التونسي للاجئين والذي يعمل بالشراكة مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيما يشغل الكريمي منصب مدير المشاريع داخل المنظمة، وقد أوقف الرجلان إلى جانب ثلاثة ناشطين آخرين في مايو من العام الماضي، قبل أن تبدأ محاكمتهم في أكتوبر الماضي بتهم تتعلق بإيواء مهاجرين وتسهيل دخولهم غير القانوني إلى الأراضي التونسية، وفق فرانس برس.
وتمثل هذه القضية أول محاكمة من نوعها في تونس تطول ناشطين في العمل الإنساني، بعد توقيف أكثر من عشرة عاملين في جمعيات مختلفة تقدم الدعم لطالبي اللجوء.
دفاع ينفي الاتهامات
قالت منيرة العياري محامية الجمالي والكريمي إن الحكم بسنتين سجناً صدر بالفعل، لكنه لم يعد نافذا لأن موكليها قضيا معظم المدة في السجن، مشيرة إلى أن العقوبة التي كان يواجهها الناشطان قد تصل نظريا إلى أكثر من عشر سنوات، واستند الدفاع في مرافعته إلى أن المجلس التونسي للاجئين يعمل ضمن اتفاقية قانونية واضحة مع المفوضية الأممية، وأن دوره يقتصر على توفير الإيواء لطالبي اللجوء والأشخاص الذين يتم إنقاذهم في البحر بطلب من السلطات المحلية.
وأمام المحكمة عبّر الجمالي عن استغرابه من مثوله أمام القضاء بعد أربعة عقود من العمل في المجال الإنساني، وقال إنه يتعامل مع طالبي اللجوء وليس مع شبكات الهجرة غير النظامية، كما تساءل الكريمي عن سبب إبقائهما قيد التوقيف طوال هذه المدة رغم أن مهامهما تقتصر على تقديم الدعم للحالات الهشة من الأطفال والنساء وكبار السن.
قالت يسرا الجمالي ابنة مؤسس المجلس التونسي للاجئين إنها تشعر براحة كبيرة بعد صدور القرار، وإن العقوبة تبدو أخف مما كان يخشاه الجميع، مضيفة أن المهم بالنسبة للعائلة هو خروج والدها من السجن، حتى وإن بقي جزء من الحكم موقوف التنفيذ.
انتقادات حقوقية
قُبيل جلسة المحكمة دعت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى إسقاط التهم وإطلاق سراح الموقوفين، معتبرة أن القضية تجرم العمل الإنساني الشرعي وتعرقل الدعم الضروري لطالبي اللجوء والمهاجرين، وقال بسام خواجا، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة، إن المجلس التونسي للاجئين يقوم بعمل أساسي في مجال الحماية وإنه يعمل ضمن إطار قانوني واضح بالتعاون مع منظمات دولية معتمدة في تونس.
واعتبرت منظمات حقوقية تونسية أن القضية تفتح الباب أمام تجريم مساعدة الفئات الأضعف في المجتمع، خاصة في ظل تصاعد الخطاب الرسمي الرافض للهجرة غير النظامية.
وتعد مسألة الهجرة من أكثر الملفات حساسية في تونس، حيث تشكل البلاد نقطة عبور لآلاف المهاجرين المتجهين نحو السواحل الأوروبية كل عام، وتصاعد الجدل منذ فبراير ألفين وثلاثة وعشرين حين تحدث الرئيس قيس سعيد عن ما وصفه بوصول جحافل من المهاجرين غير النظاميين الذين يهددون التركيبة الديموغرافية للبلاد، وهو خطاب تبعته موجة من عمليات الطرد والاعتداءات التي استهدفت مهاجرين أفارقة من جنوب الصحراء.
ملف مفتوح واحتمالات جديدة
لا تزال القضية تلقي بظلالها على مناخ العمل الإنساني في تونس، خاصة أن ناشطين آخرين من منظمات دولية ومحلية، من بينهم أعضاء في جمعية أرض اللجوء الفرنسية ومنظمة منامتي المناهضة للعنصرية، يواجهون المحاكمة نفسها وما زالوا بانتظار جلساتهم المقبلة، ويخشى عاملون في المجال الإنساني أن تشجع هذه الأحكام السلطات على مزيد من التضييق على منظمات المجتمع المدني التي تقدم الدعم للمهاجرين.
تزايد حضور تونس في السنوات الأخيرة ضمن مسارات الهجرة غير النظامية نحو أوروبا بسبب موقعها الجغرافي وسهولة العبور عبر سواحلها. وتعمل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وشركاؤها المحليون على تقديم خدمات الإيواء والرعاية لطالبي اللجوء، ضمن اتفاقيات رسمية تتبناها الدولة منذ سنوات.
وتعتمد تونس من الناحية القانونية على قوانين مكافحة الاتجار بالبشر ومنع الهجرة غير النظامية لحماية حدودها، إلا أن غياب إطار وطني واضح للجوء يجعل المنظمات الإنسانية في وضع هش بين واجب حماية الفئات المعرضة للخطر من جهة، والملاحقة القانونية المحتملة من جهة أخرى، كما يتزايد الضغط الأوروبي على تونس لاعتراض قوارب الهجرة وإقامة برامج للحد من تدفق المهاجرين، وهو ما يعمق التعقيدات المرتبطة بالقضايا التي تجمع بين الأمن والإنسانية.










