ارتفاع عدد الإعدامات في 2025.. التفاوت العرقي يفاقم أزمة العدالة الجنائية في أمريكا

ارتفاع عدد الإعدامات في 2025.. التفاوت العرقي يفاقم أزمة العدالة الجنائية في أمريكا
عقوبة الإعدام في الولايات المتحدة

رصدت مجلة "الإيكونوميست" ارتفاعًا غير مسبوق في عدد الإعدامات في الولايات المتحدة خلال عام 2025، متوقعةً أن يصل العدد الإجمالي للأشخاص الذين سيُعدمون إلى 47، أي ما يقارب ضعف حصيلة العام الماضي، وهو الرقم الأعلى منذ نحو عقدين.

وذكرت الصحيفة أنّ ولاية فلوريدا تتصدر الولايات من حيث عدد الإعدامات، إذ أعدمت 15 شخصًا حتى الآن، بينما استأنفت ولايات جنوبية أخرى، مثل أوكلاهوما وألاباما، عمليات الإعدام بعد توقف طويل، ما يعكس تحولًا في ممارسة العقوبة الأكثر جدلية في البلاد.

وأوضح القس فيليب إيجيتو، من كنيسة سيدة لورد في دايتونا بيتش، لمراقبة الإعدامات، أنّ جماعته حضرت إعدام مالك عبد الساجد بتهمة قتل بائع عام 1988، مضيفًا أنّ "هذه الممارسات تضع الحقوق الإنسانية على المحك أمام الدولة".

وزاد كليف سلون، أستاذ القانون بجامعة جورج تاون أنّ 201 حالة تبرئة لسجناء محكوم عليهم بالإعدام منذ عام 1973 تكشف هشاشة النظام القضائي الأمريكي، وتبرز المخاطر على حقوق الإنسان، خصوصًا في ظل الموجة الأخيرة من الإعدامات.

وأشارت المجلة البريطانية إلى أنّ المحكمة العليا الأمريكية غيّرت في قضية باكلوا ضد بريسيث عام 2019 المعايير المتعلقة بما يُعتبر عقوبة "قاسية وغير اعتيادية"، ما فتح الباب أمام الولايات لتجربة أساليب أكثر صرامة في تنفيذ الإعدام، مع تقليص دور القضاة في إيقاف عمليات الإعدام في اللحظات الأخيرة.

وزاد المدير التنفيذي لمبادرة العدالة المتساوية في ألاباما، برايان ستيفنسون، أنّ تراجع المحكمة عن الرقابة القضائية شجع الولايات على تنفيذ عمليات إعدام لم تكن لتنفذها سابقًا، وسمح باختبار أساليب جديدة قد تتجاوز المعايير الإنسانية.

أخطاء فادحة أثناء التنفيذ

كما ذكرت صحيفة الغارديان أنّ هذا التغيير القضائي أدى إلى أخطاء فادحة أثناء التنفيذ، بما في ذلك استخدام غاز النيتروجين أو الاختناق البطيء في كارولينا الجنوبية، وهي عمليات أثارت قلق المنظمات الحقوقية بسبب المعاناة الجسدية الشديدة، ما يعكس افتقار النظام الأمريكي لضوابط صارمة تحمي الحق في الحياة وكرامة السجين.

وذكرت صحيفة "سي تي بوست" الأمريكية، أنّ ولاية فلوريدا أعدمت 15 سجينًا حتى الآن في عام 2025، مع خطط لإعدام اثنين إضافيين، لتتصدر بذلك الولايات الأمريكية من حيث عدد الإعدامات.

وأضافت الصحيفة أنّ الولاية عدّلت شرط إجماع هيئة المحلفين في قضايا الإعدام، بحيث يكفي موافقة ثمانية من أصل 12 محلفًا، وهو تغيير يزيد من احتمالية إصدار أحكام خاطئة ويقلص فرص الدفاع في المحاكمات الجنائية.

وأوردت "الغارديان" عن الأخت هيلين بريجين، راهبة كاثوليكية، أن موجة الإعدامات في فلوريدا مدفوعة بعوامل تاريخية ودينية واجتماعية، مثل الفقر المستشري، والتأثير الكبير للمسيحية الإنجيلية، والضغط السياسي على القضاة، مشيرةً إلى أنّ هذه الموجة تُظهر "استخدام الدولة للعنف كأداة سياسية".

المحكوم عليهم بالإعدام

وأوضحت "سي تي بوست"، أنّ 35% من الأشخاص المحكوم عليهم بالإعدام في فلوريدا من السود، رغم أنّهم يمثلون 17% فقط من سكان الولاية، ما يعكس التفاوت العرقي والاجتماعي في تطبيق القانون، ويزيد من المخاطر على حقوق الإنسان، وهو نمط مشابه لما يظهر على مستوى البلاد.

وذكرت "الغارديان" أنّ الولايات الأخرى مثل تكساس وأوكلاهوما وأريزونا تتبع أساليب تنفيذية حديثة أو تعيد استخدام طرق قديمة مثل غاز النيتروجين أو الإعدام بالرصاص بعد توقف طويل، ما يخلق مشهدًا متناقضًا بين الولايات في التطبيق.

وأفادت "سي تي بوست" بأنّ أريزونا اعتمدت على مراجعات داخلية بعد تحقيقات فاشلة، متجاهلة التكاليف الاجتماعية والحقوقية، ما يطرح تساؤلات حول فاعلية العقوبة كأداة ردع وإمكانية احترام معايير حقوق الإنسان.

كما ذكرت "الغارديان" أنّ السجناء ينتظرون سنوات طويلة قبل تنفيذ أحكام الإعدام، مثل ديفيد ليونارد وود الذي أُدين في 1987، أي منذ أكثر من 32 عامًا، ما يضاعف التكاليف النفسية والاجتماعية على السجناء والحراس وعائلات الضحايا، ويعكس هشاشة النظام القضائي في احترام حقوق الإنسان.

تجاهل التفاوت العرقي

وفي تقرير "الإيكونوميست" الذي ربط بين السياسة العقابية والتكاليف الاجتماعية والاقتصادية للنظام القضائي، أوردت المصادر أنّ الولايات التي تصعد في الإعدامات تميل إلى تجاهل التفاوت العرقي، ومخاطر الأخطاء القضائية، وتكاليف التنفيذ، مقابل الولايات التي تلتزم بتجميد الإعدام أو إلغائه.

كما أشار برايان ستيفنسون إلى أنّ هذا التباين يعكس سياسات متناقضة تؤثر على مصداقية النظام القضائي، وحقوق الإنسان، والميزانية العامة.

وأوضحت "الغارديان" أنّ موجة الإعدامات الأخيرة ليست مسألة قانونية فقط، بل أداة ضغط سياسي، وإشارة إلى تراجع الرقابة القضائية على حقوق الإنسان، مع تداعيات ملموسة على المجتمع والدولة، وهو ما يظهر جليًا في تجربة فلوريدا، التي تتصدر الولايات في تنفيذ الأوامر وتغيير قواعد المحاكمة بما يخالف المعايير السابقة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية