خط الدفاع الأخير.. نساء غزة يخضن معارك يومية من أجل حماية أسرهن
خط الدفاع الأخير.. نساء غزة يخضن معارك يومية من أجل حماية أسرهن
خلّفت الحرب التي اندلعت في 7 أكتوبر 2023 بين حركة حماس والجيش الإسرائيلي عشرات آلاف الضحايا والمفقودين، كما تسببت في دمار واسع طال معظم مدن قطاع غزة، تاركةً آثارًا إنسانية كارثية تتحمل النساء والفتيات عبئها الأكبر.
وتعيش نساء القطاع تحت وطأة ظروف تجمع بين الفقر الحاد، والجوع، وفقدان المأوى، وانهيار الخدمات الصحية، في وقت لا يزال فيه وقف إطلاق النار هشًا، ولا تزال تداعيات الحرب تضرب كل تفاصيل الحياة اليومية، بحسب ما ذكرت هيئة الأمم المتحدة للمرأة، في بيان لها، اليوم الخميس.
وأكدت هيئة الأمم المتحدة للمرأة، أن نساء غزة يواجهن "معركة يومية للبقاء"، ويقدن أسرهن في ظروف وصفتها المنظمة بأنها "لا تُحتمل"، مشيرةً إلى أن العالم لا يستطيع أن يغض الطرف ولو ليوم واحد عمّا يحدث.
كشفت مسؤولة الشؤون الإنسانية في الهيئة المسؤولة الأممية صوفيا كالتورب، أن ما ينقله الإعلام العالمي "لا يعكس الواقع الفعلي"، موضحةً أن وتيرة الهجمات تراجعت، إلا أن "القتل ما زال مستمرًا، والحرب لم تنتهِ بعد".
وأوضحت كالتورب أن واقع النساء الآن يتمثل في مواجهة الجوع والخوف والصدمات اليومية، والسعي لحماية أطفالهن من الأسلحة ومن برودة الليالي التي تحولت إلى كابوس في ظل انعدام المأوى.
وأكدت أن النساء يشكلن “خط الحماية الأخير” في مكان اختفى فيه الأمان تمامًا.
نساء في مواجهة المستحيل
تُظهر بيانات هيئة الأمم المتحدة للمرأة أن أكثر من 57 ألف امرأة تعيل أسرها بمفردها اليوم، وتواجه يوميًا “خيارات الحياة أو الموت” وسط ظروف وصفتها الهيئة بأنها “مستحيلة لإعادة البناء”.
تشهد الأسواق في غزة غيابًا شبه كامل للمواد الغذائية، وتؤكد المنظمة أن أسعار ما يتوفر منها ارتفعت إلى أربعة أضعاف عمّا كانت عليه قبل الحرب، ما جعل تأمين وجبة واحدة يوميًا تحديًا كبيرًا.
تعرضت النساء للتشرد مرات عديدة، وتؤكد الهيئة أن بعضهن نزحن عشرات المرات. وتروي كالتورب أن إحدى النساء اضطرت للنزوح 35 مرة منذ بدء الحرب، وهو ما يعني حمل الأطفال وكبار السن في كل مرة، والهرب نحو مناطق غير آمنة أصلًا، وسط الفوضى وانعدام وسائل النقل.
صدمة مستمرة للفتيات
خلفت الحرب آثارًا جسدية ونفسية عميقة على النساء والفتيات، وتؤكد بيانات الأمم المتحدة أن أكثر من 12 ألف امرأة وفتاة أصبن بإعاقات طويلة الأمد بسبب القصف أو انهيار المباني، أو نتيجة إصابات غير معالجة بسبب غياب الإمكانات الطبية.
ويعاني المجتمع النسوي اليوم من أزمة غير مسبوقة داخل القطاع؛ فالأمهات يواجهن وحدهن مسؤولية حماية أطفالهن من الجوع والأمراض، في وقت انهارت فيه المستشفيات، وغابت الأدوية، وتوقفت برامج الدعم النفسي بشكل شبه كامل.
وتعجز المؤسسات المحلية عن توفير احتياجات النساء، بسبب غياب التمويل الدولي وإغلاق معظم الطرق ومنع دخول المساعدات إلا بكميات محدودة وصفتها الأمم المتحدة بأنها “لا تكفي ليوم واحد”.
ضرورة استمرار وقف النار
شددت هيئة الأمم المتحدة للمرأة على ضرورة استمرار وقف إطلاق النار، مؤكدةً أن النساء بحاجة ماسّة إلى الغذاء والمساعدات النقدية واحتياجات الشتاء، إضافةً إلى الخدمات الصحية والدعم النفسي والاجتماعي.
وحذرت المنظمة من أنّ ترك النساء والفتيات يواجهن هذا الوضع “معركةً للبقاء على قيد الحياة” هو انتهاك صارخ للكرامة الإنسانية، مشيرةً إلى أن الظروف الحالية قد تترك آثارًا طويلة الأمد على مجتمع كامل يعاني من انهيار اجتماعي واقتصادي غير مسبوق.
أرقام تُجسد الخراب
ارتكبت القوات الإسرائيلية، منذ السابع من أكتوبر 2023، جرائم وصفتها منظمات حقوقية بالإبادة الجماعية، شملت القتل والتجويع والتدمير والتهجير والاعتقال، رغم نداءات المجتمع الدولي وأوامر محكمة العدل الدولية بوقف الجرائم.
وخلفت هذه الإبادة أكثر من 240 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إضافةً إلى 11 ألف مفقود لا يزال مصيرهم مجهولًا تحت الأنقاض أو في أماكن الاحتجاز.
وأدت الهجمات الإسرائيلية كذلك إلى نزوح مئات الآلاف من السكان في ظروف وصفتها الأمم المتحدة بأنها “ظروف مجاعة”، وأزهقت أرواح كثيرين، أغلبهم من الأطفال، بسبب الجوع ونقص العلاج.
ودمرت الحرب أكثر من 70% من منازل المدنيين، ومحت مدنًا ومناطق بأكملها عن الخريطة، ما أدى إلى فقدان السكان لمقومات الحياة الأساسية، وترك القطاع في حالة انهيار شامل.
خط الدفاع الأخير
تقف نساء غزة اليوم في مواجهة حرب متعددة الوجوه: الجوع، والخوف، والنزوح، وفقدان المأوى، وغياب الخدمات، وانعدام الأمن.
تكشف الشهادات والبيانات الأممية أن المرأة في القطاع أصبحت تتحمل مسؤوليات تفوق قدرة البشر، في وقت يغيب فيه الدعم الدولي الكافي، وتستمر فيه آثار الإبادة على كلّ تفاصيل الحياة.
يبقى استمرار وقف إطلاق النار، وتوفير الغذاء، والمساعدات، والدعم النفسي، الخطوة الوحيدة القادرة على منع انهيار إنساني كامل قد يمتد أثره لأجيال.











