أحكام بلا شرعية.. منظمة حقوقية: ميليشيا الحوثي تستغل القضاء لتحقيق أهداف سياسية

أحكام بلا شرعية.. منظمة حقوقية: ميليشيا الحوثي تستغل القضاء لتحقيق أهداف سياسية
إحدى قاعات المحكمة الجزائية في صنعاء

أعادت تصريحات رئيس النيابة العسكرية القاضي صلاح القميري فتح ملف أحكام المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء التي تسيطر عليها ميليشيا الحوثي، مؤكدة مرة أخرى أن هذه الأحكام تفتقر لأي سند قانوني أو شرعية قضائية، وفي هذا السياق.

ورحّبت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات الخميس بتأكيد القميري بطلان تلك الأحكام، معتبرة أن ما يصدر عن المحكمة الجزائية التابعة للحوثيين لا يعدو كونه قرارات صادرة عن سلطة أمر واقع تستغل القضاء لتحقيق أهداف سياسية وأمنية بعيدة عن أي معايير للعدالة.

وأكدت الشبكة أن المحكمة الجزائية في صنعاء فقدت ولايتها القانونية منذ سيطرة ميليشيا الحوثيين على العاصمة، وأن القرارات الصادرة عنها، ومنها أحكام الإعدام الجماعية، تمت في ظل غياب كامل للضمانات القانونية والدستورية.

وترى الشبكة أن هذه الأحكام ليست مجرد تجاوزات قضائية، بل انتهاكات ممنهجة ترتقي إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بالنظر إلى ما رافقها من تعذيب واعتقال تعسفي وحرمان من الحق في الدفاع وفق شبكة "بوابتي الإعلامية".

المحكمة خارج إطار الشرعية

منذ انقلاب ميليشيا الحوثي، تحولت المحكمة الجزائية المتخصصة إلى منصة صورية لمحاكمات لا تستند إلى معايير القضاء الطبيعي.

وأوضحت الشبكة أن هذه المحكمة لا تتمتع بأي ولاية قانونية داخل اليمن، إذ صدرت قرارات بحلها ونقل صلاحياتها إلى مناطق تحت سلطة الحكومة الشرعية، ورغم ذلك، استمرت الميليشيا في استخدامها أداة سياسية، مستندة إلى القوة المسلحة بدلاً من القانون.

وتشير الشبكة إلى أن جزءاً كبيراً من الأحكام الحوثية بُني على اعترافات انتُزعت تحت التعذيب، وأن الضحايا تعرضوا للتهديد والضغط النفسي والجسدي، كما حُرموا من التواصل مع محامين أو ذويهم لفترات طويلة.

وتؤكد المنظمة أن الإجراءات داخل هذه المحكمة تخلو من أبسط مقومات العدالة؛ فلا شفافية، ولا علنية، ولا حياد قضائي، بل سلسلة من الانتهاكات التي تبدأ بالاعتقال غير القانوني، وتمتد إلى انتزاع الاعترافات بالقوة، ثم تسريع المحاكمات لإصدار أحكام مسبقة.

وحسب الشبكة، فإن الاختطاف والإخفاء القسري يشكلان مقدمة ثابتة في معظم الملفات التي تُحال إلى المحكمة الجزائية الخاضعة للحوثيين، وغالباً ما يقضي المحتجزون شهوراً أو سنوات داخل سجون سرية قبل ظهورهم أمام القضاة، في الوقت الذي يكون فيه مصير الكثيرين غير معروف لعائلاتهم.

دعوة للمساءلة الدولية

أمام هذا الواقع، دعت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات إلى تعزيز التعاون بين مؤسسات الدولة والجهات الحقوقية من أجل استكمال ملفات الملاحقة القانونية بحق المتورطين في الانتهاكات.

وشددت على ضرورة مساءلة القضاة الذين أصدروا الأحكام، وكذلك الأجهزة الأمنية التي نفذت عمليات الاعتقال والتعذيب، مؤكدة أن الإفلات من العقاب لا يمكن أن يستمر في ظل الجرائم الواسعة التي وثقتها منظمات محلية ودولية.

وطالبت الشبكة بتدخل دولي عاجل لحماية المختطفين والمخفيين قسراً، معتبرة أن القضاء في صنعاء فقد دوره بالكامل وتحول إلى أداة قمع سياسي تستخدمها الميليشيا ضد خصومها وكل من يُشتبه بمعارضته لها.

وترى الشبكة أن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية أخلاقية وقانونية في الضغط لوقف هذه الانتهاكات، خصوصاً أن بعضها يتعارض مع المواثيق الدولية التي صادقت عليها اليمن قبل الحرب، وعلى رأسها اتفاقية مناهضة التعذيب والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

العدالة بين سلطتين

يرى قانونيون أن واحدة من كبرى إشكاليات المشهد القضائي في اليمن هي الانقسام المؤسسي الذي أحدثته الحرب، وبسبب هذا الانقسام أصبح هناك نظامان قضائيان متوازيان، أحدهما تديره الحكومة الشرعية، والآخر تسيطر عليه ميليشيا الحوثي.

وفي ظل غياب رقابة مستقلة أو مؤسسات قادرة على ضبط أداء الجهاز القضائي في مناطق سيطرة الحوثيين، تحولت المحاكم إلى أدوات تسوية سياسية وأمنية أكثر منها جهات قضائية تمارس دورها المعروف.

وتعزز هذه الانتقادات تقارير محلية ودولية أشارت إلى أن أحكام الإعدام التي أصدرتها المحكمة الحوثية خلال السنوات الماضية تجاوزت مئات الحالات، معظمها بحق ناشطين وسياسيين وصحفيين ومعارضين، وقد شملت هذه الأحكام أيضاً أكاديميين وطلاباً ومواطنين عاديين تم اتهامهم بالعمالة أو التجسس دون أدلة حقيقية.

تداعيات إنسانية واسعة

لم تتوقف الانتهاكات عند حدود المحاكمات فقط، بل امتدت لتشمل عائلات المختطفين، فالكثير من الأسر يعيش بين الخوف والانتظار، في حين يُضطر البعض لدفع مبالغ مالية طائلة مقابل معلومات بسيطة عن أماكن وجود أبنائهم، وتذكر الشبكة أن استمرار إصدار أحكام الإعدام يزيد من حالة الذعر داخل المجتمع، ويزرع إحساساً متنامياً بانعدام الأمن القانوني، ما يؤدي إلى فقدان الثقة بالمؤسسات العدلية بشكل كامل.

ويتفق حقوقيون على أن أي تسوية سياسية قادمة في اليمن ستحتاج إلى معالجة هذا الملف بشكل عاجل؛ لأن بقاء أحكام الموت معلقة على رقاب مئات المواطنين يشكل تهديداً مباشراً لأمن المجتمع، ويزيد من احتمالات الانفجار الاجتماعي في أي لحظة.

يذكر أن المحكمة الجزائية المتخصصة في اليمن تأسست قبل الحرب للنظر في قضايا الإرهاب وأمن الدولة، إلا أن سيطرة الحوثيين على صنعاء عام 2014 أدت إلى انقلاب على مؤسسات الدولة، ومعها القضاء، وبعد عامين، أصدرت الحكومة الشرعية قراراً بإلغاء المحكمة ونقل اختصاصاتها إلى مأرب وعدن، لكن الحوثيين استمروا في تشغيل المحكمة دون أي غطاء قانوني، وتحولت مع الوقت إلى إحدى أبرز أدوات القمع في مناطق سيطرتهم.

وخلال السنوات الماضية، وثقت منظمات دولية مثل الأمم المتحدة والعفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ممارسات واسعة تشمل التعذيب، الإخفاء القسري، المحاكمات الصورية، وأحكام الإعدام التي تفتقر إلى الأدلة، ويؤكد خبراء القانون الدولي أن إصدار أحكام قضائية من سلطة لا تتمتع بشرعية ولا تحترم ضمانات المحاكمة العادلة يشكل انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي الإنساني، ويُصنف ضمن الجرائم التي تستوجب المساءلة الدولية.

في ظل هذه الحقائق، يبدو أن ملف المحكمة الجزائية الحوثية سيظل واحداً من أعقد ملفات الانتهاكات في اليمن، وأن مطالبات الشبكة اليمنية للحقوق والحريات تمثل خطوة جديدة في مسار طويل نحو تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا ووضع حد لاستخدام القضاء بوصفه سلاحاً في صراع سياسي مستمر.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية