أكثر من 40 ألف انتهاك.. عنف ميليشيا الحوثي يحوّل حياة نساء اليمن إلى معاناة مفتوحة

أكثر من 40 ألف انتهاك.. عنف ميليشيا الحوثي يحوّل حياة نساء اليمن إلى معاناة مفتوحة
نازحون في اليمن

عشر سنوات مرت على اليمنيات بين الخوف وفقدان الأمن وتقلص الخيارات، عشر سنوات خرجت خلالها المرأة من دائرة المشاركة إلى دائرة الاستهداف المباشر، وفي تقرير جديد أصدرته مؤسسة تمكين المرأة اليمنية بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة تتكشف صورة موجعة لما تعرضت له النساء في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين خلال الفترة الممتدة من عام 2015 حتى نوفمبر 2025، الصورة ليست مجرد أرقام بل شهادات دامغة على عقد كامل من الانتهاكات المتواصلة.

ويوضح التقرير بحسب ما أورده موقع "نافذة اليمن" الأربعاء، أن أكثر من أربعين ألف انتهاك ارتكبتها المليشيا بحق نساء يمنيات وفتيات في مختلف المحافظات، ويظهر العدد الحقيقي حجم الانهيار الذي تعرض له الأمن المجتمعي والأسري والاقتصادي في تلك المناطق، أما التفاصيل فتفتح الباب على مشهد معقد يبدأ بالاستهداف المباشر ويصل إلى تفكيك البنى الاجتماعية.

الاستهداف المباشر للحياة

مؤسسة تمكين المرأة وثقت 2720 حالة قتل لنساء وفتيات نتيجة القصف العشوائي بالصواريخ والمسيرات والقذائف والأسلحة الثقيلة، ويكشف الرقم عن حجم اتساع دائرة الخطر، إذ لم تعد المنازل والمخيمات والأسواق أماكن آمنة، ويتابع التقرير أن 375 امرأة أصبن برصاص القنص المباشر، في حين تعرضت 605 نساء وفتيات لإصابات ناتجة عن الألغام والعبوات الناسفة التي زرعتها المليشيا في مساحات واسعة من القرى والطرق والمزارع باليمن.

كما سجلت 169 حالة قتل أسرية مرتبطة بالتعبئة الفكرية التي ضختها المليشيا داخل المجتمع، حيث خلقت بيئة مشحونة بالكراهية والوصاية العنيفة ودفعت إلى نتائج مأساوية داخل البيوت وبين الأقارب.

الاختطاف والإخفاء القسري

يشير التقرير إلى ظاهرة تزداد قتامة مع مرور الوقت، وهي عمليات الاختطاف بحق النساء، إذ وثق 1901 حالة اختطاف تعرضت خلالها نساء وفتيات للاحتجاز التعسفي والتعذيب وسوء المعاملة، ويضاف إليها 2940 حالة أخرى تشمل أوامر بالإعدام والسجن، ما يجعل هذه الفئة من الانتهاكات إحدى أخطر الأدوات التي استخدمتها المليشيا لترويع المجتمع وإسكات الأصوات.

وفي سياق أشد حساسية يسجل التقرير اثنتين وأربعين حالة اغتصاب مثبتة وقعت داخل أماكن احتجاز أو خلال مداهمات المنازل أو في أثناء النزوح، وهي حالات تمت رغم التكتم الشديد الذي يحيط عادة بهذا النوع من الجرائم.

ويشير التقرير إلى رقم مفجع آخر يتعلق بالنازحين داخلياً، إذ يقارب عددهم أربعة ملايين شخص، تشكل النساء نصفهم، والنزوح لا يعني فقط فقدان المأوى بل أيضاً تزايد المخاطر الصحية والغذائية والنفسية، ويكشف التقرير أن تسعة ملايين وستمئة ألف امرأة وفتاة في اليمن يعانين من الجوع وانعدام الخدمات الأساسية نتيجة مباشرة لسياسات الحصار والتجويع التي فرضتها المليشيا.

ويعكس الرقم حجم الانهيار الذي أصاب الخدمات الصحية والإنسانية والغذائية، فالنساء الأكثر هشاشة يتعرضن للآثار الكبرى، خاصة في ظل غياب الرعاية الطبية وخدمات الأمومة والنظافة ومستلزمات الحماية.

انتهاكات اقتصادية واسعة

لا تقتصر الانتهاكات الواقعة في اليمن على الجانب الأمني والإنساني، فالتقرير يوثق 16451 حالة فصل تعسفي لنساء يعملن في الوظائف العامة، ومقابل هذا الرقم تكشف المؤسسة عن 14800 حالة إحلال وظيفي استبدلت فيها الموظفات بعناصر موالية للمليشيا، في مسار يهدف إلى إعادة تشكيل المؤسسات العامة وفق الانتماء السياسي والعسكري، ما أدى إلى حرمان آلاف الأسر من مصدر رزقها الوحيد.

هذا النوع من الانتهاكات يعكس تحولاً هيكلياً في سوق العمل وتراجع مشاركة المرأة بعد عقود من التقدم النسبي، كما يخلق موجة جديدة من الإفقار ويزيد من تبعية النساء لسلطات الأمر الواقع.

وترسم الأرقام في مجملها لوحة عن مجتمع يتعرض لتفكيك ممنهج. فالنساء اللواتي يشكلن العمود الأساس للحياة الأسرية أصبحن هدفاً مباشراً للعنف والاستغلال والترويع، والأخطر أن الانتهاكات تداخلت وتراكبت، إذ تتحول المرأة التي تفقد منزلها إلى نازحة، والنازحة تواجه الجوع، والجائعة معرضة للمرض والاستغلال، والموظفة التي كانت تملك دخلاً مستقراً تجد نفسها بلا وظيفة، والمحتجزة تواجه الإخفاء والتعذيب. هي دائرة مغلقة يتحرك داخلها الألم بلا توقف.

كما يشير التقرير إلى أن الانتهاكات خلقت آثاراً نفسية عميقة، منها الصدمات واضطرابات القلق وفقدان الأمان، وهي آثار ستظل حاضرة زمناً طويلاً حتى بعد توقف الحرب؛ لأن التجربة تمر عبر أجيال كاملة لا تجد شيئاً يشبه الحياة الطبيعية.

أصوات من الميدان

رغم الوضع القاتم الذي يتكشف في الوثيقة، يبرز أيضاً دور النساء اليمنيات في الصمود والمقاومة اليومية، فالكثير منهن دفعته الظروف إلى تحمل مسؤوليات أسرية واقتصادية مضاعفة، وإدارة موارد شحيحة، وحماية الأطفال وكبار السن خلال القصف والنزوح، والبحث عن الغذاء والدواء، وتكشف شهادات واردة في التقرير عن نساء وقفن في الصفوف الأولى للتعليم ورعاية المرضى وإسناد الأهالي رغم غياب الرواتب والخدمات.

خلف الصورة الإنسانية هناك سؤال مركزي يتعلق بالمحاسبة والمساءلة وضرورة عدم التعامل مع هذه الأرقام باعتبارها مجرد حصيلة حرب، بل باعتبارها انتهاكات ممنهجة تستوجب إجراءات قانونية وإغاثية وحقوقية عاجلة.

تعد قضية العنف ضد النساء في اليمن من أكثر الملفات تعقيداً منذ اندلاع الحرب عام 2015، إذ تداخلت العوامل السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية لخلق بيئة خطرة على النساء والفتيات، وقد وثقت منظمات دولية ومحلية زيادة مضطردة في حالات القتل والاستهداف المباشر والاختطاف والعنف الأسري خلال سنوات الصراع، كما تأثرت مشاركة المرأة في سوق العمل بشكل كبير نتيجة توقف الرواتب والسيطرة على المؤسسات، ما أدى إلى هبوط مستوى الاستقلال الاقتصادي وارتفاع معدلات الفقر.

ويشير خبراء حقوقيون إلى أن غياب الرقابة والتشريعات الفاعلة في المناطق الخاضعة لسلطة الحوثيين أسهمت في زيادة الانتهاكات وضعف آليات الإبلاغ، ما جعل كثيراً من الجرائم غير موثق. ويأتي تقرير مؤسسة تمكين المرأة ليضيف أحد أكثر السجلات شمولا خلال العقد الأخير، ويقدم قاعدة بيانات توضح حجم الضرر الذي لحق بنساء اليمن وتداعياته الممتدة على المجتمع بأسره.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية