صوت نسوي من السويداء.. جلسة حوارية تكشف عمق معاناة المرأة السورية
صوت نسوي من السويداء.. جلسة حوارية تكشف عمق معاناة المرأة السورية
في مدينة السويداء التي شهدت في الأشهر الأخيرة أحداثا تركت آثارا نفسية واجتماعية عميقة، اختارت مجموعة من النساء أن يواجهن الواقع بوعي ومعرفة بدلا من الاستسلام لثقل التجربة، ففي إطار حملة الأيام الستة عشر العالمية لمناهضة العنف ضد المرأة نظمت رابطة المرأة للتوعية والتمكين جلسة حوارية موسعة جمعت ناشطات مدنيات وخبيرات في المجال القانوني والنفسي، في محاولة لفتح نافذة ضوء داخل بيئة مثقلة بالخوف والانتهاكات.
ركزت الجلسة، وفق تقرير نشرته وكالة أنباء المرأة، الجمعة، على فكرة محورية تتمثل في أن التغيير يبدأ من المعرفة. فقد أكدت المشاركات أن معظم النساء في سوريا ما زلن يعانين من نقص كبير في الوعي القانوني والحقوقي، الأمر الذي يضعف قدرتهن على حماية أنفسهن أو المطالبة بحقوقهن عند تعرضهن لأي شكل من أشكال العنف.
وأشارت الرابطة المنظمة إلى أن إطلاق الفعالية في السابع والعشرين من نوفمبر جاء بهدف كسر هذه الفجوة، وتحويل المعرفة القانونية إلى أداة قوة تساعد النساء على مواجهة ما يتعرضن له من ضغوط وانتهاكات، سواء كانت جسدية أو رقمية أو نفسية أو اجتماعية.
تحديات قانونية ودستورية
ناقشت الجلسة بعمق المسار القانوني الذي يحد من قدرة النساء على الدفاع عن حقوقهن. فقد أعادت الحاضرات التذكير بأن الحكومة السابقة تحفظت على مواد أساسية من اتفاقية سيداو بدعوى تعارضها مع الشريعة، وهو ما أضعف تطبيقها لسنوات طويلة.
ورغم أن الإعلان الدستوري الحالي يتضمن إشارات إلى الالتزام بالاتفاقية، إلا أن الواقع وصفته المشاركات بأنه بعيد تماما عن النصوص، إذ تستمر أنماط العنف ضد النساء بمختلف أشكالها من دون محاسبة أو ضمانات واضحة للحماية، وهذا التناقض بين القانون والواقع بات يشكل فجوة عميقة تزيد من هشاشة وضع المرأة وتؤكد الحاجة إلى تحرك حقوقي ومجتمعي مستمر.
وخلال النقاشات الممتدة لساعات شددت المتحدثات على ضرورة ألا تبقى المرأة صامتة أمام الانتهاكات، وأن تدرك أن التوعية يجب ألا تتوقف عند حدود حملة الأيام الستة عشر التي تُقام سنويا، فالعنف ضد المرأة لا يتقيد بوقت محدد، ولذلك يجب أن تكون التوعية عملا دائما يرافق النساء في حياتهن اليومية وفي مدارسهن وجامعاتهن ومواقع عملهن، وأكدت المشاركات أن دور المرأة لا يبدأ عند وقوع الانتهاك فحسب، بل يبدأ أيضا داخل الأسرة كمربية وفاعلة وصانعة للوعي لدى الأجيال القادمة. فالمرأة التي تعرف حقوقها تستطيع أن تبني أسرة أكثر توازنا ومجتمعا أكثر عدالة.
السويداء والانتهاكات الأخيرة
حملت الجلسة بعدا إنسانيا مؤثرا حين عادت المشاركات إلى الحديث عن الأحداث التي شهدتها السويداء مؤخرا وما تعرضت له نساء المدينة من اعتداءات وانتهاكات متنوعة.
وأشارت المتحدثات إلى أن التجارب المؤلمة التي عايشتها كثير من النساء شكلت دافعا إضافيا لإطلاق هذا النوع من المبادرات، لأنه لا يمكن معالجة الجروح النفسية والاجتماعية من دون مساحة آمنة للحديث والتفريغ والتعلم.
وتم التأكيد على ضرورة توثيق ما حدث للنساء خلال هذه الأحداث، والعمل من أجل مساءلة المسؤولين عنه أيا كانت الجهة التي تقف خلفه.
وسلطت الجلسة الضوء على أن النساء في سوريا، كما في كثير من مناطق النزاع حول العالم، يتحملن العبء الأكبر في فترات الاضطراب الأمني والسياسي، فبين النزوح وفقدان الأبناء وتعرض بعضهن للعنف الجنسي الذي يستخدم أحيانا كأداة حرب، تصبح مشاركة النساء في عمليات صنع القرار ضرورة لا مجرد مطلب.
واعتبرت المتحدثات أن غياب النساء عن مراكز التأثير لن يؤدي إلا إلى استمرار معاناتهن، وأن التمكين السياسي والاجتماعي والقانوني هو الطريق الأنجع لتغيير هذا الواقع، وتم التشديد على أنه لا يمكن بناء سلام حقيقي ولا مجتمع عادلاً من دون حضور النساء في قلب العملية السياسية وفي مواقع التخطيط واتخاذ القرار.
الوعي وحماية النساء
إضافة إلى الجوانب القانونية، أولت الجلسة اهتماما واضحا بالبعد الثقافي للعنف ضد المرأة، فالكثير من الممارسات التمييزية تستند إلى أعراف متوارثة أو طرق تفكير مجتمعية ترسخ اللامساواة، وهو ما يجعل التأثير النفسي والاجتماعي للعنف مضاعفا، وأكدت المشاركات أن نشر الوعي المجتمعي لا يقل أهمية عن إصلاح القوانين، وأن تغيير الثقافة العامة تجاه المرأة يجب أن يكون جزءا من مشروع أوسع يهدف إلى إعادة بناء المجتمع على أسس أكثر عدلا، فالمعركة ضد العنف ليست قانونية فقط بل ثقافية أيضا، وهي تبدأ من المدرسة والبيت ووسائل الإعلام والمؤسسات الدينية.
وتناولت الأخصائية النفسية المشاركة في الجلسة الآثار الممتدة للعنف ضد المرأة على المستوى الفردي والجماعي، وأوضحت أن العنف، مهما كان نوعه، يترك ندوبا طويلة الأمد تؤثر في العلاقات الأسرية والتوازن النفسي للمرأة وقدرتها على العمل والتعلم.
وأشارت إلى أن العنف ضد النساء لا يجب النظر إليه على أنه قضية فردية، بل هو قضية تمس المجتمع بأكمله لأنه ينعكس على الاستقرار الاجتماعي وعلى النمو والتطور.
ودعت إلى إدراج الصحة النفسية كعنصر أساسي ضمن أي مبادرة تتعلق بتمكين النساء، مؤكدة أن الدعم النفسي جزء مهم من التعافي ومن بناء قدرة النساء على مواجهة الظروف الصعبة.
قضية إنسانية عالمية
مع نهاية الجلسة، شددت المشاركات على أن قضية المرأة في سوريا ليست مجرد قضية محلية، بل هي قضية إنسانية تتجاوز الحدود الجغرافية. فالمعاناة التي تواجهها النساء السوريّات، سواء في السويداء أو غيرها من المدن، يجب أن تجد صداها في المحافل الدولية، وأن تتحول إلى ملف دائم على جدول المؤسسات الأممية والمنظمات الحقوقية.
وطالبت المشاركات بضرورة استمرار الجهود الدولية للضغط من أجل حماية النساء وتطبيق الاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية سيداو وقرار مجلس الأمن 1325، مشيرات إلى أن صمت المجتمع الدولي يسهم في استمرار هذه الانتهاكات.
تعد حملة الأيام الستة عشر لمناهضة العنف ضد المرأة مبادرة عالمية تنطلق سنويا في 25 من نوفمبر وتستمر حتى 10 من ديسمبر، وتهدف الحملة إلى زيادة الوعي بالعنف القائم على النوع الاجتماعي والتشجيع على تبني سياسات تحمي النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم.
وقد وقعت سوريا على اتفاقية سيداو عام 2003 لكنها أبدت تحفظات على مواد جوهرية تتعلق بالمساواة في الحقوق الأسرية، مما حد من فعاليتها، أما قرار مجلس الأمن 1325 الصادر عام 2000 فيركز على تعزيز دور النساء في عمليات السلام وحمايتهن أثناء النزاعات المسلحة، ورغم أهمية هذه الأدوات القانونية، إلا أن ضعف تطبيقها يبقى تحديا رئيسيا أمام جهود حماية النساء في سوريا.











