مساعدات لا تكفي.. لماذا تستمر الأزمة المعيشية بالسويداء رغم دخول قوافل الإغاثة؟

مساعدات لا تكفي.. لماذا تستمر الأزمة المعيشية بالسويداء رغم دخول قوافل الإغاثة؟
قافلة مساعدات إلى السويداء

على امتداد شهر واحد دخلت محافظة السويداء 14 قافلة إغاثية بين 20 يوليو و21 أغسطس 2025، وفق حصيلة مرصودة من جهات أممية ومحلية ووسائل إعلام، حاملة طحيناً، ومحروقات، ومواد طبية، وسلالاً غذائية.

ورغم هذا التدفق المتكرر، يؤكد العاملون الميدانيون ومنظمات محلية أن الكميات لم تلبِ سوى جزء ضئيل من الاحتياجات، وأن انقطاع الخدمات ونقص الطحين والمحروقات وخسائر الدخل جعلت المساعدات الطارئة حلاً مؤقتاً لا يوقف تدهور مستوى المعيشة، وفق موقع "ريليف ويب".

التعداد الرقمي للقوافل لا يترجم تلقائياً إلى تغطية حقيقية للحاجات، فوفق تقرير أُعدّ للأمم المتحدة وصلت 14 قافلة إغاثية بالفعل، وقدمت مساعدات لآلاف العائلات، لكن السعة اللوجستية لم تتسق مع عمق الضرر، حيث أدى نقص الطحين إلى تعطل أفران، ونقص المحروقات عطل النقل والمولدات الطبية، ونقص الأدوية أثّر مباشرة فيقدرة المستشفيات على تقديم الرعاية للجرحى والمرضى، منوهاً أن وجود شاحنات لا يضمن وصولاً عادلاً ومستمراً إلى كل قرية وحارة تحتاج إلى منظومة توزيع متماسكة وآمنة. 

أمن الممرات وتهديد القوافل 

الأمم المتحدة وشركاؤها لفتوا إلى أن فتح ممرات إنسانية آمنة  إلى السويداء هو شرط أساسي لاستدامة الوصول، منبهين انه خلال الفترة نفسها تعرّضت قوافل لهجمات وإطلاق نار وأحداث أمنية عطّلت سيرها أو أجبرت تحويل مساراتها، كما وثّقت تقارير محلية وإنسانية، وهذه الحوادث تزيد من كلفة ووقت إيصال المساعدات وتقلص عدد الشاحنات التي تصل فعلاً إلى السكان، من دون ضمان الحماية لمسارات الإغاثة ووقف الاستهداف، تبقى المساعدات وقوداً مؤقتاً لالتهاب إنساني أوسع.

وفق تقارير إعلامية يخفف  توزيع سلات غذائية ومحروقات مؤقتة ضغطاً آنياً، لكنه لا يعالج قضايا أعمق مثل تدمّر شبكات الإمداد المحلي، وفقدان المحاصيل، وتوقف العمران التجاري، وتفاقم البطالة، والاعتماد الحاد على قوافل خارجية ومحلية (تبرعات رجال أعمال ومغتربين) يكشف غياب خطط تعافي واستعادة للقدرة الإنتاجية المحلية، وهذا النمط يجعل المجتمعات عرضة لصدمة جديدة بمجرد تراجع التمويل أو تقاطع طرق الإمداد بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

القطاع الصحي في سوريا عامة ومحافظة السويداء يعاني نقصاً في الأدوية والمواد الأساسية، والمستشفيات تعمل بقدرات مستنزفة، في حين أن احتياجات الجرحى والمرضى المزمنين تتصاعد، وعلى الجانب الاجتماعي، ندرة الخبز والطحين وارتفاع الأسعار وغياب الدخل تؤدي إلى انحدار غذائي يفاقم مخاطر سوء التغذية خصوصاً بين الأطفال والحوامل، ويزيد احتمال تفكك شبكات الأمان الاجتماعية واللجوء إلى وسائل بائسة للبقاء، بما في ذلك نزوح داخلي جديد وفق مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

دعوات أممية وحقوقية 

أبرز المنسق الإقليمي للأمم المتحدة ومكاتب إنسانية منها هيومن رايتس ووتش والشبكة السورية لحقوق الإنسان أن القوافل خطوة ضرورية لكنها غير كافية، وناشدوا تسهيل إدخال المساعدات وتوسيعها إلى حدّ يسمح بتغطية الاحتياجات الأساسية، مع حماية العاملين الإنسانيين، كما حذرت منظمات حقوقية وطنية ودولية  من أن العوائق الأمنية والإدارية والعرقلات المحلية قد تشكّل خروقات لالتزامات الحماية الإنسانية عندما تحول دون وصول المساعدات الحيوية إلى المدنيين، وركزت هذه الدعوات على ضرورة فتح ممرات برية آمنة وتمكين آليات متابعة مستقلة لتوزيع المساعدات. 

القانون الدولي الإنساني يفرض على الأطراف المتحاربة حماية المدنيين وضمان وصول الإغاثة، وأي عرقلة متعمدة أو استهداف قوافل أو ممانعة إدارية ممنهجة تعتبر خرقاً لهذه الالتزامات، وتحث الآليات الأممية والإقليمية على التحقيق في حوادث استهداف المساعدات ومحاسبة المسؤولين، كما تشدد على أن الحل الإنساني الطارئ يجب أن يقترن بخطوات نحو إعادة تأهيل البنى التحتية والخدمات الأساسية.

وأوصت منظمات حقوقية وإنسانية بتأمين ممرات آمنة مستدامة برعاية مشتركة من الأمم المتحدة والسلطات المحلية والفاعلين المجتمعيين، وزيادة حجم المساعدات النوعية (طحين، محروقات للمخابز والمولدات، أدوية ثابتة للكلى والجرحى، ودعم للمشروعات الصغرى لتعزيز سبل العيش)، بجانب نشر آليات مراقبة وتوثيق شفافة لتوزيع المساعدات ومحاسبة أي طرف يعرقل وصولها، إضافة إلى التزام طويل الأمد ببرامج إعادة تأهيل خدمات المياه والكهرباء والصحة والتعليم، بهدف استعادة حدّ من الاستقرار الاقتصادي والإنساني. 

أزمات متلاحقة في سوريا

وتشهد سوريا منذ سنوات أزمات متلاحقة بين النزاعات المسلحة والتدهور الاقتصادي وانهيار الخدمات الأساسية، وتعد السويداء محافظة ذات أغلبية درزية وقد ظلت نسبياً بعيدة عن خطوط القتال الكبرى لفترات طويلة من الحرب، لكن التوترات العشائرية والاشتباكات الأخيرة، وتدخلات خارجية وإقليمية، أدت إلى موجة عنف ونزوح وما رافقها من انهيار للخدمات، وأظهرت تجارب السنوات السابقة في سوريا كيف أن بنية الاقتصاد المحلي وهشاشة الخدمات الصحية والكهرمائية تجعل أي أزمة أمنية تتحول بسرعة إلى أزمة إنسانية. إعادة بناء القدرة المحلية وتوفير بدائل إنتاجية هما مفتاح مقاومة هؤلاء الصدمات. 

وتعمل وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية في بيئة معقدة تعيقها القيود الأمنية وصعوبات الوصول، في وقت تزداد فيه الاحتياجات الإنسانية مع تفاقم الأزمة الاقتصادية وانهيار الخدمات الأساسية في البلاد.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية