70 ألف شهيد.. روايات إنسانية تبحث عن العدالة من وسط الركام في غزة

70 ألف شهيد.. روايات إنسانية تبحث عن العدالة من وسط الركام في غزة
انتشال جثمان أحد الضحايا في غزة

لا تزال أرقام الضحايا الخارجة من قطاع غزة تكشف عن مأساة إنسانية غير مسبوقة في تاريخ المنطقة الحديث، حيث أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في القطاع ارتفاع حصيلة الشهداء منذ السابع من أكتوبر عام 2023 إلى 70100 شهيد، إضافة إلى 170983 إصابة، وتؤكد هذه الأرقام أن العدوان المستمر منذ أكثر من عامين ونصف لم يعد مجرد أزمة طارئة، بل أصبح واقعاً يومياً يعيد تشكيل حياة الفلسطينيين على نحو بالغ القسوة.

وقالت وزارة الصحة، في بيان لها، اليوم السبت، إن اثنين من الشهداء وصلا إلى مستشفيات قطاع غزة خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية، أحدهما شهيد جديد والآخر جرى انتشاله من بين الأنقاض، إضافة إلى إحدى عشرة إصابة.

ورغم محدودية الأرقام المسجلة خلال هذه الفترة مقارنة بحجم المجزرة الممتدة، فإن الوزارة شددت على أن ضعف الوصول إلى المناطق المنكوبة ونقص طواقم الإنقاذ يجعل من المستحيل معرفة العدد الحقيقي للضحايا المحاصرين تحت الركام، وفق المركز الفلسطيني للإعلام.

ما بعد وقف إطلاق النار

ومنذ الإعلان عن وقف إطلاق النار في العاشر من أكتوبر عام 2025، بلغ إجمالي عدد الشهداء 354 شهيداً، في حين وصل عدد الإصابات إلى 906 إصابات، وتمكنت أطقم الدفاع المدني من انتشال جثامين 606 شهداء من المناطق المدمرة، وتشير هذه الأرقام إلى أن آثار الهجمات السابقة ما تزال تحصد الأرواح حتى بعد توقف القصف المباشر، نتيجة الدمار الواسع وقلة الإمكانات وصعوبة الوصول إلى الجرحى والمفقودين.

وفي سياق توثيق المأساة، أعلنت وزارة الصحة إضافة 299 شهيداً إلى الإحصائية التراكمية بعد استكمال بياناتهم واعتمادها من اللجنة الحكومية المختصة، وذلك عن الفترة الممتدة من الحادي والعشرين حتى الثامن والعشرين من نوفمبر الجاري، ويُذكَر أن عملية التوثيق تستغرق وقتاً طويلاً نظراً لحجم الدمار ووجود آلاف المفقودين الذين لم تُعرف مصائرهم بعد، ما يرجح أن الأعداد الحقيقية قد تكون أعلى بكثير من الرقم الرسمي.

في ظل هذه الأرقام المتصاعدة، يعيش قطاع غزة واحدة من أكثر المراحل قسوة في تاريخه، إذ فقدت آلاف العائلات كل شيء تقريباً، وأحياء كاملة تحولت إلى مساحة رمادية من الركام، في حين تحولت المستشفيات إلى غرف طوارئ دائمة تعمل بلا توقف رغم نقص الوقود والدواء والمعدات، ويصف العاملون في القطاع الصحي الوضع بأنه عمل شبه مستحيل، إذ يضطر الأطباء إلى معالجة إصابات خطيرة بإمكانات أولية، وإجراء عمليات جراحية دون تخدير كافٍ، في مشهد يعكس حجم الانهيار الإنساني.

أصوات تطالب بالعدالة

على المستوى الدولي، لا تزال المنظمات الإنسانية والحقوقية تطلق نداءات عاجلة لوقف نزيف الدم الفلسطيني، وتؤكد تقارير الأمم المتحدة أن المدنيين في غزة يعيشون وضعاً كارثياً، وأن النظام الصحي والإنساني على وشك الانهيار الكامل، وتشدد المفوضية السامية لحقوق الإنسان على ضرورة توفير حماية عاجلة للمدنيين، في حين تطالب وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين بفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات ومنع المجاعة التي تهدد مئات الآلاف.

وتذهب منظمات حقوقية دولية، منها منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، إلى اعتبار ما يحدث في غزة انتهاكات جسيمة قد ترقى إلى جرائم حرب، مؤكدة أن حجم الضحايا والدمار يفرض تحقيقات مستقلة ومحاسبة جدية، ورغم ذلك، لا تزال المساعي السياسية عاجزة عن وقف الكارثة، في حين يشعر الفلسطينيون بأن العالم يشاهد ولا يتدخل.

على الأرض، يروي الناجون قصة أخرى أكثر عمقاً من الأرقام، يحكي الأهالي عن أيام طويلة تحت الحصار داخل منازل مهدمة، وعن انتظار مرير لفرق الإنقاذ التي لا تصل إلا بعد ساعات طويلة أو ربما أيام، ويروي الأطفال قصص الانتقال من ملجأ إلى آخر، ومن منطقة مهددة إلى أخرى تحت النار، ويقول سكان القطاع إنهم يواجهون موتاً متعدد الأشكال، يبدأ بالقصف وينتهي بانعدام الطعام والماء والدواء.

ويصف ناشطون إنسانيون داخل غزة المشهد بأنه حرب صامتة على الحياة اليومية، حيث لم يعد الناس يقاتلون من أجل النجاة من القصف فقط، بل من أجل البقاء أساساً، أما كبار السن فيعبرون عن خوفهم من أن يفقد الجيل الجديد قدرته على التعافي النفسي والاجتماعي من هول ما شاهده.

نداءات متكررة بلا استجابة

بالرغم من الأرقام المرتفعة للضحايا واحتياجات السكان الإنسانية، ما زالت الاستجابة الدولية أقل بكثير من حجم المأساة، سواء من ناحية الضغط السياسي لوقف الاعتداءات أو من ناحية الإغاثة الإنسانية، وتقول منظمات الإغاثة إن دخول المساعدات إلى القطاع ما يزال محدوداً للغاية، وإن الاحتياجات الأساسية تتضاعف يوماً بعد آخر، في حين يخشى الخبراء من تداعيات طويلة المدى على الصحة العامة، خصوصاً مع انتشار الأمراض ونقص اللقاحات وتعطل شبكات المياه والصرف الصحي.

تجدر الإشارة إلى أن الأمم المتحدة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في التاسع والعشرين من نوفمبر، وهو التاريخ الذي أصدرت فيه الجمعية العامة قرار التقسيم رقم 181 عام 1947، وتشكل هذه المناسبة فرصة سنوية لتذكير العالم بالمأساة الفلسطينية الممتدة منذ أكثر من سبعة عقود وبحقوق الفلسطينيين غير القابلة للتصرف.

وتؤكد الأمم المتحدة من خلال بياناتها وتقارير هيئاتها المختلفة ضرورة احترام القانون الدولي الإنساني وتوفير حماية للمدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما دعت المؤسسات الحقوقية الدولية إلى فتح تحقيقات مستقلة في الانتهاكات المرتكبة، وحثت المجتمع الدولي على تحمل مسؤولياته في وضع حد لحلقة العنف المتكررة وضمان دعم الجهود الرامية لتحقيق العدالة والسلام.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية