بعد أشهر من القلق والترقب.. الكونغو الديمقراطية تعلن نهاية موجة إيبولا
بعد أشهر من القلق والترقب.. الكونغو الديمقراطية تعلن نهاية موجة إيبولا
شهدت جمهورية الكونغو الديمقراطية خلال الأشهر الماضية واحدة من أكثر الموجات المقلقة من تفشي فيروس إيبولا، أعادت إلى الأذهان كوابيس الأوبئة التي فتكَت بالآلاف في إفريقيا على مدى العقود الماضية، وخاصة في المناطق الفقيرة والهشة صحيًا.
وبعد صراع طويل بين الفرق الطبية والفيروس القاتل، أعلنت السلطات أخيرًا السيطرة على آخر موجة، في خطوة أعادت بعض الأمل، لكنها في الوقت ذاته كشفت حجم هشاشة البنية الصحية ومعاناة السكان في مواجهة الأوبئة.
وأعلنت السلطات الصحية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، الاثنين، انتهاء آخر موجة لتفشي فيروس إيبولا في البلاد، بعد أن أودى الوباء بحياة ما لا يقل عن 34 شخصًا منذ أواخر شهر أغسطس الماضي، في حصيلة تعكس حجم المأساة الإنسانية التي عاشتها المنطقة المنكوبة، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس".
وأوضحت الجهات الصحية أن عدد الإصابات المؤكدة بلغ 53 حالة، في حين يُرجّح أن يكون الفيروس قد تسبب في وفاة 11 شخصًا آخرين لم تُثبت إصابتهم مخبريًا، ما يرفع إجمالي عدد الوفيات المحتملة إلى 45 حالة، معظمهم من مناطق تعاني أصلًا من ضعف حاد في الخدمات الطبية وسوء التغذية ونقص الكوادر الصحية.
تاريخ طويل مع الوباء
سجّلت الكونغو الديمقراطية ما لا يقل عن 16 موجة تفشٍّ لفيروس إيبولا منذ اكتشافه لأول مرة عام 1976 في منطقة كانت تُعرف حينها بزائير، ما جعل البلاد واحدة من أكثر بلدان العالم تأثرًا بهذا الوباء القاتل.
شهدت البلاد بين عامي 2018 و2020 أسوأ موجة لإيبولا على الإطلاق، حيث تم تسجيل نحو 3500 إصابة، توفي منها ما يقارب 2300 شخص، وهي أرقام عكست حجم الكارثة الصحية، وفضحت ضعف الاستجابة الدولية في المراحل الأولى من الأزمة آنذاك.
وبدأت آخر موجة تفشٍ مع تسجيل الحالة الأولى يوم 20 أغسطس، عندما نُقلت امرأة حامل تبلغ من العمر 34 عامًا إلى المستشفى في مقاطعة كاساي وسط البلاد، وهي منطقة تعاني من الفقر وندرة الإمكانيات الطبية، الأمر الذي أسهم في انتشار القلق بين السكان منذ الأيام الأولى.
حملة تطعيم عاجلة
أعلنت السلطات رسميًا تفشي المرض في مطلع سبتمبر، وشرعت بعد ذلك بأيام في تنفيذ حملة تطعيم عاجلة شملت المخالطين والكوادر الطبية والسكان في المناطق عالية الخطورة، في محاولة لاحتواء الفيروس ومنع تمدده إلى مناطق أخرى أكثر كثافة سكانية.
وافقت مجموعة التنسيق الدولية المعنية بإدارة المخزون العالمي للقاحات، على إرسال حوالي 45 ألف جرعة إضافية من لقاح إيبولا إلى الكونغو الديمقراطية، في استجابة اعتُبرت متأخرة من قبل ناشطين صحيين، في بلد يُصنَّف ضمن أفقر دول العالم وأكثرها معاناة من الأزمات الصحية المتكررة.
وشاركت منظمات دولية، منها منظمة الصحة العالمية ووكالة الصحة التابعة للاتحاد الإفريقي، في دعم الجهود الميدانية، عبر فرق طبية متنقلة ومعدات وقائية، إلا أن هشاشة البنية التحتية وانعدام الطرق المعبدة وصعوبة الوصول إلى القرى النائية ظلت من أبرز التحديات أمام الاستجابة الفعالة والسريعة.
آلام المجتمعات المحلية
عانت العائلات في المناطق المتضررة من حالة رعب يومية، مع عجز كثير منها عن الوصول إلى المستشفيات أو دفع تكاليف العلاج، في ظل ضعف الخدمات العامة وانعدام التأمين الصحي، ما جعل الإصابة بإيبولا بمنزلة حكم بالإعدام بالنسبة للبعض.
تفاقمت معاناة النساء والأطفال بشكل خاص، إذ اضطر كثير من النساء إلى رعاية المرضى دون أدوات حماية، في حين حُرم آلاف الأطفال من الدراسة بسبب إغلاق المدارس والخوف من العدوى، لتضاف الخسائر النفسية إلى النزيف البشري الذي خلفه الوباء.
وأكّد خبراء الصحة أن إعلان انتهاء التفشي لا يعني زوال الخطر تمامًا، إذ يبقى الفيروس كامناً في بعض الحالات، وقد يعاود الظهور إذا لم تُستكمل إجراءات المراقبة والتوعية والرصد المبكر.
وحذّر مسؤولون صحيون من أن فترة حضانة الفيروس التي تتراوح بين يومين و21 يومًا تفرض استمرار الحيطة والحذر، إلى جانب تدريب الكوادر المحلية وتحسين نظم العزل والعلاج، وتوفير استثمارات مستدامة في القطاع الصحي.
دعوة للعدالة الصحية
طالبت منظمات حقوقية وإنسانية المجتمع الدولي بعدم الاكتفاء بلحظة الإعلان عن انتهاء التفشي، بل بالتحرك الجاد لدعم النظام الصحي في الكونغو الديمقراطية، وضمان حق المواطنين في العلاج والرعاية الصحية والوقاية من الأوبئة، باعتبار ذلك حقًا إنسانيًا أساسيًا لا يقبل المساومة.
وشدّدت هذه المنظمات على أن تكرار أوبئة إيبولا في البلاد ليس قدرًا محتومًا، بل نتيجة مباشرة للفقر المدقع، والإهمال الدولي، ونهب الثروات الطبيعية، وغياب العدالة في توزيع الموارد والخدمات الصحية.











