نحو 378 ألف لاجئ.. عودة آلاف السوريين من لبنان وسط تساؤلات الحماية
نحو 378 ألف لاجئ.. عودة آلاف السوريين من لبنان وسط تساؤلات الحماية
أعلنت منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، اليوم الخميس، عودة أكثر من 378 ألف لاجئ سوري من لبنان إلى بلادهم، في تطور إنساني لافت جاء بالتزامن مع إطلاق المرحلة الثانية عشرة من برنامج العودة الآمنة والمنظمة، الذي بدأ مطلع يوليو الماضي، وسط ظروف معقدة يعيشها اللاجئون منذ سنوات في لبنان في ظل ضغوط اقتصادية واجتماعية متزايدة.
وجاءت هذه العودة في ظل مطالبات متكررة بضرورة تأمين شروط الكرامة والحماية القانونية والاجتماعية للعائدين، وضمان عدم تعرضهم لأي شكل من أشكال الاضطهاد أو الاعتقال التعسفي أو فقدان الحقوق الأساسية بعد وصولهم إلى أراضيهم.
وأكدت منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تدوينة عبر منصة “إكس”، أنه “مع عودة أكثر من 378 ألف لاجئ سوري، يبقى استمرار الدعم أساسيا لضمان العودة الآمنة والكريمة والمستدامة”، مشددة على أن العودة لا يجب أن تكون مجرد انتقال جغرافي، بل عملية إنسانية متكاملة قائمة على توفير فرص السكن الآمن، والخدمات الصحية، والتعليم، وسبل العيش الكريم.
واعتبرت المنظمة أن نجاح أي خطة عودة يعتمد على التزام المجتمع الدولي بمواصلة الدعم وعدم ترك العائدين لمواجهة المجهول وحدهم، خاصة في مناطق لا تزال تعاني آثار الدمار وضعف الخدمات والبنية التحتية المتهالكة.
العودة المنظمة للنازحين
نظّم جهاز الأمن العام اللبناني المرحلة الثانية عشرة من خطة الحكومة اللبنانية للعودة المنظمة للنازحين السوريين من لبنان إلى سوريا، بحسب بيان رسمي أكد أن القافلة انطلقت من مدينة كميل شمعون الرياضية في بيروت باتجاه مركز الأمن العام الحدودي في معبر المصنع شرق البلاد، بالتنسيق مع السلطات الأمنية السورية على الجانب الآخر من الحدود.
وشارك في الإشراف على العملية المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء حسن شقير، بحضور ممثل الأمم المتحدة في لبنان عمران ريزا، وممثلة مفوضية اللاجئين كارولينا ليندهولم، وممثل منظمة الهجرة الدولية ماتيو لوتشيانو، إلى جانب عدد من ضباط المديرية، في إشارة إلى الطابع الرسمي والمنظم لهذه المرحلة من العودة.
وأثنى اللواء حسن شقير على جهود عناصر وضباط الأمن العام الذين عملوا على تنظيم العملية بشكل يحفظ كرامة اللاجئين ويؤمن انتقالهم بأمان، كما نوه بدور المنظمات الدولية، لا سيما مفوضية اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية والصليب الأحمر اللبناني، في توفير الدعم اللوجستي والمساعدات الصحية والإنسانية للعائدين، بما في ذلك الفحوص الطبية الأولية، وتقديم بعض المستلزمات الأساسية خلال الرحلة.
وأشار شقير إلى أن هذا التعاون المشترك يعكس أهمية الشراكة الإنسانية في معالجة واحدة من أكبر أزمات اللجوء في المنطقة.
الخطوة في سياق أوسع
تندرج هذه المرحلة ضمن مبادرة العودة الطوعية التي تنظمها مفوضية اللاجئين بالتعاون مع جهات لبنانية ودولية، في وقت تشير فيه التقديرات الرسمية اللبنانية إلى أن عدد اللاجئين السوريين في لبنان يبلغ نحو 1.8 مليون لاجئ، بينهم ما يقارب 880 ألفًا مسجلون رسميًا لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بينما يعيش الباقون أوضاعًا قانونية هشة تزيد من تعرضهم للاستغلال والعمل غير النظامي والحرمان من الخدمات.
وتأتي هذه العودة في ظل ضغوط اقتصادية خانقة يعاني منها لبنان، حيث بات ملف اللاجئين عبئًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا متصاعدًا، تستخدمه بعض الأطراف في خطابها الداخلي.
ويثير واقع العودة العديد من التساؤلات الحقوقية الجوهرية حول مدى توفر شروط الأمان والاستقرار داخل سوريا، لاسيما مع استمرار تدهور البنية التحتية في العديد من المدن والقرى، وغياب ضمانات واضحة بشأن السكن وحق الملكية وتوفر الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء والتعليم والرعاية الصحية.
كما يخشى مراقبون من أن تتحول “العودة الطوعية” في بعض الحالات إلى عودة قسرية غير مباشرة نتيجة الضغوط المعيشية والسياسية التي يتعرض لها اللاجئون في دول الجوار.
توقعات بعودة واسعة
توقع الرئيس السوري أحمد الشرع في وقت سابق أن يعود غالبية المواطنين الموجودين في الخارج خلال العامين المقبلين، في مؤشر على وجود توجه رسمي لإعادة دمج اللاجئين في المجتمع السوري، غير أن منظمات حقوقية تؤكد أن هذه العودة يجب أن ترتبط بإجراءات ملموسة تضمن الحريات الأساسية وتحمي العائدين من أي أعمال انتقامية أو تمييزية.
وتعيد هذه التطورات إلى الأذهان التحولات الكبرى التي شهدتها سوريا بعد بسط فصائل سورية سيطرتها على البلاد في 8 ديسمبر 2024، منهية 61 عامًا من حكم حزب البعث، بينها 53 عامًا من سيطرة أسرة الأسد، وهو ما شكّل نقطة مفصلية في تاريخ البلاد السياسي والإنساني.
وتتطلب المرحلة الراهنة تدخلًا دوليًا عاجلًا وشاملًا لضمان أن تكون عودة اللاجئين السوريين عودة آمنة وكريمة ومستدامة فعلًا، وليست مجرد حل مؤقت لأزمة سياسية أو اقتصادية في دول الجوار.
وتبرز الحاجة إلى برامج إعادة إعمار، ودعم نفسي واجتماعي، ومرافقة قانونية للعائدين، بما يحفظ كرامتهم ويمنحهم فرصة حقيقية لبدء حياة جديدة بعيدًا عن الخوف والتهجير والمعاناة التي لازمتهم لسنوات طويلة.











