تنفيذ حكم الإعدام بحق رجل أعمال في إيران بعد إدانته في قضايا احتيال مالي
تنفيذ حكم الإعدام بحق رجل أعمال في إيران بعد إدانته في قضايا احتيال مالي
أعلنت السلطة القضائية في إيران تنفيذ حكم الإعدام بحق مالك ومدير شركة «رضایت خودرو طراوت نوین»، غفاري، بعد إدانته بـ«المشاركة في الإخلال بالنظام الاقتصادي على نطاق واسع» و«المشاركة في الاحتيال الشبكي»، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً داخل البلاد وخارجها حول تصاعد العقوبات القصوى في القضايا الاقتصادية، وتزايد وتيرة الإعدامات خلال السنوات الأخيرة.
ونقلت وكالة «ميزان»، التابعة للسلطة القضائية، اليوم الأحد، أن حكم الإعدام بحق غفاري نُفّذ بعد مصادقة المحكمة العليا عليه بشكل نهائي، ليُسدل بذلك الستار على واحدة من أكبر قضايا الاحتيال المالي التي شهدتها إيران خلال العقد الأخير، والتي طالت عشرات آلاف المواطنين وألحقت خسائر هائلة بالمدّخرات الفردية وثقة الناس في سوق البيع المسبق للسيارات.
وكان القاضي المختص في محكمة جرائم الإخلال الاقتصادي بمحافظة قزوين، عبد الكريم كلهر، قد أعلن في مارس 2025 صدور حكم الإعدام بحق غفاري، موضحاً أن حجم الجرائم المرتكبة واتساع دائرة الضحايا وطبيعة التنظيم الشبكي المعقّد كانت من الأسباب الرئيسية وراء اللجوء إلى أقصى العقوبات.
وأضاف في حينه أن متهمين آخرين في القضية حُكم عليهم بالسجن لمدد طويلة، في حين صدرت قرارات قضائية بحلّ الشخصيات الاعتبارية (أي الشركات والكيانات القانونية) المتورطة في المخالفات.
أكثر من 28 ألف مُدّعٍ
ووفقاً للبيانات الرسمية، ضمت القضية أكثر من 28 ألف مُدّعٍ مدني، إضافة إلى 28 متهماً من الأفراد والشركات المرتبطة بالشبكة الأساسية، في واحدة من أضخم الدعاوى الجماعية أمام المحاكم الاقتصادية الإيرانية.
وأكد القاضي أنّ تعويض أموال المتضررين سيتم وفقاً لآخر العقود المبرمة وباحتساب مؤشر التضخم الذي يحدده البنك المركزي، في إشارة إلى محاولة احتواء الغضب الشعبي المتصاعد ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من حقوق الضحايا.
وفي أغسطس 2025، صادقت المحكمة العليا رسمياً على الحكم، ما مهد الطريق لتنفيذه، في سياق حملات متواصلة تشنّها طهران تحت عنوان مكافحة الفساد وحماية الاقتصاد الوطني ، والتي كثيراً ما تتقاطع مع انتقادات حقوقية تتهم السلطات باستخدام العقوبات القاسية كأداة للردع السياسي والاجتماعي.
وذكرت وكالة «ميزان» أن جلسات إرشادية عُقدت مع غفاري خلال فترة احتجازه، إلى جانب مفاوضات مطولة بشأن سداد مطالبات المتضررين، وشملت تلك الاجتماعات القاضي وممثل الادعاء العام وعدداً من الشخصيات الاعتبارية وممثلين عن الأجهزة الأمنية، في محاولة لإيجاد آلية لتسوية جزء من الحقوق المالية العالقة.
ورغم ذلك، أكدت السلطات أن الجهود الخاصة بتعويض الخسائر لا تزال مستمرة بجدية ووفق القانون.
كيف بدأت القصة؟
بدأ غفاري نشاط شركته في عام 2013، تحت اسم «رضایت خودرو طراوت نوین»، معلناً آنذاك عن مشروع لتصنيع وتجميع السيارات وتوفيرها للمواطنين بأسعار أقل من السوق، في وقت كانت فيه العقوبات الدولية تضغط بشدة على الاقتصاد الإيراني.
وفي وقت لاحق، تم فتح الملف القضائي للقضية رسمياً عام 2019 بعد تراكم شكاوى العملاء وتصاعد الشبهات حول اختفاء الأموال وعدم تسليم المركبات المتفق عليها.
وفي تصريحات سابقة، قال غفاري إن تأسيس المصنع جاء استجابة لنداء المرشد الأعلى علي خامنئي ضمن ما سُمّي بعام «نهضة الإنتاج»، وهو ما منح المشروع غطاءً وطنياً دفع آلاف المواطنين إلى الاستثمار فيه أملاً في توفير سيارة بسعر معقول أو تحقيق أرباح لاحقة.
وفي مارس 2022، أكد «الحرس الثوري» في محافظة قزوين وجود ثلاثة من عناصره، بينهم اثنان من المتقاعدين، ضمن الشركة، وهو ما زاد من حساسية القضية وتعقيداتها السياسية والأمنية.
توقيف 7 من أقارب غفاري
في يونيو 2024، أعلن المدعي العام السابق في قزوين، حسين رجبی، أن الشركة أبرمت أكثر من 34 ألفاً و550 عقداً مع المواطنين، وأن سلسلة المخالفات أدت في النهاية إلى توقيف سبعة من أقارب غفاري.
ومنذ منتصف عام 2023، خرج مئات المتضررين في احتجاجات متفرقة في طهران وقزوين وتاكستان، مطالبين باستعادة أموالهم ومحاسبة المسؤولين عن انهيار المشروع.
وتعرضت بعض تلك التظاهرات إلى قمع عنيف، وفي إحدى الحوادث، عقب احتجاج في سبتمبر 2023، اعتُقل 11 متظاهراً في قزوين، ما ألقى بظلال سياسية إضافية على القضية.
وأفادت وسائل إعلام محلية في عام 2023 بأن قيمة المخالفات المالية المرتبطة بالشركة تُقدّر بنحو 30 ألف مليار تومان، وأن عدد المتضررين تجاوز 38 ألف شخص في مختلف أنحاء البلاد، معظمهم من ذوي الدخل المحدود الذين استثمروا مدّخرات حياتهم في مشروع البيع المسبق للسيارات.
عودة الإعدامات الاقتصادية
يأتي تنفيذ حكم الإعدام بحق غفاري في سياق عودة لافتة إلى استخدام عقوبة الإعدام في القضايا ذات الطابع الاقتصادي في إيران.
ويعود آخر إعدام مماثل إلى ديسمبر 2018 بحق حميد باقري درمني، المعروف في الإعلام بلقب سلطان القير (الأسفلت)، بعد إدانته بـ«الإفساد في الأرض» على خلفية تهريب وتخزين مواد نفطية بشكل غير قانوني.
وفي تقرير حديث صدر بتاريخ 4 ديسمبر 2025، أعلنت «منظمة حقوق الإنسان في إيران» أن ما لا يقل عن 1426 شخصاً أُعدموا في إيران خلال الأحد عشر شهراً الأولى من العام الجاري، مقارنة بـ836 في الفترة نفسها من عام 2024، أي بزيادة تُقدّر بنحو 70%، ما يجعل عام 2025 من بين أكثر الأعوام دموية من حيث تنفيذ أحكام الإعدام في تاريخ البلاد الحديث.
ودعت المنظمة شخصيات ثقافية وسياسية ومدنية، داخل إيران وخارجها، إلى التحرك العاجل لمواجهة ما وصفته بـ«الموجة المتصاعدة من الإعدامات»، محذّرة من أن توسيع استخدام هذه العقوبة، خاصة في القضايا الاقتصادية، يهدد بمفاقمة التوترات الاجتماعية وزيادة فقدان الثقة بين المواطنين والسلطات.
وبينما تؤكد الحكومة الإيرانية أن هذه الإجراءات تهدف إلى ردع الفساد وحماية الاقتصاد الوطني، ترى منظمات حقوقية ومعارضون أن تنفيذ الإعدام في قضايا مالية يعكس نهجاً عقابياً متشدداً قد يغطي على مشكلات أعمق تتعلق بسوء الإدارة وضعف الرقابة وغياب الشفافية في المؤسسات الاقتصادية.











