مفارقة إفريقيا وإصلاح مجلس الأمن

مفارقة إفريقيا وإصلاح مجلس الأمن

باسم ثروت

 

مرَّ نصف قرن من الزمان وها نحن ماضون نحو ربع الآخر، أحداث كثيرة وقعت؛ انتهاء حربين عالميتين وحرب باردة والعديد من الأوبئة والكوارث الاقتصادية، وبعد كل هذا ما زال الخمسة الكبار المنتصرون في الحرب العالمية الثانية (الصين، أمريكا، فرنسا، روسيا، بريطانيا)، هم المتحكمون في مقدرات الدول، فهم يمثلون دور شرطي العالم من خلال مجلس الأمن الدولي.

 

مجلس الأمن هو هيئة تابعة للأمم المتحدة يتحمل المسؤولية الأساسية عن حماية السلم والأمن الدوليين، تشكل في البداية من 11 عضوا، من بينهم 5 أعضاء دائمين و6 أعضاء غير دائمين، وفي عام 1963 تم تعديل ميثاق الأمم المتحدة للسماح بزيادة عدد الأعضاء غير الدائمين من 6 إلى 10 إلى غاية اليوم.

 

كانت هذه هي المحاولة الناجحة الوحيدة لإصلاح المجلس في الوقت الحاضر ضم المجلس 15 عضوًا، منهم خمسة أعضاء دائمين و10 أعضاء غير دائمين تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة لولاية مدتها سنتان.

 

الشاهد هنا، منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في نهايات القرن المنصرم، أصيب النظام الدول بخلل وحالة من الاضطراب، ففي الحرب الباردة أسرفت كل من القوتين الكبرتين أمريكا والاتحاد السوفيتي في استخدام حق الفيتو تجاه الأزمات التي تعالج من المجلس ففي حال التعارض مع مصالحهم يلقون بالفيتو حلاً.

 

لكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وانفراد الولايات المتحدة بمجريات ومقدرات الأمور، وإعلانها القرن 21 قرناً أمريكياً خالصاً، انعكس ذلك في زيادة نشاط المجلس واستعادة دوره في معالجة الأزمات والصراعات الدولية بسبب غياب استخدام الفيتو، فقد تم توظيفه سياسياً من قبل الولايات المتحدة حيث استخدم في الأزمات التي يراد له أن يتدخل فيها كنوع من إضفاء الشرعية على التدخلات الأمريكية كما حدث في أفغانستان والعراق وليبيا.

 

لم يبقَ الحال على ما هو عليه كثيرا، وبخاصة بعد هبوب عاصفة الربيع العربي التي بدلت الأحوال والطباع، فقد سادت حالة من التخبط والترنح في النظام الدولي خلال العقد الماضي فقد عجز عن حل معظم الصراعات والحروب الناتجة جراء العاصفة، كما عادت روسيا ومعها الصين من جديد تسعيان لإقامة نظام متعدد القطبية، فكل منهما يستخدم حق الفيتو ضد أي قرارات تتعارض مع مصالحها أو مصالح حلفائها، ونتيجة ذلك، إطالة أمد تلك الصراعات وأصبحت إدارتها خارج المجلس من قبل تلك الدول واختزل دور الأمم المتحدة فقط في الجوانب الإنسانية.

 

وبطبيعة الحال ونتيجة لما وصلت إليه الأمور، نادت أصوات كثيرة بإصلاح مجلس الأمن، وقدمت العديد من المبادرات لكن بلا فائدة، إلى أن اصطدم العالم بفيروس كورونا، هذا الفيروس الشائه الذي أبرز العجز الجلي للنظام الدولي في مواجهته، ودخول الدول في حالة انعزال في بداية الجائحة تاركين وراءهم الدول غير القادرة على المواجهة وحيدة تتلوى ألماً جراء هذا الوباء.

 

مع جائحة كوفيد-19، بلغت الانقسامات بين الدول الخمس الدائمة العضوية، مستويات لم تعد مقبولة بالنسبة لكثيرين، ففي اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بمقرها في نيويورك في سبتمبر الماضي، دعا قادة دول عدة بإصلاحات على تركيبة مجلس الأمن الدولي، فقد أشار الرئيس الأنغولي “جواولورينسو” إلى أنه يجب التوصل إلى تشكيلة تعكس بشكل أفضل تمثيل الشعوب والأمم والقارات، وأيده الكونغولي “فيليكس تشيسيكيدي”، مشيراً إلى أن العالم بحاجة إلى مجلس أمن يكون أكثر شفافية وديمقراطية وتمثيلاً، وانضم إليهم رئيس كوستاريكا “كارلوس ألفارادو” وكذلك الرئيس الأرجنتيني “ألبرتو فرنانديز”.

 

ودعا الرئيس السنغالي “ماكي سال” ونظيره الجنوب إفريقي “سيريل رامافوزا” الذي يؤدي زيارة رسمية للسنغال في هذه الأيام، إلى إصلاح مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة لكي تحصل إفريقيا على مقعدي عضوين دائمين مع حق النقض.

 

ويبقى السؤال، هل سنشهد مقاعد دائمة لدول إفريقية في مجلس الأمن باعتبارها دولاً ذات ثقل ديموغرافي وحضاري؟

 

لنطلق العنان للخيالات قليلاً ونفترض حدوث إصلاح في مجلس الأمن أفضى إلى نوال الدول الإفريقية 3 مقاعد دائما مع حق الفيتو، تظهر هنا عدة مفارقات محيرة، مثل طريقة اختيار هؤلاء الدول: هل ستتم بالتصويت داخل الاتحاد الإفريقي أم باختيار الدول ذات التعدادات السكانية الكبيرة أم الدول ذات معدلات النمو الاقتصادي الكبير أم ماذا؟ كل هذه المفارقات وغيرها تجعل من عملية اختيار الدول نفسها شيئاً مستحيلاً، ناهيك أصلاً عن إقناع الخمسة الكبار بإصلاح مجلس الأمن.

 

ودعونا نفترض من جديد في حال توافقت الدول الإفريقية فيما بينها وتم اختيار 3 دول لنوال المقاعد الدائمة في مجلس الأمن، ولنفترض أيضاً توافق دول أمريكا الجنوبية واختيار دولتين لنوال مقعدين دائمين ليصبح مجلس الأمن يشمل 10 أعضاء دائمين.

 

يظهر هنا تساؤل طارحاً نفسه، هل ستصمد هذه الدول داخل المجلس ويكون لها صوت حر أم سيغرقهم الخمسة الكبار بالضغوط؟

 

معظم الدول الإفريقية ودول أمريكا الجنوبية لديها الكثير من المشاكل الداخلية مثل الإرهاب والصراعات العرقية والاثنية وتجارة البشر والمخدرات والهجرة غير الشرعية والانقلابات العسكرية وتدني مستويات المعيشة وانتشار الجماعات المسلحة وغيره، بالإضافة إلى الانكشاف الاقتصادي واعتمادها على تصدير المواد الأولية ما يجعلهم أكثر عرضة من غيرهم للتأثر بأي ضغوطات اقتصادية.

 

ناهيك عن كون العديد من الدول الإفريقية مستعمرات سابقة لاثنين من الخمسة الكبار، فرنسا وبريطانيا اللذين يتدخلان بشكل أو بآخر في مقدرات الأمور الداخلية للبلدان الإفريقية، بالإضافة إلى أمريكا وروسيا والصين فهم أيضاً يملكون نفوذا وحضوراً قوياً في القارة، وبعد كل ذلك هل نستطيع أن نتخيل أنه سيكون مجلس عادل ومستقيم في حال حدث الإصلاح؟ الإجابة وللأسف: لا، لن يكون.

 

إجمالاً، إن إصلاح مجلس الأمن عملية صعبة وشبه مستحيلة للغاية نظراً لأن الخمسة الكبار غير مستعدين البتة لخسارة نفوذهم التي يمارسونها على دول العالم، وخصوصاً بعد التوسع الكبير في صلاحيات مجلس الأمن الدولي بعد انتهاء الحرب الباردة، حيث نجد المادة 39 التي تعطى المجلس صلاحية تقدير مصادر تهديد السلم والأمن الدوليين والتي أدت لتوسيع هذا المفهوم وإدراج العديد من المصادر مثل جرائم الحرب وجرائم الإبادة الإنسانية لاعتبارات عرقية ودينية وطائفية، وانتهاكات الديمقراطية، الأمر الذي يسمح لهم بالتدخل في شؤن الدول وبخاصة النامية منها تحت ذريعة انتهاكات حقوق الإنسان أو صرعات عرقية أو غيره.

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية