الأطفال ضحايا الدولة والحرب

أزمات بالجملة تنتهك الطفولة في لبنان.. آخرها اغتصاب الأطفال

أزمات بالجملة تنتهك الطفولة في لبنان.. آخرها اغتصاب الأطفال

لبنان- بلال نور الدين 

من دون سابق إنذار انفجرت فضيحة عصابة التيك توك في لبنان، لتضيف فصلا جديدا إلى الأزمات اللبنانية عنوانه الانحطاط الأخلاقي وانتهاك حقوق الطفل، فعصابة التيك توك التي ألقي القبض عليها مؤخرا بتهمة اغتصاب القُصر وتصويرهم بهدف بيع المحتوى المصور بآلاف الدولارات للمنحرفين، لم تكن الأولى التي تستغل الأطفال، ليبقى الطفل بذلك فريسة ضعيفة، والتي تفتح الباب للسؤال عن واقع الأطفال في لبنان ومدى قدرة القانون على توفير الحماية اللازمة لهم.

وعلمت "جسور بوست" أن قوى الأمن سجلت منذ العام الماضي وحتى اليوم 97 حالة اعتداء بحق قاصرات بينهم 53 لبنانية، و37 سورية، وفلسطينيتان، وعراقية، وأردنية وأخريات، وتتراوح الجرائم بين الاغتصاب، والتحرش، والإجبار على ممارسة الدعارة، والتعرض للتحرش الجنسي من غرباء، بالإضافة إلى التعرض للتحرش من قبل الآباء، في حين أن أغلب الجرائم التي سجلت مؤخرا بحق الذكور مرتبطة بالاعتداء الجنسي.

وبالعودة لقضية عصابة التيك توك، فإن ملاحظات كثيرة سجلت خاصة لناحية طريقة تعاطي الإعلام، فبينما تشدد القوانين اللبنانية على ضرورة الحفاظ على سرية التحقيقات حماية للضحية إن كانت بالغة أو من القصر، إلا أن تسريب المعلومات بات أمرا طبيعيا في لبنان، حيث يتم تناول أسماء الضحايا بدون أي مراعاة لمشاعرهم ما يسبب حرجا شديدا لهم ولعائلاتهم، ويجعل ضحايا آخرين يتجنبون الإبلاغ عن قضاياهم خوفا من الفضيحة، علما أن المادة 420 من قانون العقوبات اللبناني تجرم تسريب التحقيقات القضائية قبل تلاوتها في جلسة محاكمة علنية.

حقوق مصانة

وعن مدى احترام القضاء للقاصرين في حال كانوا مرتبكين أو معتدى عليهم، كشفت رئيسة الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان، أميرة سكر، أن القانون الذي يحمل رقم 422 "يضمن معاملة منصفة للأحداث سواء كانوا مخالفين للقانون أو بحاجة للحماية".

وأضافت "سكر" في تصريحات لـ"جسور بوست"، مفصلة الحقوق التي تكفلها القوانين للطفل خلال التحقيق معه أمام الجهات المختصة، أن "الإجراءات القانونية التي تواكب القاصر أثناء وجوده أمام الضابطة العدلية تضمن وجود محامٍ، وعامل اجتماعي، ومترجم، وطبيب شرعي، وقاضي أحداث"، علما أن المحاكمات تكون سرية.

وفي إطار احترام القاصر المرتكب أو المتهم، فإنه في عام 2021 تم تعديل المادة 31 من قانون حماية الأحداث المخالفين للقانون أو المعرضين للخطر، بحيث يحظر استخدام السلاسل والأصفاد أو أي أدوات تقييد أخرى إلا في حالات الضرورة القصوى ولأقصر فترة ممكنة ووفق ظروف استثنائية.

كما باتت المادة تنص على أهمية نقل الحدث إلى مكان احتجازه أو منه، بشكل لا يعرضه لأنظار الجمهور إلا بأدنى قدر ممكن، وتتخذ تدابير لحمايته من فضول الجمهور ومن العلنية بأي شكل من أشكالها.

أميرة سكر

وردا على سؤال حول أخبار انتشرت عن تعنيف أطفال أمام المحققين أو داخل السجون نفت تلك الشائعات، وقالت “سكر”، إن "القاصرين لا يتعرضون للضرب أو التعذيب أثناء التحقيقات، ولكن قد يحدث أحيانا محاولة للمقاومة أثناء إلقاء القبض عليهم".

ولا تنكر "سكر" بأنه "يمكن حدوث خرق في أوقات نادرة"، مشيرة إلى أنه "حالما نعرف بذلك نقوم بإخبار وزارة العدل- مصلحة الأحداث وقوى الأمن الداخلي ودائرة حقوق الإنسان"، مضيفة "إننا فور تبلغنا بأي انتهاكات نسجل ذلك على الاستمارة الخاصة بقوى الأمن، كما نقوم بإعلام قاضي الأحداث".

وعن حال السجون الخاصة بالأحداث، أوضحت "سكر"، أن “السجون تقع ضمن مسؤولية وزارة الداخلية التي تبذل جهودا كبيرة في هذا المضمار، هناك مشاغل الأحداث،  وتساعد الجمعيات المختلفة في السجون والأنشطة والتعلم أيضا والمتابعة الصحية والنفسية، إلا أن تأخر الجلسات بسبب النظام القضائي وغيرها من العوامل تؤدي إلى الاكتظاظ. وبالتالي، فإن الخدمات المقدمة لا تكفي إزاء الوضع الاجتماعي الاقتصادي الحالي وهذا ينعكس على واقع السجن".

وكشفت رئيسة الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان، عن أنه “سيتم نقل القاصرين إلى مركز الوروار وهو مجهز بشكل أفضل من رومية ومخصص للقاصرين".

وعن مدى تلقي الطفل السجين الإصلاح داخل السجن، قالت إن “البرامج الإصلاحية ينبغي أن تأخذ وقتا طويلا كي يتم تعديل السلوك. وهذا غير ممكن على المدى القصير، كما أن الأعداد تفوق القدرة على التأهيل. ولا يوجد أشخاص خبراء في مجال البرمجة السلوكية. ولكن لا يمكن أن نقول إنه يتخرج أكثر إجراما، فهذا يعود لهشاشته ومدى احتمال انحرافه”.

وختمت حديثها، بقولها “نتمنى تصعيد عقوبات مرتكبي الجرائم والانتهاكات بحق الأطفال".

يذكر أن هناك نحو 200 قاصر في السجون اللبنانية.

قوانين تحتاج للتعديل 

وحول تقييم قوانين العقوبات التي تنفذ بحق القصر، أوضح نقيب المحامين السابق والنائب الحالي في البرلمان اللبناني، ملحم خلف، أنه “بالنظر إلى قانون حماية الأحداث المخالفين للقانون أو المعرضين للخطر (422/ 2002) نرى أنه في المادة 5 وضعت التدابير المتخذة بحق الأحداث كنوع من العقوبات مثل اللوم، والوضع تحت الاختبار، والحرية المراقبة، والعقوبات المخفضة، وبالتالي، لا بد من وضع هذه التدابير كأولوية لتعليم الحدث، وتأهيله وتعزيز اندماجهم الاجتماعي من خلال الاستشارة النفسية، والتدريب المهني، وتعزيز الدعم التعليمي وتعزيز الاندماج الاجتماعي، عوضا عن معاقبته، مع الأخذ بعين الاعتبار شخصية القاصر ونموه".

وتابع "خلف" في حديث مع "جسور بوست"، “وفي ما يتعلق بالباب الثالث من القانون 422 نفسه، لجهة الحدث المعرض للخطر، يجب تعديل نص المادة 25 الفقرة 2 لتشمل أي نوع من الاعتداء بما فيها الجنسي أو العنف الجسدي أو المعنوي، وإلغاء ما يبيحه العرف من ضرورة التأديب غير المؤذي، بالإضافة إلى ضرورة إضافة فقرة تتعلق بالجرائم الإلكترونية المرتكبة ضد الأحداث المعرضين للخطر. والجرائم الإلكترونية تضم الاستغلال الجنسي للأطفال عبر جميع المنصات الإلكترونية، والتنمّر الإلكتروني، والاحتيال، والسرقة، والتجنيد في الأنشطة الإجرامية. كما يجب تعديل نص المادة 26 في نفس القانون".

ملحم خلف

وأضاف، "كذلك يجب تعديل بنص المادة 34، إذ يجب أن يكون حضور المحامي متلازماً مع حضور المندوب الاجتماعي أثناء التحقيقات، وأن يقوم المحامي بإفهام الحدث وضعه بصورة تتناسب مع قدراته".

وخلال شهر مايو الجاري تقدم النائب سامي الجميل بمشروع قانون للجنة حقوق الإنسان في البرلمان، بهدف تعديل عدد من المواد في قانون العقوبات لجهة تشديد العقوبة على مرتكبي الجرائم والانتهاكات بحق الأطفال، من أجل الردع والحد من تفشي العنف والجريمة.

وتتراوح عقوبات القانون اللبناني بحق مرتكبي جرائم ضد الأطفال ما بين 3 أشهر سجن والمؤبد، وذلك بحسب طبيعة الجرم المنتهك والذي قد يشمل اغتصاب الأطفال أو استغلالهم في ترويج المخدرات وغير ذلك.

واقع مأساوي

من ناحيته، يرى رئيس المعهد اللبناني لحقوق الطفل، برنار جرباقة، أن "واقع الأطفال في لبنان إلى تراجع، إن كان لناحية البيئة الحاضنة للأطفال، ذلك لأن العائلات تعاني من ضغوطات، وأيضا بسبب الانهيار المالي الذي وقع، بالإضافة إلى ازدياد المشكلات الأمنية، وأيضا النزوح السوري الذي بات يفاقم مشكلات الأطفال السوريين واللبنانيين على حد سواء، كما أن هناك الحرب الإسرائيلية على جنوب لبنان، حيث قتل عدد من الأطفال بسبب القصف، كما هناك نزوح في الداخل وهجرة للخارج".

وتابع جرباقة، في حديث مع "جسور بوست" ذاكرا مشكلات أخرى فيقول “ونرى أيضا أن هناك أطفالا صغارا مشردين على الطرقات ضمن عصابات تستخدمهم لكي يشحذوا المال. كما نلحظ أن هناك أطفالا يرتكبون جرائم ويمكن استغلالهم من قبل آخرين بشكل سهل، ونجد أيضا استغلال بعض الأطفال في النزاعات المسلحة، بحيث إنهم يحملون السلاح ضمن مجموعات منظمة أو ميلشيات. كما أن هناك تسربا مدرسيا، وصحيا لا توجد أسرة كافية، كما لا يجد الأطفال التغطية الصحية والعلاجات التي يحتاجون إليها".

وأضاف "جرباقة"، “كما توجد حالات عنف وتنمر بين الأطفال بعضها له أبعاد سياسية وطائفية، إلى جانب ازدياد زيجات الأطفال للإناث والذكور على حد سواء، خاصة لدى النازحين السوريين".

برنار جرباقة

وتابع أنه “يوجد ضغط نفسي على الأهل بسبب تراجع أوضاعهم المادية والاجتماعية. وقد أدى ذلك لازدياد العنف والمشكلات الأسرية، وتغير النمط الحياتي، وهذا كله يؤثر على نفسية الأطفال".

ووصف "جرباقة"، القانون 422 بالقانون "الجيد، ولكن يجب تعديله لكي يواكب العصر، فهو أقر عام 2002، وهو الآن يحتاج لتحديث، ولكن المشكلة شغور موقع رئيس الجمهورية حاليا وغياب المجلس النيابي عن دوره التشريعي".

يذكر أن القانون 422 هو قانون خاص، يحفظ حقوق الأحداث المخالفين للقانون الجزائي والأطفال المعرضين للخطر والأطفال ضحايا جرم جزائي في جميع المراحل القضائية.

آمال محطمة

ويرى مصدر في مكتب يونيسف الطفولة في لبنان أن الأزمة الكبيرة التي يعيشها لبنان أدت إلى "سقوط الأطفال في كل البلاد في براثن الفقر، ما أثر على صحتهم ورفاههم وتعليمهم، وحطم آمالهم، بالإضافة إلى تدمير العلاقات الأسرية، كما أصبح حصول الأطفال على الخدمات اللازمة محدوداً أو متقطعاً".

وأضاف المصدر في حديث مع "جسور بوست"، أن في لبنان هناك القليل جدًا من التخصص في كيفية حماية حقوق الأطفال بعيدًا عن العاملين في الخطوط الأمامية.

ويعتقد المصدر أن الأزمة اللبنانية التي نتج عنها تكلفة كبيرة أدت إلى "عواقب وخيمة على مقدمي الرعاية وأولياء الأمور، وعلى رفاهية الأطفال".

وتابع “يعترف العديد من مقدمي الرعاية أن الوضع الكئيب يجعلهم يعانون من التوتر المستمر، ما يؤدي إلى مشاعر الغضب تجاه أطفالهم، فقد شعر 6 من كل 10 أنهم يريدون الصراخ على أطفالهم وشعر 2 من كل 10 أنهم يريدون ضربهم وفقًا لمسح اليونيسف الذي أجري في أبريل 2023، ولا يزال التوتر يتصاعد. كما تلجأ الأسر إلى آليات التكيف السلبية ما يؤدي إلى زيادة عمالة الأطفال، وزواج القُصر، وأطفال الشوارع”. 

وأضاف المصدر، "لقد أظهر تقييم أجرته اليونيسف في نوفمبر 2023 أن: عدد الأسر التي ترسل أطفالها للعمل لتكملة دخل الأسرة، ارتفع إلى نسبة صادمة بلغت 16 في المائة، من 11 في المائة في أبريل 2023، كما تتصاعد حدة العنف، ونشهد أيضًا تورط المزيد من الأطفال في أنشطة إجرامية، والعنف السيبراني ضد الأطفال، وزيادة في استخدام المخدرات والاتجار بها من قبل الأطفال".

وأوصى المصدر بضرورة وجود "إطار قانوني قوي يحمي حقوق جميع الأطفال، وتقسيم واضح للأدوار والمسؤوليات حول حقوق الطفل، وتمويل عام مستدام يمكن التنبؤ به للأطفال، بالإضافة إلى إيجاد هيئة مستقلة يمكنها مراقبة أي شكاوى حول الانتهاكات والتحقيق فيها".

وتابع، "يجب بذل الجهود على المستوى الوطني لتعزيز برامج الرعاية الاجتماعية، وتقديم المساعدة المالية للأسر الضعيفة، وتعزيز حملات التوعية التي تركز على حماية الطفل ودعم الوالدين، وهكذا، يمكننا العمل على خلق بيئة أكثر أمانًا ورعاية لأطفال لبنان".

وختم حديثه مؤكدا أن" اليونيسف تعمل على تحسين البيئة من خلال تطوير التشريعات/ السياسات، بالإضافة إلى بناء القدرات بما في ذلك السلطة القضائية".
 


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية