بعد إعلان الأمم المتحدة تعليق توزيع المواد الغذائية في رفح..

كيف فرضت إسرائيل سياسة التجويع على الشعب الفلسطيني؟

كيف فرضت إسرائيل سياسة التجويع على الشعب الفلسطيني؟

معركة البقاء.. أميرة تروي قصة اليأس والشجاعة في وسط الدمار في رفح

الأمل يتلاشى في رفح.. توقف توزيع الغذاء يهدد حياة مئات الآلاف

مخيمات الفارين في وسط غزة.. أزمة غذائية خانقة تزيد من المأساة 

إن مشاعري خليط من اليأس والخوف والغضب، أشعر كما لو أن العالم يتفرج علينا ونحن نغرق في بئر عميقة بلا مد يديه، أنا قلقة على أطفالي، أتساءل كيف سأتمكن من إطعامهم في الأيام القادمة، أعيش في رعب مستمر من أن تتدهور الأوضاع أكثر، وأن يأتي يوم لا أجد فيه حتى فتات الخبز لأقدمه لهم. 

السطور السابقة روتها أميرة شتا من غزة وبعد ما حدث لها نزحت إلى رفح، وفي الأيام الأخيرة وبعد التهديد بضرب رفح تجوب الدمار بحثًا عن رقعة آمنة.

في سياق متصل وفي مشهد يتكرر، لكن تداعياته تتفاقم، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، يوم الثلاثاء 21 مايو 2024، تعليق توزيع المواد الغذائية في رفح بسبب مشكلات في الإمدادات وانعدام الأمن. 

هذا الإعلان، الذي جاء كالصاعقة على آذان السكان المنهكين، يمثل جزءًا من صورة أوسع لأزمة إنسانية تتصاعد بحدة في غزة. 

في حديثها لـ"جسور بوست" تقول أميرة: “كل يوم يمر علينا هنا في رفح يزداد الوضع سوءاً، منذ بداية الحصار والعمليات العسكرية، ونحن نعيش في ظروف لا يمكن وصفها، أطفالنا يبكون من الجوع، ونحن عاجزون عن توفير أبسط احتياجاتهم، لقد سمعنا أن الأمم المتحدة تحذر من مجاعة وشيكة، لكن بالنسبة لنا، المجاعة ليست مجرد تحذير، إنها واقع نعيشه يوميًا، المساعدات توقفت، والمخازن فارغة، والآمال تتلاشى مع كل طلعة جوية جديدة”. 

وتتابع في أسى، “حياتنا اليومية أصبحت كفاحاً مستمراً من أجل البقاء، نستيقظ على أصوات القصف والدمار، ونقضي يومنا في البحث عن أي شيء يمكننا تناوله، لم يعد لدينا متسع من الوقت للتفكير في المستقبل، فنحن مشغولون بمواجهة اللحظة، والطوابير أمام مراكز التوزيع التي توقفت عن العمل كانت تشكل أملاً، أما الآن فقد أصبحت مصدر إحباط ويأس، الأطفال لا يفهمون لماذا يتضورون جوعاً عيونهم تملؤها الدموع، وأسئلتهم التي لا أجد لها إجابة تؤلمني بعمق، كيف يمكن أن أشرح لهم أن العالم الذي من المفترض أن يحميهم قد نسيهم؟”.

وتتابع، “نشعر أن العالم قد نسينا، وأن معاناتنا أصبحت مجرد أرقام في تقارير الأخبار، نطالب المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لإدخال المساعدات الإنسانية وفتح الممرات الآمنة، نحتاج إلى دعم حقيقي، وليس مجرد كلمات ووعود، أطفالنا يستحقون الحياة، ونحن لن نتخلى عن الأمل في مستقبل أفضل، مهما كانت الظروف قاسية”. 

وتساءلت، “كيف يمكن أن نبقى صامدين ونحن محاصرون من كل جانب؟ لم يعد هناك مكان آمن نلجأ إليه، ولا طعام نسد به رمقنا. نتشارك ما تبقى من طعام مع جيراننا، نحاول أن نبتكر طرقاً للبقاء، ولكن الوقت ينفد، التحذيرات من المجاعة ليست مجرد كلمات بالنسبة لنا؛ إنها واقع مؤلم نعيشه يومياً، إذا لم يتحرك العالم الآن، فإننا سنواجه كارثة إنسانية أكبر من أي وقت مضى”.

وأضافت، “أعبر عن معاناتي وآمالي، آمل أن يصل صوتنا إلى من يستطيعون تقديم العون لنا، لعلهم يتحركون لإنقاذ أرواح بريئة لا ذنب لها سوى أنها وجدت في هذا المكان وفي هذا الزمان، إنني أعيش على أمل أن يتمكن المجتمع الدولي من رؤية معاناتنا والعمل على تخفيفها، أطفالنا يستحقون فرصة للحياة، ونحن لن نتخلى عن الأمل في مستقبل أفضل”.

الأمم المتحدة تحذر من «مجاعة وشيكة» في غزة

تفاصيل الأزمة 

الأونروا، في منشور لها على منصة إكس، أوضحت أن توزيع المواد الغذائية في رفح قد توقف حاليًا بسبب نقص الإمدادات وانعدام الأمن، ولم يعد من الممكن الوصول إلى مركز التوزيع التابع للوكالة وكذلك مركز برنامج الأغذية العالمي في رفح بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة. 

هذه العمليات العسكرية، التي تشبه طاحونة لا تتوقف عن الطحن، تزيد من عزلة المدينة وتجعل الحصول على الغذاء أشبه بمهمة مستحيلة. 

الأمم المتحدة لم تحدد عدد الأشخاص الذين بقوا في رفح منذ بدء الهجوم الإسرائيلي المكثف قبل أسبوعين، لكن يبدو أن عدة مئات الآلاف ما زالوا موجودين هناك. 

هؤلاء الأشخاص يواجهون الآن تحديات متعددة، من نقص الغذاء إلى انعدام الأمان، مما يجعل الحياة في رفح معركة يومية للبقاء على قيد الحياة. 

برنامج الأغذية العالمي أشار إلى أن الغذاء في وسط غزة ينفد أيضًا، حيث لجأ مئات الآلاف من الفلسطينيين الفارين من رفح إلى مأوى وسط نزوح جماعي فوضوي. 

هؤلاء اللاجئون، الذين تركوا خلفهم كل شيء في سبيل النجاة، أقاموا مخيمات جديدة أو احتشدوا في مناطق دمرتها بالفعل هجمات إسرائيلية سابقة، هذه المشاهد المؤلمة تعكس حجم الكارثة الإنسانية المتفاقمة. 

وحذرت عبير عطيفة، المتحدثة باسم برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، من أن "العمليات الإنسانية في غزة على وشك الانهيار". وأضافت أنه إذا لم يتم استئناف دخول الغذاء والإمدادات الأخرى إلى غزة "بكميات هائلة، فسوف تنتشر الظروف الشبيهة بالمجاعة". 

هذه التحذيرات تؤكد خطورة الوضع الحالي، حيث يتزايد عدد الأشخاص الذين يواجهون خطر الجوع يومًا بعد يوم. 

العمليات العسكرية المتواصلة تعيق جهود الإغاثة وتجعل من الصعب على المنظمات الإنسانية تقديم المساعدات اللازمة، وفي رفح وحدها، هناك حوالي 300,000 شخص يعتمدون على المساعدات الغذائية التي توفرها الأونروا وبرنامج الأغذية العالمي. 

في خضم هذه الأزمة، يبقى الأمل في التحرك السريع والمستدام من قبل المجتمع الدولي، وتحتاج غزة إلى دعم دولي فوري لإدخال المساعدات الإنسانية وضمان وصولها إلى من هم في أمس الحاجة إليها. 

ويرى خبراء ضرورة وجود جهود دبلوماسية مكثفة لفتح الممرات الإنسانية وتأمين وصول الإمدادات الأساسية، كما أن تعزيز الدعم للمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية يعتبر أمرًا حيويًا، لضمان استمرار تقديم الخدمات الإنسانية وحماية حقوق الإنسان في هذه الظروف الصعبة، فالتعاون الدولي والمساعدات المالية والتقنية يمكن أن تسهم في تخفيف حدة الأزمة ومنع وقوع كارثة إنسانية أكبر. 

الأونروا وبرنامج الغذاء العالمي يحذران من المجاعة في غزة | أخبار | الجزيرة  نت

الوضع كارثي ويلزمه تحرك دولي

وبدوره علق مصطفى عبدالكبير، رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان بقوله، إن التحذيرات الأخيرة من الأمم المتحدة بشأن احتمالية وقوع مجاعة في رفح تضعنا جميعاً أمام مسؤولية تاريخية وإنسانية ملحة، الوضع في رفح كارثي بكل المقاييس، حيث يعاني السكان والنازحون من نقص حاد في المواد الغذائية والمساعدات الأساسية، نتيجة للحصار والعمليات العسكرية المستمرة، هؤلاء الناس يعيشون في ظروف غير إنسانية، محرومين من أبسط حقوقهم في الغذاء والماء والأمان، وفي ضوء هذه الأزمة، أطالب المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لتقديم المساعدات الإنسانية إلى رفح وقطاع غزة بأكمله. 

وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، يجب فتح ممرات إنسانية آمنة لضمان وصول المساعدات الغذائية والطبية بشكل عاجل إلى السكان المحاصرين، إن الصمت والتردد في مثل هذه الأوقات يعني التواطؤ في معاناة مستمرة، سأستند في حديثي إلى عدة قرارات واتفاقيات حقوقية دولية تؤكد حق السكان المدنيين في الحماية وتلقي المساعدات الإنسانية، ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص في المادة 25 على: “لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفل له الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصة على صعيد التغذية والكساء والمسكن والعناية الطبية، أيضًا اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي تحمي المدنيين في زمن الحرب وتلزم الأطراف المتحاربة بتأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المحاصرين، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي يقر في المادة 11 بحق كل شخص في مستوى معيشي كافٍ، بما في ذلك الغذاء والملبس والمأوى، وبحقه في التحرر من الجوع”.

واستطرد، هناك أيضًا قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2417 الذي يدين تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب ويدعو جميع الأطراف إلى تسهيل الوصول السريع والآمن وغير المعاق إلى المساعدات الإنسانية.

وأتم، أؤكد أن الالتزام بهذه القرارات ليس خياراً بل واجباً أخلاقياً وقانونياً على المجتمع الدولي، لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي بينما يواجه الأبرياء خطر المجاعة، يجب أن تكون هناك ضغوط دبلوماسية مكثفة على جميع الأطراف لفتح ممرات إنسانية فوراً، ويجب زيادة التمويل والدعم للمنظمات الإنسانية العاملة على الأرض، أدعو أيضاً إلى تعزيز آليات الرقابة والمساءلة لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها وعدم استخدامها لأغراض سياسية أو عسكرية، إن الإنسانية تتطلب منا التحرك الآن، قبل فوات الأوان، رفح تستغيث، ويجب أن نستجيب لندائها بكل ما أوتينا من قوة وضمير.

تحليلات ومطالبات قانونية

وعلق كمال يونس خبير القانون الدولي بقوله، إن العمليات العسكرية المستمرة تعيق وصول المساعدات الضرورية، مما يعرض حياة مئات الآلاف من المدنيين للخطر، هؤلاء المدنيون، الذين هم بالفعل في حالة هشاشة، يواجهون الآن كارثة إنسانية محتملة، هنا أقدم تحليلي للوضع وسأستند في تحليلي إلى مجموعة من القرارات والمعاهدات الدولية التي تضمن حقوق المدنيين في النزاعات المسلحة وتلزم الدول والأطراف المتحاربة بتأمين وصول المساعدات الإنسانية أولاً، اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 تحمي المدنيين في زمن الحرب وتلزم الأطراف المتحاربة بتأمين وصول المساعدات الإنسانية، المادة 59 من الاتفاقية تنص على أن "تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بضمان دخول الإمدادات الطبية والمواد الغذائية الضرورية لبقاء السكان المدنيين".

وتابع في تصريحات لـ"جسور بوست"، البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف (1977) يؤكد حماية السكان المدنيين ويوجب تأمين مرور المساعدات الإنسانية دون عوائق، أيضًا العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يضمن في المادة 11 حق كل شخص في مستوى معيشي كافٍ بما في ذلك الغذاء، والملبس، والمأوى، وتحريره من الجوع وأخيراً، قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2417 (2018) يدين استخدام تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب ويدعو جميع الأطراف إلى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية. 

وتابع، بناء على هذه الأطر القانونية، سأطالب المجتمع الدولي والحكومات والمنظمات المعنية بما يلي: أولاً، يجب على الأطراف المتحاربة تسهيل فتح ممرات إنسانية آمنة لضمان وصول المساعدات الغذائية والطبية إلى المدنيين المحاصرين في رفح. ثانياً، ينبغي على الأمم المتحدة والدول الأعضاء ممارسة ضغوط دبلوماسية مكثفة على الأطراف المتورطة في النزاع لضمان الامتثال للالتزامات الدولية المتعلقة بحماية المدنيين. ثالثاً، يجب على المجتمع الدولي زيادة الدعم المالي واللوجستي للأونروا وبرنامج الأغذية العالمي والمنظمات الإنسانية الأخرى لضمان استمرارية عملياتها وتلبية احتياجات السكان المحاصرين. رابعاً، يجب إرسال بعثات مراقبة دولية لضمان تنفيذ فتح الممرات الإنسانية وتوزيع المساعدات بشكل عادل وفعّال. 

وأتم، ينبغي تفعيل آليات المحاسبة لضمان محاسبة من يمنعون وصول المساعدات الإنسانية أو يستخدمون التجويع كسلاح حرب، وذلك عبر المحكمة الجنائية الدولية أو آليات دولية أخرى، وفي ظل الظروف الإنسانية الكارثية في رفح، يتعين على المجتمع الدولي التحرك فوراً وبشكل حاسم لحماية حياة المدنيين وتأمين وصول المساعدات الضرورية. إن الالتزام بالقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان ليس خياراً بل واجب، فكل يوم يمر دون تقديم المساعدة يزيد من معاناة الأبرياء ويقربنا من وقوع كارثة إنسانية كبرى.

المستشار كمال يونس وعلاء خضر ضيوف المنشاوي الخميس المقبل - جريدة الوطن  العربي

 


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية