سلاح العقوبات على روسيا.. كيف وقعت أوروبا تحت الحصار دون علمها؟

سلاح العقوبات على روسيا.. كيف وقعت أوروبا تحت الحصار دون علمها؟

لم يترك الاتحاد الأوروبي ومن ورائه أمريكا سلاحًا إلا واستخدمه كعقوبة يعاقب بها الدب الروسي، جراء حربه المشتعلة ضد أوكرانيا، شمل ذلك المجالات المالية والاقتصادية والتجارية، بل حتى الثقافية والرياضية.

وبدلًا من أن تصرخ روسيا من تلك العقوبات القاسية، بدأت أمريكا ودول أخرى في الاتحاد الأوروبي وخارجه كبريطانيا في الصراخ من ارتدادات تلك العقوبات عليها، لزيادة نسب التضخم كما لم ترتفع منذ عقود، ومرشحّة لارتفاعات أكبر، مما ينعكس على تكاليف المعيشة.

ارتداد العقوبات

وتبنى الاتحاد الأوروبي 6 حزم من العقوبات ضد روسيا، منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا يوم 24 فبراير، لكن عدة قطاعات، من بينها الغاز، لم تمتد إليها العقوبات بشكل كبير حتى الآن في وقت تتجنب فيه حكومات الاتحاد الأوروبي الإجراءات التي يمكن أن تلحق ضررا باقتصاداتها أكثر من الاقتصاد الروسي.

 أكد وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، أن بلاده بدأت تعاني من نقص إمدادات الغاز، معلنا أنها ترفع مستوى التأهب بشأن الطاقة بعدما خفضت روسيا شحناتها من الغاز، رفعت ألمانيا طوارئ إمدادات الغاز إلى المستوى الثاني من 3 مستويات. 

وقال هابيك في مؤتمر صحفي، إن الغاز أصبح “الآن سلعة نادرة في ألمانيا”، كان هابيك اعتبر في وقت سابق أن تراجع إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر خط أنابيب الغاز "نوردستريم 1"، والذي قررته مؤخرًا موسكو، هو "هجوم" اقتصادي يهدف إلى "بث الفوضى في السوق الأوروبية للطاقة".

وقال في كلمة أمام رؤساء شركات قطاع الطاقة "ما رأيناه الأسبوع الماضي يحمل بعدًا آخر، إن تقليص شحنات الغاز عبر نوردستريم هو هجوم علينا، هجوم اقتصادي علينا". 

كانت ألمانيا أعلنت، بأنها ستعيد تشغيل محطات كهرباء تعمل بالفحم لمواجهة نقص تدفقات الغاز الروسي، كما أعلنت كل من النمسا وهولندا الخطوة ذاتها قبل بضعة أيام.

ومعقبا على تحركات روسيا، قال هابيك "هذا بعد جديد، وهذه الإستراتيجية لا يمكن السماح لها بأن تنجح" معتبرا أن الوضع قد يصبح أسوأ من وباء فيروس كورونا. 

وأعلنت غازبروم، أنها ستخفض إمدادات الغاز إلى ألمانيا عبر خط الأنابيب بسبب تأخر الإصلاحات، ووصفت الحكومة الألمانية القرار بأنه "سياسي". 

ورغم ما سبق فقد أظهرت مسودة وثيقة أن زعماء الاتحاد الأوروبي يعملون للحفاظ على الضغط على روسيا في قمتهم هذا الأسبوع، بأن يتعهدوا بالمزيد من العمل بشأن العقوبات، وأن يكون الذهب من بين الأرصدة التي قد يتم استهدافها في جولة جديدة محتملة من العقوبات.

لا حرب عالمية ثالثة

قال أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ـ جامعة القاهرة، مساعد مدير تنفيذي سابق بصندوق النقد الدولي رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري، فخري الفقي: "إن ما فرضته  أمريكا والاتحاد الأوروبي من عقوبات كثيرة على الرغم من احتياجهم للطاقة الروسية، فكان رد روسيا أن جعلت الروبل الروسي هو عملة بيع الغاز لديها، كانت هناك عقوبات ثنائية أو ارتدادية بغرض تكسير العظام واستنزاف للقوى، ولكن الغرب ممثلًا في الاتحاد الأوروبي وأمريكا ومعهم اليابان وكندا وكوريا الجنوبية وأستراليا، عندما ننظر له من الناحية الاقتصادية والمعرفة خاصة المعرفة التكنولوجية، وكذلك القوى العسكرية في تحالف يعرف بـ"الناتو" في 27 دولة أوروبية، بالإضافة إلى أنه من الناحية السياسية يعتمد على التعددية الحزبية.

كذلك فإن لديهم نظاما اقتصاديا قويا، على النقيض روسيا ومن خلفها الصين، نجد أنها تساوي 60% من القوة الاقتصادية العالمية، وبالنسبة لروسيا والصين ومن يدور في فلكهما سنجد أن قوتهما الاقتصادية قرابة 10%، إذا قارنا القوى النووية، فسنجد أن الطرفين يتملكانها، إلا أن الاتحاد الأوروبي لديه تحالف "الناتو"، أما الصين وروسيا فلا يضمهما أي تحالف عسكري، وبالنسبة للمعرفة وخاصة التكنولوجية والقدرة على الابتكار التحالف الغربي في مراكز متقدمة جدًا، بينما روسيا والصين هي دول تعتمد بشكل كبير على المعرفة التي تأتي إليها من الغرب، فإذا التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة مستمر ويعتبر هذه الأنظمة الشمولية وشبه الشمولية شعوبها لا تعلم ما يدور في الكواليس.

ومن هنا يعتبرها الغرب ذات حقوق مهدرة، حتى التحسينات التي فعلتها الصين لشعبها كانت بمساعدة الغرب عندما كان هناك نوع من التعاون بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، عن طريق الشركات متعددة الجنسيات الألمانية والفرنسية والكندية واليمنية، فعندما بدأت تقلد وتحاكي المعرفة الغربية بدأت تناطح الولايات المتحدة الأمريكية والغرب بصفة عامة.

وأشار أستاذ الاقتصاد إلى أن ما تشهده الساحة العالمية من صراع لن يصل إلى حد الحرب العالمية الثالثة، حتى في حال قطع روسيا إمدادات الغاز كما سبق وهددت، سيلجأ الغرب إلى سُبل أخرى بديلة سواء التي تمتلك الغاز أو وحدات الإسالة أو الشرق المتوسط مثل مصر وقبرص واليونان وإسرائيل، لكن قيام حرب نووية لن تبقي ولن تذر هذا مستبعد. 

انقلب السحر على الساحر

قال الخبير الاقتصادي، ورئيس المنتدى الاقتصادي المصري للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، رشاد عبده: "إن أمريكا ومن خلفها الاتحاد الأوروبي تعاملوا مع روسيا على أنها دولة ضعيفة فانقلب السحر على الساحر، مفترضين أن ما يفرضونه عليها من عقوبات سيجبرها على الانسحاب والتسليم، وما ترتب على تلك العقوبات أن وجدت توزيعات جديدة لموارد الدول، ولدى روسيا ما لا يتوافر عند الغرب، واضطرت أوروبا إلى هذا الإجراء إرضاء لأمريكا، وهذا أمر غير منطقي، كيف ستعيش ألمانيا على سبيل المثال دون نفط، وما الذي ستفعله أمريكا بهذا الشأن، هي الآن تعاني رفع أسعار البنزين، حتمًا سيتسبب هذا في خسارة الحزب الديمقراطي الانتخابات القادمة، نعم أمريكا تعد أكبر دولة منتجة، لكن تكاليف النقل منها إلى أوروبا مكلفة جدًا، وهذا سيتسبب في رفع الأسعار على الأخيرة المضطرة مؤقتًا لفرض العقوبات تحت ضغط أمريكا، ولكن إلى متى". 

وتابع: "بلعت أوكرانيا الطعم وأن أمريكا ستحسم معها المعركة، إلا أنها دمرت وتورطت في حرب كبيرة والآن تخسر في البشر والمعدات، الحرب ممتدة، ولدى روسيا سلاح الغاز تستطيع به محاربة العقوبات لم تستخدمه في بداية الأمر، ولكنها كانت تكوّن احتياطات مرتفعة من العملات الأجنبية، ثم تأخذ إجراء ضد من يعاديها من الدول، وعليه صنفت الدول إلى صديقة وغير صديقة، وبالفعل فرضت رغبتها وجعلت كل التعاملات معها بالروبل.

وأضاف: "ما فعلته روسيا حق بل وتميز، الدولة الجيدة تبحث عن أسواق جديدة، ولن تخسر روسيا حتى إذا قامت بعمل تخفيضات، الصين والهند الحصانان الرابحان في المعركة لشرائهما الغاز بأسعار أقل، وكذلك انتفعت روسيا هي أيضًا، ولم تفلح العقوبات في ردع وتحجيم الاقتصاد الروسي، ولكن ثبت عمليًا أن الرابح هو روسيا، كما أنها تتحكم في المواد الغذائية عالميًا".

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية