في أوقات الأزمات.. اجعل حياتك أسهل وأسعد
في أوقات الأزمات.. اجعل حياتك أسهل وأسعد
ما الذي يتوجب على المرء فعله في أزمنة القلق والاضطراب… كيف تجعل حياتك أسهل وأسعد؟
ينبغي عليك عزيزي القارئ أن تتذكر أن أي تغييرات، تقوم بها للوصول إلى حياة أبسط لا بد وأن تنبع من داخلك حتى تحقق الأثر المنشود؛ فإذا حاولت أن تجري الكثير من التغييرات في وقت قصير، أو إذا كانت هذه التغييرات جوهرية أو شديدة القسوة، بحيث يصعب تنفيذها، فالغالب أنها لن تتحقق، وستجد نفسك وقد تخليت عنها في لمح البصر. فحين تأخذ في الاعتبار أي نصيحة تقدم إليك، سواء في هذا السياق أو في أي كتاب آخر، تأكد من أنها تتوافق مع أفكارك ومعتقداتك تجاه ما هو صحيح، وما تشعر بأنه مناسب.
الكثير من الأشخاص في وقتنا هذا يحاولون أن يعيدوا تقييم كيفية إدارة حياتهم، ويبحثون عن طرق لتحقيق حياة أبسط وأكثر فاعلية، دون التضحية بالأشياء الأساسية بالنسبة لهم. إن هذا ما نقصده في هذا الكتاب بعبارة “تبسيط الأمور”، أي الوصول إلى أسلوب حياة أكثر فاعلية، بدون التنازل عمّا هو مهم حقاً بالنسبة لك.
إن تحقيق البساطة في حياتك يبدأ بفكرة أنك أنت في موقع القيادة، أنت من يملك زمام الأمور، أنت من يقوم بأول خطوة، أنت من يقوم بالاختيار، أنت من يتحكم وأنت من لديه القوة الكامنة، لتتخذ الخطوات اللازمة لجعل حياتك أبسط، حتى إذا كنت تعمل في وظيفة لها متطلبات كثيرة، ولديك الكثير من المسؤوليات المهنية والشخصية فلا تقلق، فقد صارت هناك طرق لجعل حياتك أبسط.
إن هدفنا من هذه السطور هو استكشاف بعض الطرق لتحقيق التوجه الذهني والتحفيز، اللذين تحتاجهما لتسير حياتك بصورة انسيابية، وللوصول إلى راحة البال التي تستحقها.
الحياة البسيطة فكرة ليست جديدة
صدق أو لا تصدق، إن الرغبة في الحصول على حياة أبسط ليست نزعة حديثة، ولا هي بدعة من بدع العصر الحديث.. إن الرغبة في الحياة البسيطة أمر معروف منذ مئات الأعوام.. يقول د. جيروم سيجال من معهد فلسفة السياسة العامة بجامعة ميرلاند في كوليدج بارك: “منذ بداية التاريخ الأمريكي، قام أنصار الحياة البسيطة بمعارضة المظاهر الاستهلاكية والمادية. على الرغم من هذا فإن فكرة الحياة البسيطة، أو الحياة العادية كما يسميها البعض أحياناً، قد تعني أشياءً مختلفة بالنسبة للجماعات المختلفة”.
ويوضح لنا د. سيجال أنه على امتداد التاريخ البشري، ظهرت بعض الحركات الداعية إلى العمل الجاد، والإيمان الراسخ، وإلى نبذ حياة البذخ والتعقيد وتوخي البساطة في المأكل والمشرب والعمل.
عبر القرن التاسع عشر كان الكتاب والفلاسفة أمثال رالف والدو إيمرسون وهنري ديفيد ثورو وحتى جون راسكين، الأقل شهرة والأحد نقداً، يقومون بمناصرة الأشكال المختلفة للحياة البسيطة، وذلك لأفضالها المتأصلة وفوائدها الكبيرة للمجتمع بصفة عامة. لقد كان ثورو مقتنعاً بأنه كلما قل الاستهلاك وقلت الممتلكات، زادت قدرة الشخص على متابعة أنواع الفنون المختلفة وتفرغ لتطوير ملكاته.. ولقرن آخر ظلت المجتمعات الإنسانية -عبر أوقات الحروب وأوقات الازدهار والإحباط والحركات الاجتماعية- تتأرجح بين نمط الحياة الاستهلاكي الواضح، وبين المفهوم النبيل الداعي لتحري البساطة، والذي تضمن أفكاراً مناصرة للبيئة، مثل ترشيد الاستهلاك، وإعادة التصنيع والحفاظ على البيئة، أي بصفة عامة الحياة بأسلوب مبسط.
وفي يومنا هذا شهدت تلك الحركة انتشاراً كبيراً، بحيث أصبح مصطلح “البساطة” يحمل معنى مختلفاً لكل فرد: وقت أكثر، ضغوط أقل، ترفيه أكثر، فواتير أقل، فوضى أقل، مجهود أقل في أعمال النظافة والصيانة، الكثير من راحة البال والروحانيات.. قد تعني البساطة لك واحدة من هذه الأفكار، بل قد تعنيها كلها.
كيف وصلت الأمور إلى هذه الدرجة من التعقيد؟
لقد ولدنا في عصر يتسم بالتعقيد، فدعنا نلقِ نظرة على العوامل التي ساعدت على ذلك.
لم يشهد أي جيل آخر عبر التاريخ ذلك التنافس الضاري، بين كل هذه العناصر الساعية إلى جذب انتباهنا والاستحواذ على وقتنا، على الأقل لم تكن هناك قنوات تلفزيونية تذيع الأخبار طوال 24 ساعة يومياً.
فمع مرور كل عام، بل كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة وكل ثانية يرتفع كم المعلومات المتولدة على كوكب الأرض، كما تتحقق المزيد والمزيد من الطفرات التكنولوجية. إن د. لوويل كاتليت من جامعة نيومكسيكو في البوكيرك، والمتخصص في الدراسات المستقبلية، له رأي مفاده أن أحدث المنتجات التكنولوجية التي نقتنيها في الوقت الحاضر في مكاتبنا أو في منازلنا، سوف تصبح في غضون خمس سنوات، وذلك من حيث إمكانياتها، من الأثريات (ولن تكون حتى من الأثريات غالية الثمن).. لذلك نجد أن منتجي التكنولوجيا أنفسهم يتجهون نحو تقليل مدة عرض منتجاتهم.
فمثلاً نجد أن مدة عرض أي منتج حديث لشركة سوني هو 90 يوماً.. فعندما تبيع شركة سوني أياً من منتجاتها لمتجر إلكترونيات أو أدوات مكتبية ففي خلال 90 يوماً في المتوسط تكون شركة سوني قد أنتجت منتجاً أحدث، يتفوق من حيث الإمكانيات والوظائف على المنتج الذي قامت بشحنه.. وتقدر شركة سوني أن مدة عرض أي منتج جديد سوف تصبح في القريب 18 يوماً فقط.. إنها تأخذ على عاتقها مهمة أن تجعل منتجاتها القديمة عديمة النفع، وذلك لصالح منتجاتها الأحدث الأكثر تفوقاً.
ولكن لماذا تقوم الشركة بهذا التصرف؟ ألا يتسبب هذا الانتشار المستمر للمنتجات الجديدة في خسائر للعاملين بالشركة ولنظام التوزيع بها، وحتى لك أنت كمستهلك؟ الإجابة هي: نعم بالتأكيد، ولكن في الوقت نفسه إذا لم تقم شركة سوني بالتحسين المستمر لمنتجاتها، فسوف يقضى عليها بسبب المنافسة.. إن جميع أصحاب المنتجات يشعرون بنفس المأزق، والمستهلك ليس لديه فكرة عما يمكن أن يصيبه من جراء ذلك.
عن التكنولوجيا المتناهية في الصغر
كما نعلم فإن شريحة المعالج المركزي في جهاز الكمبيوتر تستمر في الصغر كما تزداد في القوة. ويرجع الفضل إلى التقدم التكنولوجي في تضاؤل سمك الشريحة إلى أقل من سمك شعرة الرأس -أو ما لا يزيد على 2 ميكرون كما يعرفها العاملون في مجال التكنولوجيا- وفي الواقع يوجد الآن موتور ميكروسكوبي لا يزيد سمكه على سمك شعرة الرأس.
إن الأجهزة العجيبة التي كنا في وقت ما نراها فقط في أفلام الخيال العلمي وأفلام الرسوم المتحركة، ستصبح في وقت قريب جداً سلعاً عادية، نستطيع شراءها من الأسواق. إليك أمثلة على هذه الأجهزة العجيبة التي توجد الآن، أو التي من المتوقع ظهورها قريباً وفقاً لأحدث تقارير الصناعة (وإن كان هناك من يدعي أن تكلفة هذه الأجهزة ستكون مرتفعة جداً، بحيث يصعب إنتاج كميات كبيرة منها):
- نظارات شمسية يمكنها أن تلتقط إرسال القنوات التلفزيونية وتعرضها على العدسات، مما يمكنك من مشاهدة برامجك المفضلة في أي وقت طالما ترتدي هذه النظارة.
- نظارات معالجة بأشعة الليزر بحيث تمكن الطيارين البحريين من إطلاق الصواريخ، أو تشغيل الطائرات بحركة العين.
- أسطوانة بحجم العملة المعدنية، تمكنك من تسجيل ومشاهدة آلاف الأفلام السينمائية.
- “كتب ذكية” تستطيع الشعور بتمهلك عند قراءة كلمة معينة لا تفهم معناها، فتقوم باستبدالها بكلمة أخرى لتوضيح المعنى.
إن إدارات الشرطة والمطافئ يمكنها أن تمد رجالها بنظارات خاصة، توفر لهم صوراً لحظية للمواقع التي يتواجدون فيها، فتدل رجل المطافئ الذي يدخل إلى مبنى يحترق إلى أنه يجب عليه أن يتجه يساراً، حيث إن هذا الاتجاه أكثر أماناً، بينما لو اتجه يميناً فمن الممكن أن يحدث له ضرر. كذلك يمكن أن تنبه رجل الشرطة أثناء عاصفة شديدة، تتعذر فيها الرؤية، إلى أن الجسر الذي يمر عليه ينتهي بعد خمسين متراً.
إن مثل هذه المخترعات التكنولوجية المتقدمة، سوف يكون لها تأثير اجتماعي يتجاوز مجرد تأثيرها العلمي. فمثلاً نجد أن إحدى النظارات ذات التقنية العالية سيمكنها التعرف على الأشخاص بمجرد التطلع إلى عيونهم، أو على أي من ملامحهم، وفي خلال 30 ثانية من النظر إلى أي شخص سيمكنك أن ترى اسمه مكتوباً على جانب من العدسة، والتغلب بذلك على مشكلة نسيان أسماء الأشخاص.
لك أن تتخيل أنك تدخل إلى شركة مثلاً، ولا تعرف أحداً فيها من قبل، ولكن سيمكنك أن تحيي كل شخص تقابله وتناديه باسمه، فإلى حين تنتشر هذه التكنولوجيا سينظر إليك الناس على أنك ساحر أو عراف.