"إنقاذ النحل الأصفر الصحراوي".. مهمة يتولاها مربو النحل المغاربة
"إنقاذ النحل الأصفر الصحراوي".. مهمة يتولاها مربو النحل المغاربة
تتولى منظمة الأغذية والزراعة والحكومة المغربية ومربو النحل المحليون، مهمة إنقاذ النحل الأصفر الصحراوي الذي لا يمكن التقليل من أهميته بالنسبة إلى النظم الإيكولوجية والتنوع البيولوجي في المنطقة
في مدينة الريش القابعة في سهل وسط جبال الأطلس المغربية الأخاذة، يأخذ نساء ورجال مكانهم في غرفة ممتلئة عن آخرها مع رفع الستار عن دورة تدريبية لمنظمة الأغذية والزراعة بشأن تربية النحل، وفقا لتقرير نشرته منظمة الأغذية والزراعة “الفاو”.
تمتزج همساتهم وضحكاتهم في جوٍ ملؤه الترقب، إلّا أن الهدف المنشود يتمثل في بذل قصارى جهدهم لضمان بقاء أحد الأنواع، وطوال اليوم، سيتعرف مربو النحل، من كل الفئات العمرية، على النحل الأصفر الصحراوي الذي يعتبر نوعًا شديد القدرة على الاحتمال وغير عدواني ويتأقلم بشكل جيد مع ما هو سائد محليًا من ظروف مناخية وتكاثرية.
ويقول المدرب، محمد أبولال، مبتسمًا مطمئنًا الحاضرين، "لا تخافوا! هذه ألطف سلالة، وهو ما يجعل جارتها في الشمال، النحلة السوداء، في حالة غيرة.. إنها ليست حسنة المظهر فحسب في فستانها الأصفر الطويل، بل لينة العريكة أيضًا، وتنتج عسلًا رفيعًا، وأفضل من يجمع رحيق الزهور، إذ بوسعها السفر لمسافة تبلغ 8 كيلومترات قياسًا إلى 3 كيلومترات فقط للنحلة العادية".
ورغم كل هذه الخصائص، يدرك مربو النحل أن النحل الأصفر الصحراوي مهدد بالانقراض جراء موجات الجفاف المتتالية، والانعكاسات الجانبية السلبية للمكافحة الضرورية للآفات وأثر سلالات النحل الأخرى التي يتم إدخالها إلى المنطقة.
وبات المشاركون على أحر من الجمر لطرح ما يختلج في نفوسهم من أسئلة: "كيف تنتج المزيد من الملكات؟"، "ما هي تقنيات التلقيح الاصطناعي؟"، "كيف يمكنك مساعدة الملكات على التكاثر؟" والأهم من هذا وذاك، تحدو المتدربين الرغبة في معرفة كيفية إنقاذ النحل الذي يشكّل، بالنسبة إلى بعضهم، مصدر رزقهم.
يعود شغف "محمد" بالنحل إلى اليوم الذي قام فيه والده، وهو مربٍ للنحل، بجعله هو وإخوته يتذوقون العسل الذي أخرج لتوه من خلايا النحل الخشبية التي جلسوا عليها، واليوم، يشغل محمد منصب رئيس تعاونية إقليمية لتربية النحل وجمعية وطنية، ويكرس وقته لتقديم التدريب النظري والعملي لمربي النحل، ولجعل النحل الأصفر الصحراوي معروفًا على نحو أكبر أيضًا.
ففي صباح كل يوم، يستهل محمد يومه بالتوجّه إلى مرتفعات مدينة الريش لتفقد خلايا النحل ومستعمرات النحل وتقييم حالتها الصحية، وعند الاقتراب من عشرات خلايا النحل الموجودة هناك، يوقفك أزيز النحل، معلنًا عن وجوده.
يقول "محمد": "من أجله وبفضله، تتاح لي الفرصة لإبراز المعارف المورثة أبًا عن جد، وإدامتها والقيام بعمل أحبه ويجعلني أرغب في الاستيقاظ فجر كل يوم لفعل ما علي فعله".
ويعتبر "محمد" أحد الزوار الذين يترددون بشكل منتظم على المركز الذي تُعقد فيه دورات تدريبية نظرية وعملية ويعد ثمرة تعاون ناجح بين أصحاب المصلحة المتعددين، وهنا تعمل المنظمة، جنبًا إلى جنب مع الحكومة المغربية والشركاء الآخرين، بهدف حماية هذه السلالة المثيرة للاهتمام والتي تتأقلم مع مناطق الواحات.
وأسفر تضافر الجهود عن إنشاء هذا المركز التقني لتربية النحل لتطوير وحماية النحل الأصفر الصحراوي والتنوع البيولوجي، والذي تكمن مهمته في تحسين مهارات تربية النحل واختيار ملكات النحل وإكثارها ونشرها.
ويستضيف المكتب الإقليمي للتنمية الزراعية في تافيلالت هذا المركز ويجعله في متناول تعاونية الشفاء لتربية النحل في الرشيدية التي يعتبر "محمد" مؤسسها.
ويعد المركز الموجود هناك جزءًا من مشروع منظمة الأغذية والزراعة بشأن "إحياء النظم الإيكولوجية الزراعية للواحات من خلال نهج متكامل مستدام للمناظر الطبيعية في جهة درعة تافيلالت".
وتكمن عمليات حماية النحل الأصفر الصحراوي والحفاظ عليه وتنميته في صميم هذه الأهداف، وهي حاسمة الأهمية لتعزيز التنوع البيولوجي الزراعي المحلي وحمايته، وتحسين دخل أصحاب الحيازات الصغيرة، وتوفير فرص عمل للنساء والشباب.
ومن بين المهام التي يأخذها المركز على عاتقه اختيار النحل، وإنتاج الملكات عبر التلقيح الاصطناعي، والترويج لها وتوزيعها للمساعدة في إعادة تشكيل مجموعات النحل الأصفر الصحراوي، وتدريب مربي النحل على إنشاء التعاونيات والمشاريع الصغرى وإدارتها.
وتكبدت مجموعات النحل، في الآونة الأخيرة، خسائر فادحة لم يسبق لها نظير من قبل، فقد لوحظت ظاهرة تعرف باسم "اضطراب انهيار مستعمرات النحل" في بلدان في أوروبا والأمريكتين وإفريقيا.
وأشار مربو النحل إلى الاختفاء المفاجئ وغير المبرر لمستعمرات النحل، يليه نفوق عمال الخلية، وبقاء الملكة وحدها، ومن ثم فقدان خلايا النحل.
وتقضّ هذه الظاهرة بشكل متزايد مضجع كل من المربين والمتخصصين مثل "محمد" الذي يوضح قائلًا "ستكون عواقب هذا الاختفاء غير المتوقع، في حال استمراره، وخيمة نظرًا إلى ما تكتسيه خلايا النحل والنحل من أهمية في ضمان التوازن البيئي والزراعي وتحقيق التنمية الاقتصادية، وكذلك أهمية هذا القطاع من حيث فرص العمل".
ويُلقى باللائمة على عوامل عدة، من قبيل السقوط غير الكافي للأمطار، وسوء تغذية النحل الناتج عن قلة المراعي، وسلامة خلايا النحل، وممارسات تربية النحل، وتضاعف الحكومات جهودها في البحث عن الأسباب الكامنة وراء ذلك.
ويفيد "محمد" بأن النحل الأصفر الصحراوي يبدو أقل تأثرًا نسبيًا بظاهرة انهيار مستعمرات النحل هذه، ولكن بالنظر إلى المخاطر الكثيرة الأخرى التي تهدده، ترى المنظمة وشركاؤها أنه يجب عدم التقاعس في بذل الجهود للحفاظ على الأنواع وإحيائها.
وتستمر المنظمة وشركاؤها، بفضل الجهود المبذولة في المركز، في الكفاح من أجل النحل الأصفر الصحراوي، ومن خلال إنشاء شبكة من مربي النحل المحترفين وإقامة عدد من وحدات تربية النحل لإكثار النحل الأصفر الصحراوي وتوزيعه، يعمل البرنامج من أجل الحفاظ على هذا النوع وتشجيع التعاونيات والمؤسسات الصغرى الأخرى على أن تحذو حذوه، وتقاسم هذه المهمة مع المجتمع المحلي وخارجه.