العراق.. المخدرات تفتك بالشباب في غياب "مراكز التعافي"

العراق.. المخدرات تفتك بالشباب في غياب "مراكز التعافي"

مجلس القضاء: 50% من الشباب لا يجدون مراكز للتعافي من الإدمان 

وزارة الداخلية: لا نمتلك مراكز لتأهيل المتعاطين في السجون ودورنا يقتصر على اعتقال المتهمين 

وزارة الصحة: أعداد المستشفيات والمراكز المخصصة لمعالجة مدمني المخدرات قليلة وبحاجة إلى تطوير 

مفوضية حقوق الإنسان: لا بد من إنشاء مصحات لتأهيل المدمنين وتكثيف الحملات للوقاية من المخدرات

 

يفتقر العراق إلى وجود مراكز متخصصة في علاج الإدمان، وسط انتشار ظاهرة تعاطي المواد المخدرة بين مختلف الفئات وخاصة الشباب، والتي تشير تقديرات مجلس القضاء العراقي إلى وصول نسبة المدمنين بينهم إلى 50% .

يقول أمجد العادلي (اسم مستعار) من أهالي محافظة بابل، إنه "يخشى الذهاب إلى المستشفى للعلاج، بسبب احتمالية اعتقاله من قبل الأجهزة الأمنية"، مؤكدا "عدم وجود مراكز صحية تستقبل حالته، وغيره ممن يرغبون في الإقلاع نهائيا عن المخدرات".

وأوضح العادلي لـ"جسور بوست"، أنه “أدمن تعاطي المخدرات بعد دخوله الجامعة وتعرفه على عدد من رفقاء السوء”. 

من جانبه، يؤكد صباح محمود (اسم مستعار)، أنه "عانى لمدة 3 سنوات من تعاطي المخدرات وتدخين الحشيش"، لافتا إلى أنه "يتجنب مراجعة الجهات المختصة بسبب الخجل والخوف من المجتمع، فضلا عن عدم وجود مراكز مختصة بمعالجة المدمنين في محافظة ذي قار التي ينتمي إليها".

العلاج النفسي هو الأهم

وقال المرشد النفسي والاجتماعي علاء الكناني في حديث لـ"جسور بوست"، إنه يتم إلقاء القبض سنويا على آلاف المتعاطين، في ظل ارتفاع نسب الإدمان في العراق.

وأعلنت الأجهزة الأمنية إلقاء القبض على 11450 شخصا بتهم تتعلق بالمخدرات، من الفترة من يناير، وحتى نوفمبر 2021، فضلاً عن ضبط كميات من المخدرات تصل الى نصف طن، إضافة إلى مليون ونصف المليون حبة من قبل مفارز مكافحة المخدرات.

وأضاف الكناني، أن "نسب التعاطي والإدمان تزداد في المناطق الفقيرة والتي يكثر فيها البطالة"، موضحا أن "العراق يمتلك 3 مراكز للعلاج من الإدمان فقط، تقع في بغداد وديالى والبصرة، وهي غير كافية لمجابهة الأعداد المتزايدة للمدمنين". 

وأشار إلى أن "علاج المدمنين يمر بعدة مراحل، أولها إشراف الطبيب المختص، وعزل المدمن بمركز خاص لردعه عن تعاطي المادة المخدرة"، مبينا أن "المعالج النفسي يبدأ دوره بعد ذلك، عن طريق جلسات فردية مع المدمن لمعرفة المشكلات التي يواجهها". 

ولفت إلى ضرورة اتباع عدة طرق لعلاج الإدمان، مشيرا إلى الدور الكبير الذي تلعبه العائلة للمساعدة في علاج الفرد المدمن.

بالمقابل ترى مفوضية حقوق الإنسان في العراق، أن "أغلب متعاطي المخدرات هم أشخاص مرضى وضحايا لآفة المخدرات الخطيرة التي تنتشر بين الشباب والأحداث"، مضيفة أن "قانون العقوبات يعامل متعاطي المخدرات معاملة المجرم، حيث يودع في السجون ومراكز الاحتجاز".

وأصدرت محكمتا الجنايات والجنح 885 حكماً بحق المتاجرين والمتعاطين للمواد المخدرة خلال عام 2020، وفي عام 2019، أصدرت محكمتا الجنايات والجنح 567 حكماً، وسجلت محافظة ميسان وحدها عام 2021 ما يصل إلى 219 دعوى للمخدرات صدرت فيها أحكام مختلفة.

ولفت عضو المفوضية فاضل الغراوي في حديث لـ"جسور بوست"، إلى أن "العراق يفتقر لمراكز تأهيل المدمنين؛ مما انعكس سلبا على إمكانية التأهيل الصحي والنفسي والاجتماعي للمتعاطي، فضلا عن أنه يعاني من الضعف في البرامج التوعوية التي تتعلق بمخاطر المخدرات وكيفية التعامل مع هذه الظاهرة الخطيرة".

ودعا الغراوي، إلى "إنشاء مصحات لتأهيل المدمنين وتكثيف الحملات للوقاية من المخدرات وخطر انتشارها، واعتبار المتعاطي مريضاً يستحق الرعاية والعلاج الصحي والنفسي". 

مركز لمعالجة الإدمان بسعة 200 سرير

ومن جانبه، أكد المتحدث باسم وزارة الصحة العراقية الدكتور سيف البدر، أن "أعداد المستشفيات والمراكز الصحية المخصصة لمعالجة مدمني المخدرات، قليلة وبحاجة إلى تطوير لزيادة السعات من أجل استقبال أكبر عدد من المقلعين عن المخدرات"، لافتا إلى وجود عدة مراكز أو استشاريات لمعالجة المدمنين، "كان آخرها مركز العطاء الذي افتتح في العاصمة بغداد بسعة 200 سرير".

ونوه البدر في حديث لـ"جسور بوست" إلى أن دور وزارة الصحة في التعامل مع مدمني المخدرات هو فني صحي، مختص بتقديم الرعاية والمشورة الصحية للمساهمة بإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي، بالتنسيق مع الجهات والوزارات الأخرى، داعيا المتعاطين إلى عدم التخوف من مراجعة المؤسسات الصحية.

ويمتلك العراق عددا من المراكز لعلاج المدمنين في بغداد وفي ديالى والبصرة، ولكنها أقل من أن تتلاءم مع حجم التعاطي في البلاد، في حين أقدمت الصحة العراقية على افتتاح مركز لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمتعاطين.

لا مراكز لمعالجة المتعاطين في السجون

بدوره، قال مدير إعلام مكافحة المخدرات، التابعة لوزارة الداخلية العراقية، العقيد بلال صبحي، إن "وزارة الداخلية لا تملك أجهزة حديثة لكشف المواد المخدرة، وجل اعتمادها على المعلومات الاستخبارية لكشف شبكات الترويج والتجار والمتعاطين"، مضيفاً أن "الوزارة ليس لديها أي مراكز لتأهيل المتعاطين في السجون ودورها يقتصر على اعتقال المتهمين فقط". 

وأشار صبحي في حديث لـ"جسور بوست"، إلى أن "قلة إمكانيات وزارة الصحة كانت سبباً في عدم توفير أي علاج لآلاف المتعاطين والمدمنين الذين يتم إلقاء القبض عليه في السجون". 

وبين صبحي، أن متعاطي المخدرات المدمن يعامل على أنه مجرم، وليس مريضاً حيث إنه يحاكم وفق قانون مكافحة المخدرات الذي نص على عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن سنة، ولا تزيد على 3 سنوات وبغرامة مالية لا تتجاوز الـ10 ملايين دينار، موضحا أن "المادة 40 من قانون العقوبات أعطت فرصة لعدم محاسبة أي متعاطٍ يُعالج في أحد المستشفيات والمراكز التخصصية، فضلا عن عدم إمكانية إقامة أي دعوى جزائية بحقه". 

وأكد مدير أعلام مكافحة المخدرات، أن "جميع المتعاطين الذين يتم إلقاء القبض عليهم يجري معهم تحقيق ابتدائي، من أجل معرفة تفاصيل المروجين، والناقلين، وصولا إلى التجار". 

وأشار إلى، أنه "وفقا لقاعدة البيانات تهرب المواد المخدرة إلى العراق بطرق غير رسمية، عبر الشريط الحدودي والأهوار والصحراء، وأكثر المواد انتشاراً هي المنشطة لجهاز العصب المركزي، كمادة الكرستال والحشيشة التي تنتشر في وسط وجنوب العراق، وتدخل عبر محافظتي ميسان والبصرة، فيما تدخل عبر محافظة الأنبار حبوب الكبتاغون والمؤثرات العقلية". 

وينص قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (50) لسنة 2017 على "الحبس مدة لا تقل عن سنة واحدة، ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسة ملايين دينار، ولا تزيد على عشرة ملايين دينار لكل من استورد، أو أنتج أو صنع أو حاز أو أحرز، أو اشترى مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية أو سلائف كيميائية أو زرع نباتا من النباتات التي ينتج عنها مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية، أو اشتراها بقصد التعاطي والاستعمال الشخصي". 

وتنص المادة (28) على أنه «يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت وبغرامة لا تقل عن 10 ملايين دينار عراقي (نحو 6851.61 دولار أمريكي)، ولا تزيد على 30 مليون دينار ”نحو 20500 دولار" كل من ارتكب أحد الأفعال الآتية: حاز أو أحرز أو اشترى، أو باع أو تملك مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية أو سلائف كيميائية». 

خريطة التعاطي في العراق

وتنتشر تجارة وتعاطي المخدرات في العاصمة العراقية بغداد، في مناطق "الزعفرانية ومدينة الصدر والشعلة والكفاح والشماعية وحي طارق والشعب وأم الكبر والغزلان والتاجي وحي العامل والكرادة والبتاوين"، أما مناطق "المنصور وحي الجامعة اليرموك" فهي مناطق تعاطٍ فقط، وتتميز بغداد برواج مادة الكريستال والحشيشة و(الصفر واحد) بنسب متفاوتة بين المناطق، وذلك وفقا لمصادر أمنية تحدثت لـ"جسور بوست". 

وفي المحافظات الجنوبية تعتبر محافظة ميسان، المعقل الرئيس لتجارة مادة الكريستال والحشيش، فضلا عن محافظات "البصرة والديوانية وذي قار، إضافة إلى النجف وكربلاء وواسط". 

أما في محافظة الأنبار غربي البلاد، فتنتشر حالات التعاطي لمادة (صفر واحد) بنسبة 90%، في حين تنتشر تجارة وتعاطي مادة الكريستال والحشيش بقوة في محافظة كركوك شمال العراق.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية