«إبادة ممنهجة».. مآسي الفلسطينيات في غزة ما بعد 7 أكتوبر

«إبادة ممنهجة».. مآسي الفلسطينيات في غزة ما بعد 7 أكتوبر

في أعقاب السابع من أكتوبر 2023، تصاعدت الأزمة الإنسانية في قطاع غزة لتصل إلى مستويات غير مسبوقة من الانتهاكات، وبينما تتحمل جميع فئات المجتمع الفلسطيني وطأة هذه الكارثة، كانت المرأة الفلسطينية الأكثر تضرراً. 

تضع الحرب الجارية النساء في غزة بمواجهة يومية مع الموت والجوع والتهجير، ضمن واقع يستمر في تجاهل احتياجاتهن وحقوقهن الأساسية، في الوقت الذي يحتفل فيه العالم بإنجازات المرأة وتقدمها في شتى المجالات، نجد أن المرأة الفلسطينية في غزة تعاني من القمع والتهميش المتفاقم، وهو ما يعكس التناقض الصارخ بين الواقع الإنساني والسياسي.

وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، حتى نهاية فبراير 2024، قتل أكثر من 9,000 امرأة فلسطينية جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة منذ بدء النزاع. 

وتشير هذه الإحصائيات إلى أن النساء يمثلن نسبة كبيرة من ضحايا القصف المكثف، وهو ما يتجاوز كثيراً التقديرات المعتادة لأضرار الحروب على النساء، حيث يتم تصنيفهن عادة ضمن الفئات الأكثر ضعفاً والأقل استهدافاً. 

ومع كل يوم يمر في هذه الحرب، تفقد ما يقرب من 63 امرأة حياتها، بينما تترك نحو 37 منهن وراءهن أطفالاً يتامى وأسرًا بلا معيل، الأرقام المفزعة تعكس جانباً من واقع لا يمكن وصفه إلا بالإبادة الممنهجة للمرأة الفلسطينية. 

نقص حاد في الاحتياجات الأساسية

وإلى جانب هذا العنف المباشر، تواجه النساء الفلسطينيات في غزة نقصًا حادًا في الغذاء والماء والاحتياجات الأساسية، مما يزيد من معاناتهن اليومية. 

وفقًا لتقرير صادر عن برنامج الأغذية العالمي، فإن 84% من النساء في غزة أفدن بأن أسرهن تحصل الآن على نصف أو أقل من الكمية الغذائية التي كانت متاحة قبل اندلاع الحرب. 

تزداد هذه الأوضاع سوءاً مع توزيع الطعام داخل الأسر، إذ تفضل الأمهات والنساء الأكبر سناً ترك الطعام لأطفالهن وأفراد أسرهن الآخرين، حيث يتناولن أقل من غيرهن في معظم الحالات، كما أفادت 95% من النساء بأنهن يفوّتن وجبة أو أكثر يوميًا لإطعام أطفالهن، وهو ما يشير إلى تصاعد شبح المجاعة الذي يخيم على القطاع بشكل كامل.

ويضرب الجوع الذي يعاني منه سكان غزة النساء بشكل خاص، حيث تظهر تقارير حديثة أن 87% من النساء يعانين من صعوبة الوصول إلى الغذاء مقارنة بالرجال، وتضطر العديد من النساء للبحث عن بقايا الطعام تحت الأنقاض أو في مكبات القمامة، في مشاهد تعكس انحدار الظروف المعيشية إلى مستوى غير مسبوق. 

وفقاً لتقرير صادر عن منظمة "أكشن إيد فلسطين"، هناك 50,000 امرأة حامل بحاجة ماسة إلى تدخلات غذائية وطبية عاجلة، حيث أدى سوء التغذية والجوع إلى تدهور حالتهن الصحية، وزيادة احتمالية تعرضهن لمضاعفات خطيرة أثناء الحمل والولادة.

وكانت النساء الحوامل الأكثر تضررًا من انهيار النظام الصحي في غزة، حيث تشير تقارير صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن 180 امرأة فلسطينية يلدن يوميًا في غزة، في ظروف طبية غير آمنة، حيث تعاني المشافي من نقص حاد في المستلزمات الطبية والأدوية اللازمة لتأمين رعاية الولادة. 

ويضطر عدد كبير من النساء إلى الولادة دون تخدير أو مسكنات، وبعضهن يتعرضن لمضاعفات خطيرة بسبب غياب الرعاية الطبية المتخصصة، وفي الشهر الأول من النزاع وحده، وضعت 5,500 امرأة حملهن في ظروف تفتقر إلى أدنى معايير الصحة والسلامة، نقص المستلزمات الطبية وانعدام الأدوية الأساسية ليس فقط تهديدًا للنساء الحوامل، بل يمتد أيضًا إلى الأطفال حديثي الولادة، الذين يولدون في بيئة شديدة الخطورة، حيث معدلات الوفيات بين الرضع آخذة في الارتفاع بسبب سوء التغذية وتفشي الأمراض.

الأمر لا يتوقف عند الولادة، بل يمتد إلى ما بعدها، تُحرم النساء في غزة من المستلزمات الصحية الأساسية الخاصة بفترات الحيض، مما يضاعف من معاناتهن الجسدية والنفسية، تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن 700,000 امرأة وفتاة لا يحصلن على منتجات النظافة الشخصية الخاصة بفترة الحيض إلا بشكل محدود، وبعضهن يضطررن إلى تناول حبوب منع الحمل لتعليق الدورة الشهرية بسبب غياب الإمكانيات الصحية الأساسية. هذه الظروف تعكس انتهاكاً صارخاً لكرامة المرأة الفلسطينية، التي تجد نفسها في موقف لا يمكنها من الحفاظ على الحد الأدنى من خصوصيتها وصحتها الشخصية.

انهيار النظام الصحي

ومع انهيار النظام الصحي وغياب الرعاية الكافية، تتفاقم الأمراض بين النساء في مراكز النزوح والإيواء، في ظل الاكتظاظ الشديد، وغياب الظروف الصحية الملائمة، تشير تقارير منظمات حقوقية إلى تفشي الأمراض النسائية المعدية بين النساء، حيث لا تتوفر لهن حتى إمكانية الوصول إلى دورات المياه إلا بعد انتظار طويل، هذه الأوضاع أدت إلى تفشي حالات الالتهاب وأمراض الجهاز التناسلي، مما يزيد من تدهور الصحة العامة للنساء في القطاع.

على الرغم من الجهود الإنسانية الدولية المتواضعة، فإن النساء الفلسطينيات يواجهن تمييزًا واضحًا في الحصول على المساعدات الإنسانية. 

وفقًا لتقرير الأمم المتحدة، لم تحصل المنظمات النسائية الفلسطينية إلا على أقل من 1% من التمويل الذي تم جمعه في إطار النداء العاجل لعام 2023. هذا النقص في الدعم المخصص للنساء يضاعف من معاناتهن، حيث تظل الاحتياجات النسائية غير ملباة في ظل الأزمة الإنسانية الأوسع نطاقًا، ومع استمرار النزاع، يبدو أن أصوات النساء الفلسطينيات تظل مهمشة وغير مسموعة، رغم أنهن يشكلن شريحة كبيرة من المتضررين.

وفي هذا السياق، تتجدد الدعوات من قبل منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي إلى ضرورة التدخل الفوري لوقف العنف وتقديم الدعم العاجل للنساء الفلسطينيات، أوضاع النساء في غزة تتطلب تحركًا إنسانيًا عاجلاً وشاملاً، يتجاوز مجرد تقديم المساعدات الغذائية إلى توفير الحماية والدعم النفسي والرعاية الصحية الشاملة، استمرار تهميش النساء في إطار النزاع الجاري في غزة يشكل انتهاكًا صارخًا للمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وهو ما يستدعي محاسبة الجهات المسؤولة عن هذه الانتهاكات.

غزة مسرح للصمود

في أعقاب السابع من أكتوبر 2023، تحولت غزة إلى مسرح لصمود لا مثيل له، كانت المرأة الفلسطينية في قلبه، تواجه الموت والدمار بكل شجاعة وإصرار.

بين أنقاض المنازل وفي ظلال الحرب المستمرة، برزت عبر وسائل إعلامية قصص مذهلة عن نساء لم يكسرهن الحصار ولم تخضعهن قسوة الحياة، لم تكن تلك مجرد قصص عن معاناة، بل عن تحدٍ وصمود يجعل المرء يقف أمامهن بذهول واحترام.

إحدى هذه القصص هي قصة "أم محمود"، التي تناقلتها وسائل إعلامية مختلفة والتي فقدت زوجها وأبناءها الثلاثة في قصف مدمر استهدف منزلهم، ووجدت نفسها فجأة وحيدة مع خمس بنات، بلا مأوى ولا دعم. 

وسط هذا الخراب، قررت ألا تكون مجرد ضحية للظروف، بدأت تجمع ما يمكنها من بقايا الحياة، وتوزع القليل من الطعام الذي بحوزتها على الجيران الذين فقدوا كل شيء، لم تكن أم محمود ترى في الحزن مخرجاً، بل كانت ترى في التضامن والبقاء رسالة للمستقبل، قالت وهي تحضّر طبقًا بسيطًا لجاراتها: "ربما يكون الأرز شحيحاً، ولكن الروح أقوى من كل شيء". 

هكذا تحولت أم محمود إلى رمزٍ للصلابة والعطاء، حيث لم تعد حياتها مجرد صراع من أجل البقاء، بل محاولة لخلق بصيص أمل وسط الظلام.

أما "ليلى"، الفتاة العشرينية، فقد كانت على وشك التخرج من الجامعة عندما ضرب القصف بيتها وقتل والدها، وجدت ليلى نفسها المسؤولة الوحيدة عن أربع شقيقات صغيرات، لم يكن هناك مأوى، ولم يكن هناك أمان، ولكن ليلى كانت تعرف أن عليها أن تتحمل. 

جمعت ما تبقى من أقمشة وقطع بلاستيكية وأقامت مأوى مؤقتًا فوق أنقاض منزلهم. كل صباح، تخرج ليلى في رحلة محفوفة بالمخاطر لجلب الماء من مسافة بعيدة، متحدية الرصاص والانفجارات، لتعود به لأخواتها، تقول ليلى: "الخوف كان الرفيق الأول، لكن تعلمت أن أتركه خلفي. هناك حياة يجب أن نعيشها، مهما كان الثمن".

ومن بين هذه الملاحم تأتي قصة "سناء"، التي تعمل قابلة في مستشفى الشفاء، كان عملها قبل الحرب هو استقبال الحياة، أما بعدها، فقد أصبح معركة للبقاء على قيد الحياة.

مع نقص الأدوات الطبية، كانت سناء تضطر لإجراء عمليات ولادة قيصرية بأدوات بسيطة وفي ظروف غير معقمة، ومع ذلك لم تفقد إيمانها بقدرتها على إنقاذ الأرواح، في أحد الأيام، وبينما كانت السماء تمطر نيراناً على غزة، استقبلت سناء امرأة حامل في حالة خطرة، وهكذا، في غرفة مظلمة وتحت تهديد الموت، أنقذت سناء حياة تلك المرأة وطفلها، مضيفةً إلى سجلها صفحة جديدة من التفاني والبطولة.

دوامة من الخوف والصمود

عن حياتها بعد 7 أكتوبر، قالت الناشطة الحقوقية ابنة غزة، إن حياتي كامرأة في غزة تحولت إلى دوامة من الخوف والصمود، لم يعد للوقت معنى في هذا الجحيم الذي نعيشه، فالليل والنهار تداخلت حدودهما، وضجيج الحرب أصبح الرفيق الدائم، كل صباح أستيقظ على صوت القصف، لا أملك إلا أن أتساءل إن كان هذا اليوم سيحمل نهاية لهذا العذاب أم سيكون يوماً آخر من الألم الذي لا ينتهي.

وتابعت في تصريحات لـ"جسور بوست"، نزحنا كثيرًا ولكن لا يوجد مكان آمن، وأعيش الآن مع أطفالي في منزلنا المتهالك، محاطة بالخوف المستمر من أن يأتي القصف على رؤوسنا في أي لحظة، لم يعد هناك مكان آمن في غزة، لا أستطيع النوم دون أن أسمع أصوات الطائرات تحلق في السماء، وكأنها تذكرنا بأن حياتنا في أي لحظة يمكن أن تنتهي، أكبر تحدٍ أواجهه يوميًا هو حماية أطفالي، كيف يمكنني أن أطمئنهم وأنا نفسي لا أشعر بالأمان؟ كل نظرة في أعينهم تشعرني بالعجز، كيف أشرح لهم أن الحياة ليست دائمًا بهذه القسوة؟ هم صغار لا يدركون لماذا يتعين علينا العيش بهذه الطريقة. 

واستطردت في أسى، أطفالي لم يعرفوا سوى الحرب، وها هم يعيشون جحيمها مرة أخرى، أحاول بقدر ما أستطيع أن أبقيهم بعيدين عن مشاهد الدمار والجثث التي نراها كل يوم في الطرقات لكن الحقيقة هي أننا محاصرون بالخوف والموت، ولا مجال للهرب، الحياة اليومية أصبحت مجرد كفاح من أجل البقاء، نبحث عن الخبز والماء كما لو كنا نعيش في زمنٍ بعيد عن هذا العالم، الوقوف في الطوابير للحصول على القليل من الطعام بات جزءاً من يومنا، وفي كثير من الأحيان، لا نجد ما يكفي لإطعام الجميع، أضطر أحياناً إلى تناول القليل جداً حتى أترك ما يكفي لأطفالي، هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، فأنا أشعر أن جسدي ينهار تدريجياً من سوء التغذية والإجهاد ومع ذلك، أظل قوية من أجلهم.

وعن العناية بالصحة، قالت: أصبحت ترفًا لا نملكه، هناك نقص شديد في الأدوية والرعاية الطبية، أعرف العديد من النساء الحوامل اللاتي فقدن أجنتهن بسبب نقص الرعاية، وهناك من يعانين من آلام الولادة دون أي مساعدة طبية، أشعر بالخوف الدائم من أن يصاب أحد أطفالي بمرض أو جرح، فلا مجال للوصول إلى المستشفى أو الحصول على العلاج، كل ما نستطيع فعله هو الدعاء بأن تمر هذه الأيام دون خسائر جديدة.

وأضافت، مع هذا كله لا أستطيع أن أفقد الأمل، نحن النساء في غزة تعلمنا أن نكون أقوى مما يظن الجميع. رغم الدمار والخوف، نواصل حياتنا بكل قوة، نقوم بإعداد الطعام، نرعى أطفالنا، ونتواصل مع الجيران لنتشارك القليل مما لدينا، التضامن بيننا هو ما يبقينا على قيد الحياة، نعلم أننا قد نخسر في أي لحظة، لكننا نرفض أن نُكسر، قوتنا تكمن في قدرتنا على مواجهة هذا الواقع المرير معًا، رغم كل الصعاب.

وأتمت، لا أطلب سوى أن يعود الأمان، أريد أن أعيش حياة طبيعية، حيث لا أخشى على أطفالي من الموت في أي لحظة، أحلم بيوم لا أحتاج فيه للبحث عن طعام أو ماء، يوم أستطيع فيه أن أرى أطفالي يكبرون بسلام. الحرب سرقت منا الكثير، لكن ما زال لدينا الأمل في أن نعيش بكرامة، وأن نتنفس الحرية بعيداً عن أصوات الانفجارات، هذا الأمل هو ما يبقيني واقفة، وما يجعلني أقاوم حتى آخر لحظة.

انتهاك صارخ لحقوق الإنسان

وفي السياق قالت الحقوقية البارزة، نسرين زريقات، إن ما تعانيه المرأة الفلسطينية بعد السابع من أكتوبر، يشكل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، ويبرز معاناة مزدوجة تعكس حجم المآسي الإنسانية في أوقات النزاعات المسلحة، المرأة في غزة تجد نفسها في صراع مزدوج، فهي ليست فقط ضحية الحرب بآثارها المدمرة، ولكنها أيضًا حارسة للحياة والأسرة في بيئة تفتقر إلى أدنى مقومات العيش الكريم، هذه الازدواجية بين المعاناة والصمود تسلط الضوء على إشكالية مركبة تتعارض بشكل جوهري مع مبادئ حقوق الإنسان الأساسية، مثل الحق في الحياة، والحق في الكرامة، والحق في الحماية من العنف والتعذيب.

وتابعت في تصريحات لـ"جسور بوست"، أحد المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان هو مبدأ المساواة وعدم التمييز، والذي ينص على أن كل فرد، بغض النظر عن جنسه أو جنسيته أو وضعه الاجتماعي، له الحق في التمتع بحماية متساوية من القوانين لكن في غزة، المرأة الفلسطينية تواجه تمييزًا ممنهجًا بسبب جنسها وظروفها الاجتماعية التي تضاعف من محنتها، فهي في الصفوف الأولى لتحمل عبء الدمار والفقر والحصار، وتجد نفسها في كثير من الأحيان وحيدة في مواجهة آثار الحرب، سواء بفقدان الزوج أو الأطفال أو بأعباء تربية أطفال في ظروف غير إنسانية، هذه الظروف تتعارض بشكل مباشر مع المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تنص على حق كل فرد في الحياة والحرية والأمان الشخصي.

وذكرت، النساء في غزة، وخاصة الحوامل منهن، يعانين من ظروف صحية كارثية نتيجة انهيار النظام الصحي ونقص الأدوية والإمدادات الطبية. حق المرأة في الصحة، الذي يكفله العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يتعرض لانتهاكات جسيمة، فوفقًا لتقارير الأمم المتحدة، هناك الآلاف من النساء الحوامل اللاتي يواجهن مخاطر ولادة غير آمنة، مما يعرض حياتهن وحياة أطفالهن للخطر، هذه الأوضاع ليست فقط أزمة إنسانية، بل هي جريمة ترتكب بحق النساء، خاصة وأن الأطراف المتحاربة تُقصِّر بشكل واضح في تأمين الظروف الملائمة لضمان حق المرأة في الوصول إلى الرعاية الصحية.

وأكدت خبيرة حقوق الإنسان أن انتهاك حق المرأة الفلسطينية في الحماية من العنف يمثل تحديًا آخر لحقوق الإنسان، التعرض للعنف، سواء كان عنفًا جسديًا أو نفسيًا، بات جزءًا من الحياة اليومية للنساء في غزة، فالتهديدات المستمرة بالقصف، والاضطرار للعيش في ملاجئ مكتظة تنعدم فيها الخصوصية، والتعرض لمخاطر التحرش في هذه الظروف الفوضوية، تمثل انتهاكات صارخة للاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية المرأة في مناطق النزاع، وفقًا لاتفاقية "سيداو" (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة)، يجب على الدول الأطراف حماية النساء من جميع أشكال العنف والتمييز، وهو ما يتناقض مع الواقع المؤلم الذي تعيشه النساء في غزة.

واستطردت، أن المرأة الفلسطينية لا تقتصر معاناتها على البعد الإنساني فقط، بل تتعدى ذلك إلى تحديات اقتصادية وحقوقية أخرى، النساء هن الأكثر عرضة للبطالة والفقر في غزة، حيث يجدن أنفسهن بلا موارد أو فرص عمل بسبب الحصار والدمار الواسع للبنية التحتية، هذا يشكل انتهاكًا لحقوقهن الاقتصادية، ويحد من فرصهن في العيش الكريم، وهو ما يعارض المبادئ التي ينص عليها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي يضمن لكل إنسان الحق في مستوى معيشي ملائم.

وأتمت، برغم كل هذه الانتهاكات، تظل صامدة، متحديةً الظروف غير الإنسانية التي تواجهها، ومع ذلك، فإن هذا الصمود لا يجب أن يُنظر إليه كتبرير للظلم المستمر، العالم الحقوقي يجب أن يتحرك بشكل جاد لضمان توفير الحماية القانونية والإنسانية للنساء الفلسطينيات، وضمان أن تُرفع عنهن المعاناة المزدوجة التي يواجهنها في ظل نزاع لا يرحم.



ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية