قانون اللجوء الجديد في مصر.. دعم للفئات الضعيفة أم ثغرات تهدد الحقوق؟

قانون اللجوء الجديد في مصر.. دعم للفئات الضعيفة أم ثغرات تهدد الحقوق؟
البرلمان المصري يوافق من حيث المبدأ على مشروع قانون يُنظم اللجوء

بموافقة برلمانية من حيث المبدأ، أعلنت مصر عن رغبتها في توفير إطار قانوني يُنظم اللجوء من خلال إقرار مشروع قانون جديد لتنظيم أوضاع اللاجئين الأجانب في البلاد.

ويعد مشروع القانون المقدم من الحكومة المصرية هو أول تشريع داخلي ينظم شؤون اللاجئين وطالبي اللجوء في مصر، بما يتوافق مع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها، والتي يأتي أبرزها اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951، والبروتوكول الاختياري لعام 1967​.

ويوم الأحد، أقر البرلمان المصري مبدئيًا مشروع قانون جديد لتنظيم أوضاع اللاجئين الأجانب في البلاد، في خطوة تهدف إلى تقنين وجودهم وتمييزهم عن الأجانب المقيمين بطرق أخرى.

وتعكس هذه الخطوة رغبة الحكومة المصرية في توفير إطار قانوني يُنظم اللجوء، في ظل تزايد أعداد اللاجئين والمهاجرين في مصر، حيث تشير التقديرات إلى وجود نحو 9 ملايين أجنبي، منهم 575 ألف شخص مسجلين كلاجئين لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. 

ويهدف القانون إلى تنظيم تقديم الدعم والرعاية للاجئين، مع التركيز على الفئات الأكثر ضعفًا مثل الأطفال غير المصحوبين، والأشخاص من ذوي الإعاقة، وكبار السن، والنساء الحوامل، وضحايا الاتجار بالبشر والتعذيب والعنف الجنسي.

حقوق اللاجئين

ينص القانون على إنشاء لجنة دائمة لشؤون اللاجئين تتبع لرئيس الوزراء ومقرها القاهرة، وستكون هذه اللجنة مسؤولة عن تقييم طلبات اللجوء من طالب اللجوء أو من يُمثله قانوناً، مع فترة فصل في الطلبات تصل إلى 6 أشهر إذا دخل الشخص البلاد بطرق مشروعة، وعام كامل في حالة الدخول بطرق غير شرعية​.

وبموجب مشروع القانون الجديد، يتمتع اللاجئون فور اكتسابهم هذا الوصف بالعديد من الحقوق، أبرزها الحق في الحصول على وثيقة سفر تصدرها وزارة الداخلية بعد موافقة اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين، وحظر تسليمه إلى الدولة التي يحمل جنسيتها أو دولة إقامته المعتادة، وحماية حريته في الاعتقاد الديني، ويكون لأصحاب الأديان السماوية منهم الحق في ممارسة الشعائر الدينية بدور العبادة المخصصة لذلك.

ويحق للاجئين الخضوع في مسائل الأحوال الشخصية بما في ذلك الزواج وآثاره، والميراث، والوقف، لقانون بلد موطنه أو إقامته إذا لم يكن له موطن، وذلك بما لا يتعارض مع النظام العام، والتمتع بذات الحقوق المقررة للأجانب المتعلقة بالحقوق العينية الأصلية والتبعية على الأموال الثابتة والمنقولة والحقوق المرتبطة بها، وله الحقوق ذاتها في ما يتعلق بالملكية الفكرية.

ويحق للاجئين التقاضي، والإعفاء من الرسوم القضائية إن كان لذلك مقتضى، وكذلك الحصول على عمل وأجر مناسب لقاء عمله، والحق في ممارسة المهن الحرة، أو العمل لحسابه وتأسيس شركات أو الانضمام إلى شركات قائمة.

يقر مشروع القانون أيضا الحق في الاشتراك بعضوية الجمعيات الأهلية أو مجالس إدارتها، ويحظر تحميل اللاجئين أي ضرائب أو رسوم أو أي أعباء مالية أخرى، أياً كان تسميتها، تغاير أو تختلف عن تلك المقررة على المواطنين، إلى جانب الحق في العودة طواعية في أي وقت إلى الدولة التي يحمل جنسيتها أو دولة إقامته المعتادة.

وفي ما يتعلق بصغار السن، يحق للطفل اللاجئ في التعليم الأساسي، والحق في الاعتراف بالشهادات الدراسية الممنوحة في الخارج للاجئين، والحق في الحصول على رعاية صحية مناسبة.

التزامات ومحظورات

ينص مشروع القانون على بعض المحظورات على اللاجئين، وهي الالتزام باحترام الدستور والقوانين واللوائح المعمول بها في البلاد، ومراعاة قيم المجتمع المصري واحترام تقاليده، وحظر القيام بأي عمل سياسي أو حزبي أو نقابي أو التأسيس أو الانضمام أو المشاركة بأي صورة في أي من الأحزاب.

ويحظر القيام بأي نشاط من شأنه المساس بالأمن القومي أو النظام العام أو يتعارض مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي أو جامعة الدول العربية، أو أي منظمة تكون مصر طرفاً فيها، أو ارتكاب أي عمل عدائي ضد دولته الأصلية أو أي دولة أخرى.

ولا يُقبل طلب اللجوء إذا توافرت في طالب اللجوء أسباب جدية لارتكابه جريمة ضد السلام أو الإنسانية أو جريمة حرب، أو إذا ارتكب جريمة جسيمة قبل دخوله البلاد، أو إذا ارتكب أي أعمال مخالفة لأهداف ومبادئ الأمم المتحدة، أو إذا كان مدرجاً على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين داخل مصر، أو إذا ارتكب أي أفعال من شأنها المساس بالأمن القومي أو النظام العام.

حالات الرفض والعقوبات

وفي حال رفض طلب اللجوء تطلب اللجنة من الوزارة المختصة إبعاد طالب اللجوء خارج البلاد، ويُعلن طالب اللجوء بالقرار، ويسقط صفة اللاجئ ويتم ابعاده فوراً عن البلاد، إذا كان قد اكتسبه بناء على غش، أو احتيال، أو إغفال أي بيانات أو معلومات أساسية، أو إذا ثبت ارتكابه لأي من المحظورات المنصوص عليها في القانون.

ويلتزم كل من دخل إلى البلاد بطريق غير مشروع وتتوافر فيه الشروط الموضوعية لطالب اللجوء، أن يتقدم طواعية بطلبه إلى اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين في موعد أقصاه 45 يومًا من تاريخ دخوله، ويعاقب المخالف بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه (نحو 200 دولار) ولا تزيد على مئة ألف جنيه (نحو 2000 دولار)، أو بإحدى العقوبتين.

وتشير تقديرات الحكومة المصرية إلى وجود ملايين الأجانب الذين يقيمون في مصر بطرق غير رسمية أو بدون سند قانوني واضح، وغالبًا ما يُشار إليهم من قبل الحكومة كمقيمين أو "ضيوف" وليس كلاجئين​.

وترتبط هذه الزيادة الكبيرة في الأعداد بالتوترات السياسية والنزاعات في دول الجوار مثل سوريا والسودان وليبيا واليمن وفلسطين، ما أدى إلى تدفق كبير للمهاجرين واللاجئين إلى مصر بحثًا عن الأمان والاستقرار والعمل.

الأكثر تقدمية

أوضح الدكتور أيمن زهري، الأكاديمي والخبير في مجال السكان ودراسات الهجرة، أن صدور تشريع وطني ينظم أوضاع اللاجئين الأجانب هو أمر مهم للغاية، خاصة أن مصر تعد من الدول الكبرى التي تستقبل اللاجئين، الأمر الذي دفع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى فتح مكتب لها في مصر منذ عام 1954.

وأوضح زهري في تصريح لـ"جسور بوست" أن تنظيم أوضاع اللاجئين يعد من أعمال السيادة المنوطة بمصر وكانت تمنحها للمفوضية السامية بسبب الفراغ التشريعي، واصفا مواد القانون الجديد بـ"الأكثر تقدمية" من اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين عام 1951.

وانتقد الخبير المصري التفرقة التي أقرها مشروع القانون بين اللاجئين بطرق شرعية واللاجئين غير الشرعيين من حيث المدة الزمنية المقررة للفصل في الطلبات، داعيا إلى تقليل المدة الزمنية إلى شهرين والمساواة بين الفئتين، إلى جانب ضرورة إقرار الحق في التظلم حال رفض الطلبات كدرجة استئنافية.

وأشار أيمن زهري إلى أهمية تفرغ المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لدور الحماية والدفاع، بدلا من وضعها السابق المتخم بمهام منح الصفة اللاجئين وتقديم المساعدات المؤقتة، وهو الدور الذي يجب على مصر كدولة مضيفة ذات سيادة أن تقوم به كاملا.

مواطن العوار

وقال وجدي عبد العزيز، الباحث المتخصص في شؤون الهجرة ومؤسس مركز الجنوب لحقوق الإنسان (المعني بحقوق اللاجئين مقره القاهرة)، إن إقرار تشريع ينظم أوضاع اللاجئين الأجانب هو أمر إيجابي من حيث المبدأ ويأتي متسقا مع الدستور المصري الذي ينص على حق اللجوء.

وأوضح عبد العزيز، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن مشروع القانون الحالي يتضمن بعض أوجه العوار التي قد تهدد أو تنسف حقوق اللاجئين بأكملها، والتي يأتي أبرزها اشتراط وجود أوراق ثبوتية، الأمر الذي يعد نادر التحقق في حالة اللاجئين القادمين من مناطق النزاعات المسلحة والحروب.

وأضاف: "مسألة تشكيل اللجنة العليا التي ستمنح صفة اللاجئ لمقدم الطلب يجب أن تكون محل حوار مجتمعي، وذلك للحيلولة دون غلبة الاعتبارات الأمنية على التزامات مصر الدولية تجاه اللاجئين أو المهاجرين، والمتمثلة في اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين عام 1951، واتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية بشأن اللاجئين عام 1969".

وتابع: "مشروع القانون الجديد أيضا لم يوضح الدور المنوط بالمفوضية السامية لحقوق اللاجئين والتي كانت تستقبل طلبات اللجوء وتمنح صفة اللاجئ وتقدم الدعم في ما يتعلق بالعمل والسكن والعلاج والتعليم"، مؤكدا أن إغفال هذا قد يتسبب في ازدواجية في المهام والالتزامات بين اللجنة العليا والمفوضية السامية.

ومضى عبد العزيز قائلا: "مشروع القانون الجديد استجاب في بعض مواده لحملة الكراهية التي انطلقت في مصر ضد اللاجئين مع تزايد أعدادهم مؤخرا، حيث نص صراحة على امكانية ترحيلهم أو إعادتهم قسرا في حال ارتكاب جرائم أو مخالفات، رغم مخالفة ذلك للالتزامات التي وقعت عليها مصر بخصوص حقوق اللاجئين".

دعا الخبير في شؤون الهجرة إلى ضرورة تنظيم حوار مجتمعي حول مشروع القانون الجديد يكون ممثل فيه اللاجئين أنفسهم والخبراء المحليين والدوليين، لخروج تشريع منضبط من حيث الحقوق والالتزامات الدولية، دون الاعتبار للحملات العدائية تجاه اللاجئين في مصر.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية