القرارات الأممية في 2024 تواجه «الواقع الصعب» لحقوق الإنسان في دول عربية
القرارات الأممية في 2024 تواجه «الواقع الصعب» لحقوق الإنسان في دول عربية
في عام 2024، كانت قضايا حقوق الإنسان في المنطقة العربية محورًا رئيسيًا للعديد من القرارات الحقوقية الدولية، سواء الصادرة عن الأمم المتحدة، محكمة العدل الدولية، أو مجلس حقوق الإنسان، وشكلت هذه القرارات استجابة للعديد من الأزمات المستمرة في المنطقة، من النزاعات المسلحة إلى قمع الحريات، وقد تبين أن لهذه القرارات تأثيرًا كبيرًا على الأوضاع الحقوقية، رغم أن تنفيذها كان يواجه تحديات كبيرة.
في ما يتعلق بفلسطين، يعتبر تقرير الأمم المتحدة السنوي لعام 2024 الأكثر تأكيدًا على تزايد الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، حيث أفاد تقرير مفوضية حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في فبراير 2024 بأن إسرائيل استمرت في استخدام القوة المفرطة ضد الفلسطينيين، ما أسفر عن مقتل آلاف المدنيين ودمار واسع النطاق في غزة.
ورغم صدور قرارات دولية تدعو إلى محاسبة إسرائيل على هذه الانتهاكات، فإن مجلس الأمن الدولي، الذي يهيمن عليه الأعضاء الدائمون مثل الولايات المتحدة، عرقل اتخاذ إجراءات حاسمة، ما يعكس التحديات التي تواجهها القرارات الحقوقية الدولية في سياق التضارب السياسي والضغوط الجيوسياسية.
أما في سوريا فإن الأزمة الإنسانية استمرت في التأثير على المدنيين بشكل كارثي، وفي يناير 2024 أصدرت محكمة العدل الدولية حكمًا يتعلق بمسؤولية الحكومة السورية عن الهجمات الكيميائية في الغوطة الشرقية عام 2013، مطالبًا بتسليم المسؤولين عن تلك الهجمات لمحاكمتهم إلا أن الحكومة السورية رفضت هذا القرار، مما يعكس تعقيد الوضع القانوني في النزاعات المستمرة حيث تمثل المجموعات المسلحة وكذلك الحكومات نفسها أطرافًا مسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان.
انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان
في ليبيا، تواصلت الفوضى السياسية والانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان، حيث سلط تقرير الأمم المتحدة لعام 2024 عن حقوق الإنسان في ليبيا الضوء على استخدام الميليشيات والجماعات المسلحة لتكتيكات إرهابية ضد المدنيين، بما في ذلك القتل والاختطاف.
وعلى الرغم من الدعوات المتكررة من مجلس حقوق الإنسان لإجراء تحقيقات ومحاكمة الجناة، فإن الوضع في ليبيا يظل غير مستقر، ويعكس هذا الضعف العام في تطبيق العدالة الدولية في دول ما بعد النزاع.
وفي اليمن، أثرت الأزمة المستمرة بشكل خطير على الوضع الحقوقي في البلاد حيث أكد تقرير الأمم المتحدة لعام 2024 حول حقوق الإنسان في اليمن أن هجمات قوات الحوثي الإرهابية تسببت في انتهاكات واسعة النطاق ضد المدنيين، ومقتل وتشريد ملايين الأشخاص.
وأشار التقرير إلى أن اليمن يعاني من نقص حاد في الغذاء والماء، مع انتشار الأوبئة في ظل غياب الرعاية الصحية، ورغم القرارات الدولية التي تدعو إلى وقف إطلاق النار، لم يطرأ تحسن ملموس على الوضع في اليمن.
قضية حقوق اللاجئين
إلى جانب هذه القضايا الوطنية، كان للقرارات الدولية تأثير أيضًا على حقوق الإنسان في العالم العربي بشكل عام، حيث أثيرت قضية حقوق اللاجئين في المنطقة العربية على نطاق واسع في عام 2024.
في هذا السياق، أفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأن أكثر من 7 ملايين لاجئ من سوريا وفلسطين والعراق واليمن يعيشون في دول المنطقة في ظروف إنسانية صعبة.
وأكد التقرير أن العديد من الدول العربية، رغم الجهود الدولية، لم تتمكن من توفير الظروف المناسبة للاجئين، الأمر الذي يزيد من تعقيد الوضع في المنطقة وفي الوقت نفسه.
وأشارت الأمم المتحدة إلى أن بعض الدول قد اتخذت خطوات لتحسين أوضاع اللاجئين، مثل الأردن ولبنان، اللذين قاما بتوفير برامج دعم للاجئين السوريين.
من جهة أخرى، لا يمكن التغافل عن أن قضايا حقوق الإنسان في العالم العربي تتقاطع مع القضايا العالمية الكبرى في عام 2024، كانت قضايا مثل التغير المناخي وحقوق الإنسان في صدارة القضايا العالمية، وكانت لها تداعيات كبيرة على المنطقة العربية.
وفي تقرير الأمم المتحدة عن التغير المناخي في العام نفسه، تم التأكيد على أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي من أكثر المناطق تضررًا من آثار التغير المناخي حيث أظهرت البيانات أن 50 مليون شخص في المنطقة يواجهون خطر فقدان الوصول إلى مياه الشرب نتيجة للتغيرات المناخية، كما أن غياب الدعم الدولي الكافي يعمق الأزمة الإنسانية، وهو ما يشكل تهديدًا لحياة ملايين الأشخاص.
وفي هذا السياق، دعا العديد من الخبراء إلى إعادة النظر في السياسات البيئية وتفعيل حقوق الإنسان بشكل أكثر تأثيرًا في سياسات التكيف مع التغير المناخي.
تأثير القرارات الدولية
قال الخبير الحقوقي، محمود حمداني، إن القرارات الحقوقية الدولية الحقوقية لهذا العام، كانت تحمل في طياتها آمالًا في تحسين أوضاع حقوق الإنسان حول العالم، ولا سيما في الدول العربية، ومع ذلك فإن تنفيذ هذه القرارات على الأرض لا يزال يشوبه الكثير من الصعوبات والتحديات على الرغم من الجهود المستمرة لإرساء حقوق الإنسان، ففي كثير من الحالات، تبقى الدعوات إلى احترام حقوق الإنسان مجرد نصوص نظرية لا تُترجم إلى أفعال ملموسة، ما يُبرز التناقض بين المبادئ التي تسعى المنظمات الدولية إلى تطبيقها والواقع المعقد الذي يعيش فيه العديد من الشعوب.
وتابع حمداني، في تصريحات لـ"جسور بوست": تظل الحروب والنزاعات المسلحة في المنطقة العربية أحد أبرز التحديات التي تؤثر بشكل كبير على حقوق الإنسان، ففي اليمن وسوريا وليبيا، على سبيل المثال، لا يزال المدنيون يعانون من انتهاكات جسيمة لحقوقهم الأساسية مثل الحق في الحياة والحرية وتستمر تلك النزاعات في تدمير البنى التحتية وتفاقم معاناة الفئات الضعيفة، وعلى رأسهم النساء والأطفال.
وأضاف أنه رغم قرارات الأمم المتحدة التي تدعو إلى وقف الأعمال العدائية وحماية المدنيين، يبقى تطبيق تلك القرارات محدودًا بشكل كبير في ظل توازنات القوى والمصالح السياسية.. فالتدخلات الدولية التي تهدف إلى تسوية النزاعات لا تضمن دومًا حماية حقوق الإنسان بشكل فعال، بل في بعض الأحيان تُفاقم الوضع بسبب الانحياز السياسي لطرف دون آخر.
وتابع: تشهد قضايا اللاجئين والمهاجرين في المنطقة العربية تدهورًا مستمرًا، وقد أصدرت الأمم المتحدة عددًا من القرارات التي تهدف إلى توفير حماية للاجئين وفقًا للاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين لكن الحقيقة أن ملايين اللاجئين في الدول العربية لا يزالون يواجهون ظروفًا إنسانية قاسية دون تلقي الدعم الكافي من المجتمع الدولي، ومع أن بعض الدول العربية قد أبدت مرونة في استقبال اللاجئين، إلا أن هناك معوقات كبيرة تتعلق بالموارد المحدودة والتحديات الاقتصادية التي تؤثر على قدرة هذه الدول على توفير الحد الأدنى من الحقوق الأساسية، مثل الرعاية الصحية والتعليم والإسكان.
وفي ما يتعلق بحقوق المرأة في العالم العربي، قال حمداني إنه على الرغم من بعض الإصلاحات القانونية في مجالات مثل العمل والتعليم، لا يزال التمييز ضد النساء قائمًا في مجالات أخرى، خاصة في مجالات حقوق الأسرة والزواج والميراث، فبعض الأنظمة القانونية تضع قيودًا صارمة على حرية المرأة، مما يتناقض مع التزامات الدول بموجب المعاهدات الدولية مثل "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" (CEDAW)، وفي هذا السياق، يُظهر الواقع الاجتماعي والثقافي في بعض البلدان مقاومة تجاه الإصلاحات القانونية، مما يجعل من الصعب تحقيق المساواة الحقيقية بين الجنسين.
واسترسل: وفي ما يتعلق بحرية التعبير والإعلام، تُعد هذه الحقوق من أكثر الحقوق المهددة في الدول العربية على الرغم من التشريعات التي تكفل حرية الصحافة والرأي، إلا أن بعضا من الدول لا تزال تستخدم القوانين القمعية لملاحقة الصحفيين والنشطاء السياسيين.
وتابع: تتعرض وسائل الإعلام لحملات تضييق شديدة، ويُعتقل الصحفيون والنشطاء في العديد من البلدان بسبب تعبيرهم عن آرائهم أو انتقادهم للحكومة. ورغم أن المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تضمن حق الأفراد في التعبير عن آرائهم بحرية، فإن الواقع يعكس تراجعًا مستمرًا في هذا المجال. ويُظهر هذا التناقض بين المعايير الدولية والواقع المحلي تحديًا كبيرًا في سبيل تحقيق بيئة حرة وآمنة للتعبير عن الآراء.
وأشار حمداني إلى أن ما يعكسه هذا الوضع هو الفجوة الكبيرة بين القرارات الحقوقية الدولية والواقع الميداني فالعديد من القرارات التي تصدر عن هيئات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية قد يُنظر إليها على أنها مجرد رسائل نظرية تطلب من الدول احترام حقوق الإنسان، لكن هذه الرسائل لا تُترجم دائمًا إلى أفعال ملموسة، وذلك بسبب عدة عوامل، منها الصراعات السياسية، والضغط الاقتصادي، والاعتماد على المصالح الخاصة للدول الكبرى. كما أن هذه القرارات غالبًا ما تواجه مقاومة على المستوى المحلي، حيث تكون هناك أيديولوجيات وأنماط ثقافية تُعوق تقدم حقوق الإنسان بشكل عام.
وأتم: يتضح أن تطبيق قرارات حقوق الإنسان على أرض الواقع يتطلب أكثر من مجرد وجود قرارات دولية، بل يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية من الدول، بالإضافة إلى دعم المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، لتفعيل هذه القرارات والضغط على الحكومات لتنفيذ التزاماتها.
في الوقت نفسه، ينبغي أن يكون هناك توافق عالمي لضمان حماية حقوق الإنسان بشكل شامل وفعّال، يتجاوز العقبات السياسية ويلبي احتياجات الأفراد في مختلف أنحاء العالم.
قرارات حقوقية جيدة
وقال الخبير الحقوقي، كمال يونس، إن القرارات الحقوقية خلال 2024 أظهرت تعقيد العلاقات بين الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سياقات الدول المختلفة، ومن المؤكد أنَّ الأمم المتحدة ومؤسساتها مثل محكمة العدل الدولية ومجلس حقوق الإنسان استمرت في لعب دور حاسم في معالجة الانتهاكات، لكنها أيضاً أكدت الصعوبات التي يواجهها المجتمع الدولي في التنفيذ الفعلي لهذه القرارات على الأرض، خصوصًا في الدول العربية،
وأضاف يونس، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن تطبيق معايير حقوق الإنسان الدولية يشير إلى ضرورة أن تكون هذه المعايير جزءًا لا يتجزأ من التشريعات الوطنية، ما يتيح ضمانات فعّالة لحماية الحقوق وهذا أمر مهم خصوصًا في ظل التطورات التي شهدتها بعض الدول العربية في 2024، والتي كانت مصحوبة بقرارات دولية تدعو إلى تحسين أوضاع حقوق الإنسان من بينها، أبرز هذه القرارات تلك المتعلقة بحقوق اللاجئين، والمساواة بين الجنسين، وحقوق الأقليات، إضافة إلى قضايا حرية التعبير والمشاركة السياسية.
وتابع: من بين القوانين الدولية التي تحكم هذه المسائل "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" و"العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" إلا أنَّ تنفيذ هذه المعاهدات يبقى غير متسق في العديد من الدول، الأمر الذي يتطلب جهودًا تشريعية أكبر لتحويل هذه الحقوق إلى واقع ملموس، وهذه الاتفاقيات يجب أن تكون جزءًا من الإطار القانوني الوطني للدول، سواء كانت عبر القوانين الداخلية أو من خلال التشريعات التي تلتزم بها تلك الدول عند التصديق على المعاهدات الدولية.
وأضاف: تظهر في هذا السياق تحديات كبيرة عندما يتعلق الأمر بإعمال القوانين الحقوقية في البلدان التي تشهد صراعات مستمرة أو التي تتمتع بأنظمة قضائية ضعيفة، فمثلًا لا تزال بعض الأنظمة العربية تواجه صعوبة في تفعيل القوانين الدولية التي تحظر التعذيب أو حماية حقوق الأطفال في النزاعات المسلحة. هذا الواقع يُظهر فجوة كبيرة بين المبادئ الحقوقية العالمية وبين التطبيق المحلي لهذه المعايير في ظل غياب الإرادة السياسية أو لوجود قيود على السيادة الوطنية.
واسترسل الخبير القانوني: بعض القرارات التي أصدرتها محكمة العدل الدولية ومجلس حقوق الإنسان في 2024 كان لها تأثير كبير على بعض القضايا الملحة في العالم العربي، خاصة في ما يتعلق بقضية فلسطين. ففي يونيو 2024، أصدرت محكمة العدل الدولية قرارًا يتعلق بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، مما أثار جدلاً حول قدرة المحكمة على فرض قراراتها على إسرائيل التي لم تلتزم بقرارات سابقة. هذا القرار سلط الضوء على صعوبة تطبيق العدالة الدولية في مناطق النزاع، وكان بمثابة اختبار جديد لتفعيل آليات المحاسبة الدولية.
وقال يونس، إنه على صعيد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، شهدت بعض الدول العربية تحركات تشريعية مهمة بناء على توصيات مجلس حقوق الإنسان. فعلى سبيل المثال، شهدت بعض الدول مثل المغرب والأردن تحركات باتجاه تحسين قوانين العمل وتنفيذ مشاريع لخفض معدلات الفقر، استنادًا إلى معايير الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. لكن تبقى هذه التحركات غير كافية في ظل الاستمرار في تزايد معدلات البطالة والفقر في بعض الدول الأخرى مثل مصر والسودان… هذه القضايا تتطلب تدخلاً تشريعيًا عاجلاً من أجل تفعيل آليات التنفيذ الفعلي، ومنح الشعوب حقوقًا أساسية تتعلق بالعيش الكريم والعدالة الاجتماعية.
وأكد أن معالجة القضايا الحقوقية في العالم العربي تتطلب شجاعة سياسية لتطبيق المعايير الدولية في إطار بعض البيئات القانونية التي لا تزال تواجه تحديات بنيوية.
وأضاف أن ما يثير القلق هو أنَّ الأمم المتحدة وكل المنظمات الدولية المتخصصة تبقى محدودة القدرة في مواجهة الأنظمة التي تقيد الحقوق الأساسية لشعوبها، حيث إنَّ بعضها لا يلتزم بالمعاهدات الدولية أو يتبنى تفسيرات ضيقة لهذه المعاهدات بما يتوافق مع مصالح السلطة الحاكمة، داعيا إلى توفير آليات أكثر فاعلية في تطبيق المعايير الدولية، وخاصة تلك التي تركز على حماية حقوق الإنسان في حالات النزاع أو تحت الأنظمة الاستبدادية.
وأشار إلى أنه من خلال تحسين التدخلات التشريعية يمكن تحفيز الدول العربية على الانخراط بشكل أكبر في عملية التغيير، لتصبح جزءًا من النظام الدولي القائم على العدالة والمساواة في الوقت ذاته، يجب أن تتم مراجعة آليات المحاسبة الدولية لضمان توفير مزيد من الضغوط على الدول التي تتجاهل حقوق شعوبها، مع توفير حماية أكبر للمدافعين عن حقوق الإنسان في تلك الدول.
وأتم: لا يمكن إنكار أنَّ هناك تقدماً ملموساً في بعض الدول العربية، ولكن هذا التقدم لا يزال محدودًا في ظل الاستمرار في مواجهة العديد من التحديات التي تتطلب تغييرًا حقيقيًا على الصعيد التشريعي والتنفيذي بما يتماشى مع معايير حقوق الإنسان الدولية، وتعزيز السياسات التي تضع حقوق الأفراد في صدارة أولوياتها.