وسط اتهامات بالازدواجية.. هل أخفقت المنظمات الدولية في دعم ضحايا الحروب خلال 2024؟
وسط اتهامات بالازدواجية.. هل أخفقت المنظمات الدولية في دعم ضحايا الحروب خلال 2024؟
تظل المنظمات الحقوقية الدولية هي معقل الدفاع عن الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، لا سيما في ظل التوترات الجيوسياسية العالمية وانتشار الحروب والنزاعات، غير أنها رغم الأنشطة والإنجازات عادة ما تواجه تحديات كبيرة وانتقادات واسعة في معظم دول العالم.
وعلى مدى عام 2024 استمرت المنظمات الدولية الحقوقية في توثيق الانتهاكات حول العالم وإصدار تقارير دورية تسلط الضوء على الأزمات الحقوقية، وتمارس ضغوطًا على الحكومات من خلال الحملات الإعلامية أو الضغط على الهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة لفرض عقوبات أو تدابير لتحسين الأوضاع الحقوقية في العديد من البلدان.
وتعمل العديد من المنظمات الدولية على توفير الدعم القانوني والتقني لمنظمات حقوق الإنسان المحلية، خاصة في المناطق التي تعاني من التوترات أو النزاعات المسلحة، لتخفيف العبء عن السكان وتنمية المجتمعات المحلية وزيادة قدرتها على التكيف مع الأوضاع.
وتركز أيضا على توثيق الانتهاكات في مناطق النزاع، مثل الأوضاع في غزة، والأوضاع في أوكرانيا، وتصاعد العنف في إفريقيا وغيرها، وتعمل على لفت أنظار العالم إلى الضحايا المنسيين، خاصة الفئات الضعيفة أو المهمشة كالنساء والأطفال في بؤر النزاعات واللاجئين وضحايا الكوارث المناخية وغيرهم.
وتواجه المنظمات الحقوقية الدولية حزمة من التحديات، أبرزها القيود الحكومية، إذ تفرض بعض الدول قيودًا صارمة على عمل المنظمات الحقوقية، بما في ذلك طرد ممثليها أو منعهم من دخول البلاد، إلى جانب الانتقاد باتهامات متكررة بالتحيز السياسي أو استخدام قضايا حقوق الإنسان كأداة ضغط لتحقيق أهداف سياسية.
وتتهم بعض المنظمات الحقوقية بالتركيز على دول معينة دون غيرها، ما يجعلها عرضة للانتقادات بشأن المعايير المزدوجة، ورغم الصوت العالي لتلك المنظمات فإن تأثيرها على سياسات الحكومات يظل ضعيفًا في كثير من الأحيان.
العمل وسط أزمات معقدة
وتظل الصراعات والنزاعات المسلحة هي العدو الأول لأنشطة المنظمات الحقوقية الدولية، لا سيما في ظل أزمات معقدة مثل الحرب في أوكرانيا والصراع في السودان واليمن وليبيا، والحرب على قطاع غزة ولبنان، وكذلك التغيرات في الشرق الأوسط، إذ تواجه المنظمات صعوبة في الاستجابة لكل الأزمات بشكل فعال ومؤثر.
وتسعى المنظمات الحقوقية الدولية إلى تعزيز التعاون مع القطاع الخاص والمجتمع المدني لتحسين قدرتها على إحداث تغيير في البلدان المستهدفة، وذلك سعيا لمواكبة متطلبات المستقبل من خلال تطوير أدوات جديدة واستراتيجيات مبتكرة لتعزيز دورها في حماية الحقوق.
ورغم التحديات والمعوقات، تلعب المنظمات الحقوقية الدولية في 2024 دورًا محوريًا في إثارة القضايا الحقوقية عالميًا، لكنه يظل محدودًا بسبب التحديات السياسية واللوجستية في معظم الدول، لا سيما التي تعاني من الصراعات والحروب.
الكيل بمكيالين
وقال الحقوقي المغربي والمحامي المختص في القانون الدولي، عبدالمجيد مراري، إن تقييم المنظمات الدولية من حيث الإخفاقات والإنجازات في عام 2024، يتوقف على طبيعة تلك المنظمات من حيث التبعية سواء المستقلة أو الأممية أو الدولية المدعومة من دول، وهو ما يظهر جليا في اتخاذ مواقف في العدوان الإسرائيلي على غزة، أو الوضع في السودان واليمن وسوريا وغيرها من البلدان العربية.
وأوضح مراري، وهو محامٍ بارز في المحكمة الجنائية الدولية، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن "المنظمات المرتبطة بالأمم المتحدة قامت بمجهودات كبيرة بنطاق المحاكمات وحقوق الإنسان والوضع في فلسطين وغيرها، مثل محكمة العدل الدولية التي اعتمدت على مجموعة أعمال الخبراء والمقررين الخاصين من حيث التوثيق والتحقيقات التي أجروها في غزة والسودان وليبيا، وكذلك اعتمد المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولي على التقارير الحقوقية في ليبيا وغزة أيضا".
وأضاف: "المؤسسات الدولية التي تراقب الأوضاع عربيا قامت بأعمال المتابعة لما يحدث في قطاع غزة بشكل أخذ حيزا كبيرا في 2024، ربما لم يجد ذلك الحيز نفسه في أوضاع السودان أو ليبيا أو اليمن، رغم أنها كانت أوضاعا إنسانية ومعيشية شديدة السوء"، مؤكدا أن هذا الاهتمام جعل تلك المنظمات تغفل عن مراقبة بعض الحقوق الأساسية في بعض البلدان العربية، مثل حرية الرأي والتعبير والتظاهر والتنظيم وغيرها.
وتابع: "اختلف الوضع قليلا في لبنان أواخر 2024، حيث تعاطفت الأمم المتحدة مع هذا الحدث بشكل أقل من تعاطفها مع قطاع غزة، باعتبار أن الأوضاع هناك مختلفة، وكذلك المنظمات الحقوقية المستقلة ركزت كامل جهودها على غزة لظروفها المالية والبشرية، ما جعل هناك إخفاقات بالمقارنة مع نظيراتها المدعومة أمميا ودوليا في متابعة أوضاع السجون والمحاكمات في اليمن والإعدامات في العراق، فيما تجاوزت عن انتهاكات عديدة في بلدان أخرى.
وبالنسبة لتوقعات عام 2025، قال عبدالمجيد مراري، إن "المنظمات بنهاية كل عام تقف على تقييم أنشطتها وحجم تأثيرها، ويجب أن تعالج إخفاقاتها وتعزز إنجازاتها وتعطي الأولوية للملفات الحساسة، باعتبار أن ملف حقوق الإنسان يجب التعاطي معه بشكل مهني ومتوازن تماما، مضيفا: "الجرائم التي تقع في السودان لا تقل فظاعة عما يحدث في غزة، حيث يقتل البشر في البلدين وكذلك ما يقع في اليمن من إعدامات وأحكام بالسجن وغيرها".
وأشار مراري، إلى أن "الملف السوري سيكون له مساحة كبيرة في 2025 أيضا بعد سقوط نظام بشار الأسد والكشف عن حجم الجرائم والانتهاكات التي مارسها النظام السوري ضد شعبه، الأمر الذي يؤكد ويثبت تقارير المنظمات الدولية على مدى السنوات عن الأوضاع الإنسانية في سوريا"، متوقعا أن "الملف السوداني سيفرض نفسه بقوة خلال العام المقبل".
وبرأي مراري فإن "عام 2025 سيشهد تحولات إقليمية كبرى، ويجب أن تكون المنظمات الدولية الحقوقية على المستوى نفسه، رغم الإقرار أنها تواجه ظروفا معنية أبرزها ضعف التمويل أو الضغوط السياسية"، مؤكدا أهمية أن يكون الجميع سواء فلا يجب تدليل أوكرانيا وإسرائيل وترضية الغرب على حساب حقوق السوريين والسودانيين والفلسطينيين واليمنيين والعراقيين.
تبعية مُعطلة
ومن جانبه رأى أستاذ القانون الدولي الفلسطيني، الدكتور أمجد شهاب، أن "المنظمات الدولية كانت في عام 2024 بحاجة إلى قرار دولي داعم خاصة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن غياب هذا القرار الدولي كان دوره فاترا وباهتا وغير مؤثر على الأرض، حيث عملت بحسب المتاح من الاحتلال الإسرائيلي، ولذلك كان هناك غياب شبه كامل للمنظمات الحقوقية في قطاع غزة واقتصر فقط على إدخال المساعدات الإنسانية والعمليات الإنسانية العاجلة".
وأوضح الخبير القانوني الفلسطيني أن تلك المنظمات الحقوقية لم تهتم بشكل جيد بحقوق الأطفال والنساء، ولم تلعب دورها في ملفات عديدة أخرى لكشف مزيد من الجرائم، وكان وقوفها فقط في خانة المساعدات رغم أهميتها القصوى، في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية وتدمير البنى التحتية في غزة.
وأضاف شهاب: "هذه المنظمات التي تتبع إرادة دولية مفقودة كان أمامها مساحة أكبر للتحرك في لبنان بسبب عدم وجود محاصرة كاملة كما في قطاع غزة، وهذا يجعلنا نقول إنها لا تتحرك دون توجيهات سياسية دولية وليست مستقلة بشكل كامل".
وأوضح أن "منظمة الأونروا تعتمد بشكل أساسي على المساعدات وتعمل تحت إرادة الاحتلال دون استقلال أو دعم دولي، رغم أنها تابعة للأمم المتحدة"، مؤكدا أن المنظمات الدولية والأممية حتى لا تفقد دورها في غزة لعبت دورا رمزيا وليس أساسيا، وظهر هذا جليا في عدم اتخاذ موقف دولي أو أممي حاسم وقوي بعد حظر إسرائيل أنشطة الأونروا".
وعقد شهاب مقارنة بين أدوار المنظمات الدولية في الدول العربية ودورها في الحرب الروسية على أوكرانيا، قائلا: "في أوكرانيا سنرى حماية واسعة نفسية وغذائية ومتابعة لحظية، لكن هذا الدور المؤثر كان غائبا عن الحرب في غزة ولبنان والأوضاع الإنسانية المتدهورة في السودان واليمن وليبيا على سبيل المثال".
تحديات إنسانية وسياسية واقتصادية
وتشهد 6 دول عربية وهي فلسطين وسوريا واليمن وليبيا والسودان ولبنان، تحديات إنسانية وسياسية واقتصادية ناجمة عن حروب ونزاعات مسلحة ما زالت مستمرة للاحتلال أو الاستحواذ على السلطة.
وخلال عام 2024، تراجعت مؤشرات الأمن البشري في الدول العربية الست متأثرة بحروب داخلية وصراعات سياسية تعرض خلالها السكان لمستويات عالية من الخوف والعنف والفقر وانهيار سبل العيش، في فجوة عميقة بين حقوق الإنسان والتنمية.
وبحسب تعريف الأمم المتحدة، يدعو مفهوم الأمن البشري إلى توفير بيئة يعيش الناس فيها بكرامة وبمنأى عن التهديدات المزمنة، محميين من الاضطرابات المفاجئة والمؤذية في حياتهم اليومية.