بين حرية المعتقد والحفاظ على الأمن.. كيف تواجه البحرين الخطاب السياسي في المساجد؟

بين حرية المعتقد والحفاظ على الأمن.. كيف تواجه البحرين الخطاب السياسي في المساجد؟
كيف تواجه البحرين الخطاب السياسي في المساجد؟

تواجه مملكة البحرين تحديات معقدة تتعلق بتسييس المنابر الدينية، حيث تسعى السلطات للحفاظ على دور العبادة كأماكن للسلام والعبادة بعيدًا عن التجاذبات السياسية.

ومع تأكيدها حرية ممارسة الشعائر الدينية، تتخذ مملكة البحرين إجراءات حازمة ضد الخطاب التحريضي الذي يهدد استقرارها الاجتماعي.. هذا النقاش يفتح باب التساؤل حول دور الدين في المشهد السياسي وكيف يمكن تحقيق التوازن بين حرية المعتقد وضمان الأمن والاستقرار.

وأكد معنيون بالشأن البحريني والاجتماعي تحدثوا لـ"جسور بوست"، أن البحرين بلد معروف بأنه متعدد الثقافات والأديان ويسمح بممارسات الطقوس الدينية بكل حرية مع الالتزام بعدم الخروج عن القانون، مؤكدين أن استخدام المنابر الدينية في ترويج أفكار ومشاريع سياسية "محاولات يائسة" ستظل مرفوضة ولن تجد طريقها للبقاء مهما قدمت من مبررات.

وقبل أيام، زعم منبر إعلام شيعي بحريني في رصد حصاد 2024، أن "السلطات البحرينية عادت مجددا لمنع صلاة الجمعة في جامع الإمام الصادق في الدراز (شمال غرب) الذي يحتضن أكبر صلاة للطائفة الشيعية لمنع تأبين (زعيم حزب الله الموالي لطهران) حسن نصر الله". 

وكان وزير الداخلية البحرينية، الفريق أول الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، قال في تصريحات صحفية بشأن تسيس المنابر الدينية: "إذا كانت هناك مخالفات، فقد انحصرت في مسجد واحد فقط وهو مسجد الصادق في الدراز، وتمثلت في الخطب المسيسة، والمسيرات المخالفة للقانون بعد صلاة الجمعة بشكل ممنهج ومستمر".

وأضاف: "على كل حال، فإن المسجد مفتوح لجميع الصلوات ولم يتم غلقه بل تم منع الخطاب التحريضي والمسيرات"، مشددا على أن شؤون إدارة المسجد وتعيين الخطيب من اختصاص وموافقة الأوقاف الدينية.

وأكد أن "المساجد بيوت الله، جعلت للعبادة والذكر والصلاة وقراءة القرآن والاستماع للأحاديث والمواعظ والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة"، مضيفا: "لدينا في مملكة البحرين 1304 جوامع ومساجد، وهناك التزام واضح، وإني أشكر القائمين على المساجد والخطباء، جزاهم الله خيرا على ما يقومون به من نصح وإرشاد للمصلين من خلال الخطب والدروس الدينية".

ويأتي تسييس خطب الجمعة من جانب جماعات الإسلام السياسي السنية والشيعية، بهدف استغلال المنابر الدينية للإساءة أو التحريض أو نشوب التوترات في العلاقات بين الدول، الأمر الذي يدفع سلطات الدول إلى اتخاذ إجراءات لمنع استغلال المنابر الدينية لتحقيق مآرب سياسة.

تعدد الثقافات

من جانبه، قال الإعلامي البحريني البارز، عصام ناصر، إن "البحرين بلد معروف بأنه متعدد الثقافات والأديان وهو نموذج مميز بين دول الخليج العربي، حيث يتم بناء المساجد والكنائس والمعابد والكل يمارس طقوسه الدينية برعاية ودعم وترحيب من الدولة". 

وأكد ناصر في تصريح لـ"جسور بوست"، أن السلطات البحرينية تضمن تحقيق جميع السبل لضمان حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية لجميع المواطنين والمقيمين على السواء، والقوانين تنظم كل الأمور التي تتعلق بذلك، ولكن عدم الالتزام بالقوانين والإصرار على الخروج عليها أمر مرفوض جملة وتفصيلا، كون ذلك يعيق تقدم واستقرار أي بلد علاوة على التداعيات الاجتماعية الخطيرة المترتبة على ذلك والمتمثلة في الفرقة والانقسامات وهذا يجب أن يواجه لدعم سيادة الدولة. 

وأضاف الإعلامي البحريني: "خلط الأمور أمر خاطئ، بمعنى أن خلط السياسة بالدين فيه إساءة إلى الدين وتسيس الأمور الحياتية بما فيها الجوانب الدينية بالتأكيد هو أمر خطير وينطوي على مخاطر كبيرة تمس السلم المجتمعي، والمشهد بشكل عام في البحرين يعج بألوان من الطقوس الدينية حيث يتم ممارسة حرية المعتقد بكل أريحية، وهذا أمر نفخر به في البحرين والدولة مستمرة في دعم حرية ممارسة الأديان طالما كانت في إطار القانون".

ومضى عصام ناصر، قائلا: "نحن رأينا الدول التي أديرت من الخارج ورهنت قرارها الوطني لمقتضياته، كيف آلت بها الأمور سياسيا واقتصاديا وأمنيا، ومن ثم يجب تعلم الدرس ورفض أي توظيف سياسي لقضايا الأمة، باعتبار أن دغدغة المشاعر من خلال رفع شعارات قومية مسيسة حق يراد به باطل".

وشدد على أن "البحرين تاريخيا لم تتعرض فيها أي ممارسة دينية ملتزمة بالقانون للتضييق والمنع أو الحجب، وجامع الفاتح الشهير والرئيسي بالبلاد تطرق خطيبه في أكثر من مناسبة للقضية الفلسطينية على سبيل المثال ولم تمنع الخطبة بل إنها كانت تبث عبر التلفزيون الرسمي للدولة والقنوات الفضائية، لأن البحرين بلد معروف تاريخيا بدعمه لقضايا الأمة العربية وفي القلب منها القضية الفلسطينية".

وأضاف: "أؤكد مجددا كمواطن بحريني أن كل الأديان والطوائف تمارس معتقداتها وطقوسها الدينية في البحرين بكل حرية وخطب الجمعة التي تدعم القضية الفلسطينية حاضرة عبر المشهد الديني ولم تتعرض لأي شكل من أشكال المنع والتضييق، لكن إذا كانت هناك خطب تسعى لزعزعة الاستقرار والأمن وتسيء للبحرين وعلاقاتها الدولية وسياساتها الداخلية والخارجية بالتأكيد يطالها القانون وسيتعامل معها".

وحذر الإعلامي البحريني، من مخاطر المساعي والمحاولات اليائسة لتهديد الوضع الاجتماعي في بلاده وتكريس حواجز بين أفراد المجتمع في ظل فشل المساس بالوضع الأمني المستقر والمسيطر عليه، مشددا على ثقته في أن تلك المحاولات ستذهب سدى كما ذهبت غيرها ولا مكان إلا للقانون في البحرين الذي يحفظ ويدعم حرية المعتقد وممارسة الأديان لشعائرها بكل حرية.

انتهاكات حقوق الإنسان

وقال أستاذ علم الاجتماع السياسي المصري، الدكتور سعيد صادق، إن المنابر والمساجد وخطبة الجمعة، كانت على مدار التاريخ الإسلامي تستخدم في توضيح وشرح أمور كثيرة للأمة الإسلامية، لكن حاليا تستخدم لتحقيق مآرب سياسية وعلى سبيل المثال في مملكة البحرين تستخدم من قبل بعض الجماعات الشيعية في النشاط السياسي والتحريض ضد نظام الدولة وبات علماء من الشيعة أدوات رئيسية في يد دول أخرى للتحريض وبث خطابات الكراهية والعنف. 

وأوضح صادق في تصريح لـ"جسور بوست" أن تسييس المنابر الدينية في البحرين يعد خطرا على النظام السياسي ويهدف للمساس بنظام الحكم في ظل تحركات بعض الشيعة بالبلد الخليجي في عام 2011 لإسقاط الحكم بدعم من إيران، مشددا على أنه لا يجب أن تستخدم المنابر الدينية في صراعات أو تجاذبات سياسية مهما كانت المبررات.

وأشار إلى أنه "لا يمكن اعتبار تسييس خطبة الجمعة في واقع البحرين قيودا على المنابر أو انتهاكات لحقوق الإنسان، لا سيما وأن ذلك أمر شديد الخطورة لأنها تمس الشيعة وأفكارهم أو تخلط الدين بالسياسة أو تحرك نحو أمور تهدد أمن واستقرار النظام العام، بشكل بعيد عن الالتزام بالقانون كما ترى السلطات هناك باستمرار". 

وأوضح أن استغلال خطب الجمعة لتمرير خطابات مسيسة بالبحرين أمر سيكون غير مقبول على المدى الطويل ولن يتغير في ظل مواقف الشيعة المرتبطة بطهران، والتي يراها النظام مهددة لاستقرار البلد الخليجي، مؤكدا ضرورة عدم إقحام المنابر الدينية في تلك التجاذبات السياسية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية