بعد حظر طالبان.. منظمة بحثية ترصد هجرة مزارعي الخشخاش الأفغان إلى باكستان

بعد حظر طالبان.. منظمة بحثية ترصد هجرة مزارعي الخشخاش الأفغان إلى باكستان
هجرة مزارعي الخشخاش الأفغان إلى باكستان

واجه مزارعو الأفيون الأفغان واقعًا جديدًا منذ أن فرضت إمارة أفغانستان (طالبان) حظرًا على زراعة الخشخاش في أبريل 2022، حيث دفع هذا القرار العديد من المزارعين في جنوب أفغانستان إلى البحث عن بدائل، فانتقل بعضهم إلى مقاطعات بلوشستان وخيبر بختونخوا الباكستانية لمواصلة زراعة الخشخاش.

ولم تكن هذه الموجة الأولى من الهجرة، فقد شهدت المنطقة حركة مماثلة قبل 25 عامًا، عندما فرضت طالبان أول حظر للأفيون في عامي 2000-2001، ما دفع بعض المزارعين إلى الانتقال عبر الحدود للبحث عن فرص زراعية جديدة.

وكشف تقرير صدر عن شبكة المحللين الأفغان (AAN) أن العديد من هؤلاء المزارعين استقروا في مناطق دوكي، قيلا سيف الله، وقيلا عبد الله في بلوشستان، حيث نقلوا خبراتهم في زراعة الأفيون إلى الأراضي الباكستانية.

ووفقا للبيان الذي نشرته المنظمة، اليوم الأحد، تحدث المزارعون عن رحلات محفوفة بالمخاطر، ودفع رِشى لعبور الحدود، وارتفاع أسعار الأراضي، فضلًا عن صعوبات في جودة التربة وشح المياه.

تراجع إنتاج الأفيون

سمحت طالبان للمزارعين بحصاد محاصيلهم الأخيرة قبل تنفيذ الحظر بصرامة، ما أدى إلى تراجع زراعة الأفيون في البلاد إلى مستويات غير مسبوقة.

ووفقًا لتقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) لعام 2023، انخفض الإنتاج الوطني من 6200 طن من الأفيون الطازج في عام 2022 إلى 33 طنًا فقط في عام 2023.

سجلت محافظة هلمند، التي كانت مسؤولة عن أكثر من نصف الإنتاج الوطني في عام 2022، انخفاضًا بنسبة 99.99% في الأراضي المزروعة بالخشخاش عام 2023، بينما تراجعت المساحات المزروعة في قندهار بنسبة 88.84%.

ولا تعد هلمند مركزًا رئيسيًا لزراعة الأفيون فحسب، بل أيضًا لتجارته، حيث تمر كميات كبيرة من الأفيون عبر بلوشستان قبل تهريبها إلى إفريقيا وأوروبا، مما جعلها حلقة رئيسية في تجارة المخدرات الإقليمية.

عودة زراعة الأفيون إلى بلوشستان

شهدت باكستان تراجعًا حادًا في زراعة الخشخاش خلال التسعينيات، حيث انخفضت المساحات المزروعة من 9441 هكتارًا عام 1992 إلى 213 هكتارًا فقط عام 2001.

ووفقًا لتقرير UNODC لعام 2008، لكن حظر طالبان للأفيون في عام 2000-2001 أدى إلى انتعاش زراعته في باكستان، حيث ارتفعت المساحات المزروعة إلى 6703 هكتارات في عام 2003، وشهدت بلوشستان لأول مرة زراعة الأفيون.

وتراجعت الزراعة مرة أخرى بعد عام 2004، إلا أن التقارير الإعلامية في عام 2014، بما في ذلك تقرير صوت أمريكا (VoA)، أشارت إلى عودة زراعة الأفيون في بلوشستان، مدفوعة بحالة عدم الاستقرار الأمني والصراع المسلح في المنطقة.

وأكد تقرير صادر عن UNODC في نوفمبر 2024 أن زراعة الخشخاش في باكستان ارتفعت من 27 هكتارًا في عام 2020 إلى 380 هكتارًا في عام 2023، ورغم ذلك، لم تبذل الحكومة الباكستانية جهودًا ملموسة لوقف زراعة الأفيون، مما سمح بتوسعها في مناطق متعددة من بلوشستان وخيبر بختونخوا.

مزارعون أفغان يروون أسباب هجرتهم

انتقل العديد من المزارعين إلى باكستان دون عائلاتهم، ما سهل عليهم عبور الحدود بشكل غير قانوني، وكشف أحد المزارعين من هلمند، المقيم حاليًا في منطقة قيلا عبد الله ببلوشستان، عن تفاصيل رحلته قائلًا: "لم تكن هناك وظائف في هلمند، لذلك قررت المجيء إلى بلوشستان وزراعة الأفيون هنا.. جئت مع ثلاثة أصدقاء، ونتبادل العودة إلى أفغانستان بين الحين والآخر، لكن جميعنا هنا بدون عائلاتنا.. يوجد مئات الأفغان في هذه المنطقة، جميعهم جاؤوا للغرض نفسه".

وأكد مزارع آخر من هلمند، انتقل إلى دوكي ببلوشستان، أن تكاليف التهريب المرتفعة وصعوبة السفر جعلت من المستحيل عليه اصطحاب عائلته.

وأشار إلى أن عبور الحدود عبر المهربين يتطلب دفع 30 ألف إلى 35 ألف روبية باكستانية (110-125 دولارًا أمريكيًا) للشخص الواحد، بالإضافة إلى دفع رِشى متكررة للشرطة الباكستانية عند نقاط التفتيش.

صعوبات زراعية

اختلفت جودة الأراضي في بلوشستان عن نظيرتها في هلمند وقندهار، حيث عانى بعض المزارعين من ضعف خصوبة التربة وشح المياه، مما دفع بعضهم إلى التخلي عن أراضيهم والعودة إلى أفغانستان.

صرّح أحد المزارعين في دوكي بأنه قلق من ضعف الإنتاج، رغم ما سمعه عن زيادة نسبة العصارة في نباتات الخشخاش في بلوشستان مقارنة بأفغانستان، أما المزارع في قيلا عبد الله، فقد حقق محصولًا جيدًا العام الماضي، حيث جمع 56 كيلوغرامًا من الأفيون من 5 هكتارات، ما شجعه على توسيع المساحة المزروعة إلى 15 هكتارًا هذا العام.

وانتعشت أسواق الأفيون في بلوشستان، حيث يجري بيع الأفيون علنًا في بلدة جولستان، الواقعة في قيلا عبد الله قرب الحدود مع سبين بولدك في قندهار، ويستخدم المزارعون نظام "الحوالة" لإرسال أرباحهم إلى عائلاتهم في أفغانستان.

وكشف مزارع من قيلا سيف الله أنه لم يقرر بعد ما إذا كان سيبيع الأفيون في جولستان أو سيبحث عن مشترين محليين، لكنه توقع أن التجار سيأتون مباشرة إلى الحقول لشراء المحصول، تمامًا كما كانوا يفعلون في أفغانستان.

موقف السلطات الباكستانية

لم تبادر الحكومة الباكستانية إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد زراعة الأفيون، بل سعت إلى تحصيل رِشى من المزارعين، ذكر أحد المزارعين أن المسؤولين المحليين حددوا مبالغ الرشوة مسبقًا، وأبلغوا زعماء المجتمعات المحلية بها.

وأكد مزارع آخر أن الشرطة الباكستانية تجمع رشى تتراوح بين 200 ألف و500 ألف روبية باكستانية (720-1790 دولارًا أمريكيًا) عن كل بئر زراعي، حسب حجم الأرض المزروعة بالخشخاش.

ورغم نجاح طالبان في تقليص زراعة الأفيون داخل أفغانستان، فإن الحظر لم يؤثر على كبار التجار والمهرّبين، الذين نقلوا نشاطهم إلى باكستان، وجد المزارعون الفقراء أنفسهم أمام خيارات محدودة، واضطر العديد منهم إلى المخاطرة بالهجرة إلى بلوشستان لكسب لقمة العيش.

ولا يزال الأفيون أكثر المحاصيل ربحية، ورغم ارتفاع تكاليف الهجرة واستئجار الأراضي ودفع الرشاوى، فإن المزارعين الأفغان يرون أن المخاطر في بلوشستان أقل من البقاء دون مصدر دخل في أفغانستان.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية