«إلغاء تجريم الإجهاض» بالمغرب.. حين يصبح الجسد معركة والقانون سلاحًا
«إلغاء تجريم الإجهاض» بالمغرب.. حين يصبح الجسد معركة والقانون سلاحًا
من حين إلى آخر، تثار في المغرب قضية "إلغاء تجريم الإجهاض"، الذي يخلق جدلاً، وتختلف حوله الآراء؛ في الأوساط الشعبية، والحقوقية، والسياسية المغربية، بين من يرفض الأمر في المطلق، ومن يرى أنه "يجب السماح به فقط في الحالات، التي حددتها اللجنة الاستشارية، التي كلفها الملك محمد السادس، في عام 2015، بالاشتغال على هذا الملف"، ومن يدعو إلى "جعله متاحاً بشكل قانوني لجميع النساء، شريطة أن يكون إراديّاً، وأن ويتم في ظروف صحية".
ونظم تحالف "ربيع الكرامة"، الذي يضم 30 جمعية نسائية وحقوقية مغربية، ويطالب بـ"إلغاء تجريم الإجهاض" في البلاد منذ عام 2010، ندوة يوم الجمعة (21 فبراير) في العاصمة الرباط، حذر فيها من أن "بقاء حظر الإجهاض سيتسبب في ارتفاع حالات الإجهاض غير القانوني، ما يهلك صحة المرأة المغربية"، داعياً إلى "جعله خدمة صحية عمومية، تُقدَّم لكل امرأة أرادتها".
وبحسب منظمة العفو الدولية، ففي ظل غياب بيانات رسمية، فإن الإحصائيات الوحيدة المتاحة بشأن الإجهاض في المغرب تعود لمنظمات غير حكومية، وأوردت المنظمة، في تقرير لها حول واقع الإجهاض في المغرب، نشر في 14 مايو 2024، أن تقديرات الجمعية المغربية لتنظيم الأسرة تشير إلى أن حالات الإجهاض في المغرب "تتراوح ما بين 700 و1000 عملية يوميّاً، و280 ألفاً و370 ألفاً سنويّاً".
وأورد تقرير منظمة العفو الدولية أن تقديرات الجمعية المغربية لتنظيم الأسرة تشير إلى أن "معدل الإجهاض في المغرب يتراوح ما بين 30 و40 حالة من كل 1000 امرأة تتراوح أعمارهن ما بين 15 و49 سنة، وأن 72% من حالات الإجهاض هذه كانت غير آمنة".
وأفادت المنظمة بأنه تجدر الإشارة على سبيل المقارنة إلى أن "معدل الإجهاض العالمي يقدر بما يتراوح بين 35 و44 لكل 1000 امرأة تتراوح أعمارهن ما بين 15 و49 سنة، وبين 29 و38 حالة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وبين 15 و20 حالة في أوروبا وأمريكا الشمالية".
أحمالٌ “غير مرغوبة”
قالت الحقوقية المغربية، فوزية ياسين، منسقة تحالف "ربيع الكرامة"، إن "العلاقات الجنسية الرضائية موجودة في المغرب"، وإن الحمل غير المرغوب فيه موجود في العالم بأسره، بما فيه المغرب، وإن كل امرأة، متزوجة أو غير متزوجة، لديها علاقة جنسية، يمكن أن تقع في حمل غير مرغوب فيه، حتى إذا كانت تستعمل وسائل منع الحمل.
وأضافت ياسين، في حديث مع "جسور بوست"، أنه في بعض المرات تحمل النساء ويحتفظن بالجنين، لكن في بعض المرات لا يكن راغبات بتاتاً نفسيّاً واجتماعيّاً في ذلك الحمل، وأنه في المغرب إذا كان الحمل غير المرغوب فيه في إطار الزواج، فإن العائلة تحاول أن تجد حلاًّ، لكن إذا كان خارج نطاق الزواج، فإن ذلك مصيبة بالنسبة للفتيات، اللائي يصبحن مشردات، مردفة أن الفتاة تصبح وحيدة، وتضطر إلى مغادرة دراستها إذا كانت طالبة، ويمكن أن تغادر بيت عائلتها، لأن هذه الأخيرة لا تقبل بذلك الوضع، وتغادر العمل، لأنها تصبح منبوذة مجتمعيّاً.
وتابعت ياسين، أن تحالف "ربيع الكرامة" يشتغل على هذا الموضوع، ويعرف معاناة الأمهات العازبات، والنساء المتزوجات، اللائي ليست لديهن رغبة في إنجاب أطفال في المطلق، أو اللائي ليست لديهن رغبة في إنجاب أطفال آخرين، ويتوجهن إلى الإجهاض السري، الذي يترك آثاراً على الصحة النفسية والجسدية للأم، وعلى صحة الأطفال الذين يولدون، لأن النساء الفقيرات يحاولن -بحسبها- القيام بالإجهاض عبر تناول أعشاب، وفي الغالب لا ينجح ذلك الإجهاض السري.
وأوضحت ياسين أن "النساء الثريات يسافرن إلى دول مسموح فيها بالإجهاض، ويقمن به هناك، ويرجعن بدون أن يعرف أحد ذلك، وأن النساء اللائي يتمتعن بوضعية مادية لا بأس بها، يذهبن إلى طبيب في المغرب، ويقمن بإجهاض سري مرتفع الثمن في مصحة، لكن النساء الفقيرات يذهبن -وفقها- إما إلى مشعوذ أو شخص ليست لديه المؤهلات، أو إلى مكان لا تتوفر فيه المعايير الصحية للعملية، ويخرجن بعاهات، أو مشكلات صحية وخيمة".
مطالَبةٌ بـ"عدم تجريم الإجهاض الصحي"
أفادت ياسين بأنه في سنة 2015، عندما كان هناك نقاش عمومي في المغرب حول هذا الموضوع، عيّن الملك محمد السادس لجنة مكونة من وزارة العدل، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، واستمعت لأطياف من المجتمع، وأن تحالف "ربيع الكرامة" تقدم بمذكرة أمام اللجنة، طالب فيها بألّا يبقى الإجهاض في القانون الجنائي، وأن يعالَج خارجه، ويُنقَل إلى مدونة الصحة، موضحة أنها تتحدث عن "الإجهاض"، لأن هذه التسمية موجودة في القانون الجنائي، لكنهم في تحالف "ربيع الكرامة" يسمونه "الإيقاف الطبي للحمل".
وأبرزت ياسين أن تحالف "ربيع الكرامة" طالب أيضاً في مذكرته بألا يبقى تجريم الإيقاف الطبي للحمل، الذي يكون إراديّاً وصحيّاً، وأن يجرم القانون الجنائي فقط إيقاف الحمل، أو الإجهاض، الذي يكون قسريّاً، أو عندما يكون في ظروف غير آمنة؛ أي يقوم به أفراد غير مؤهلين، أو يتم في ظروف لا تخضع للمعايير الصحية، وأنه يجب أن يصبح سياسة عمومية تقوم بها الدولة، وتراقبها، وتقدم هذه الخدمة للنساء اللائي يحتجن إليها واللائي لديهن الرغبة في إيقاف الحمل.
وبيَّنت ياسين أن الوقاية تأتي بالنسبة إليهم في المقام الأول، وأنها يجب أن تتم من خلال دمج التربية الجنسية في المدارس بكل مستوياتها، والأسر، والتلفزيون والأفلام، وكل ما هو عمومي، وأن التواصل العمومي يجب أن يتطرق إلى التربية الجنسية، ويقوم بالتحسيس والتوعية، حتى تكون العلاقة الجنسية، في حال حدوثها، مسؤولة، مردفة أن الحمل غير المرغوب فيه يجب أن يعتبر عنفاً ضد النساء، وأن يتم التطرق إليه في قانون محاربة العنف، وأن هناك دراسات بينت أن "الحمل غير المرغوب فيه غالباً ما يكون مقارناً بعنف جنسي ضد النساء".
وقالت ياسين، إن اللجنة الملكية المذكورة سمحت بأن يكون الإجهاض في 3 أو 4 حالات؛ زنا المحارم أو الاغتصاب، وإذا كانت المرأة الحامل تعاني من خلل عقلي، وإذا كان الجنين مصاباً بأمراض جينية خطيرة، أو تشوهات خلقية، وإذا كان الحمل خطراً على صحة المرأة، مبرزة أنهم يطالبون في تحالف "ربيع الكرامة" بأن يكون لدى النساء الحق في إيقاف الحمل إذا كان يشكل خطراً على صحتهن، ولكن بمفهوم الصحة، الذي تحدده منظمة الصحة العالمية، الذي يشمل -بحسبها- الصحة الجسدية، والعقلية، والاجتماعية، وأن تُأخَذ هذه الجوانب الثلاثة بعين الاعتبار.
إجراءات “مشددة جدّاً”
تابعت ياسين أن وزارة العدل أعدت مشروع قانون لتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي (مشروع القانون رقم 10.16)، ووضعت فيه تلك المقتضيات المتعلقة بالحالات، التي سيسمح فيها بالإجهاض، لكن "ربطتها -وفق ياسين- بإجراءات مشددة جدّاً"، و"أفرغتها من معناها"، موضحة: "مثلاً إذا تعرضت فتاة للاغتصاب، ووقعت في حالة حمل، يجب أن تضع شكاية لدى وكيل الملك، الذي سيقوم بالتحقيق، ليتأكد من صحة الشكاية، كم من الوقت سيستغرق هذا؟ يمكن أن تنجب ووكيل الملك لم يتحقق بعد من صحة الشكاية، وهذا كنا غير قابلين به".
وفي هذا الجانب، أوضحت ياسين أن مشروع قانون تغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي وصل حتى البرلمان، وظل فيه منذ سنة 2016 حتى سنة 2021، قبل أن يسحبه منه وزير العدل المغربي الحالي، عبد اللطيف وهبي، قصد تجويده، وأنه إلى حد الآن لا يوجد مشروع قانون جنائي آخر، وأن "الوزير يقول لهم إنه سيطرَح مشروع القانون الجنائي قريباً"، مبرزة أنهم بينما ينتظرون ذلك ترافعهم مستمر.
وفي ما يخص مراعاة الجانب الديني، أفادت ياسين بأنهم يقولون في تحالف "ربيع الكرامة" إن "هذه قضية ومشكلة صحية، وإن رجال الدين يقومون بعملهم، لكن كل ما يتعلق بصحة النساء يجب أن يعالج من الجانب الصحي؛ من طرف وزارة الصحة في مدونة الصحة، بعيداً عن الشريعة الإسلامية".
وقررت الحكومة المغربية، في أواخر عام 2021، سحب مشروع القانون رقم 10.16 المتعلق بتتميم وتغيير مجموعة القانون الجنائي من مجلس النواب، وذلك بعد إحالته على البرلمان في عام 2016، من قِبل حكومة عبد الإله بن كيران (يناير 2012- أبريل 2017) بقيادة حزب "العدالة والتنمية" (إسلامي)، إذ أثار جدلاً (مشروع القانون) داخل المؤسسة التشريعية، على مستوى مجموعة من النقاط، من بينها الفصل 8-256 المتعلق بـ"الإثراء غير المشروع"، ما حال دون مناقشته خلال ولاية الحكومة المذكورة، وكذلك خلال ولاية حكومة سعد الدين العثماني (أبريل 2017- أكتوبر 2021)، والتي كان يقودها أيضاً حزب "العدالة والتنمية".
وقال الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، مصطفى بيتاس، إن "قرار سحب المشروع جاء من أجل إتاحة الفرصة للبرلمان، لمناقشة المشروع بشكل شمولي وغير مجزأ، ولصعوبة مناقشة مشروع القانون بشكل منفصل".
مقترح قانون لـ"الإيقاف الطبي للحمل"
من جانبها، قالت عضوة المكتب السياسي لحزب "التقدم والاشتراكية" المغربي (يساري)، والنائبة البرلمانية السابقة عن الحزب نفسه، ثريا الصقلي، إنها قامت عندما كانت نائبة برلمانية (في مجلس النواب)، ما بين سنتي 2016 و2021، بالاشتغال على مقترح قانون يتعلق بـ"الإيقاف الطبي للحمل"، معتبرة أن تسمية "الإجهاض" ليست صالحة، لأن هذه مسألة مرتبطة بصحة نساءٍ وأسرٍ.
وأوضحت الصقلي، في حديث مع "جسور بوست"، أنها جمعت المقترحات، التي كانت هناك توصية حولها من طرف جلالة الملك محمد السادس في عام 2015، بعد استماع إلى عدد من الجهات والقطاعات الحكومية وجمعياتٍ وأحزاب سياسية، مردفة أن التوصية الملكية نصت على أن يكون تغيير القانون الجنائي في هذا المجال في حالات معينة، وهي السماح بالإجهاض في حالة الحمل الناتج عن الاغتصاب، أو الحمل الناتج عن زنا المحارم، أو في بعض الحالات الخطيرة المتعلقة بالتشوهات الجينية، وكذلك في حالة الأمراض، التي تشكل خطراً على حياة أو صحة الأم إذا اكتمل الحمل، وأيضاً الحمل عند امرأة مختلة عقليّاً، الذي قالت إنه يمكن أن يسمى "اغتصاباً".
تابعت الصقلي: "قمت بهذا العمل التشريعي، لكي يكون هناك مفهوم الإيقاف الطبي للحمل، يعني حماية صحة النساء والأسر، وليكون ذلك في إطار القوانين المتعلقة بالصحة، مثل القانون، الذي تمكنا من إصداره، المتعلق بالمساعدة الطبية على الإنجاب، أو القانون المتعلق بالتبرع بالأعضاء، أو حتى قانون التبرع بالدم، هذه قوانين اعتبرنا أنها يجب أن تخرج من القانون الجنائي، الذي يضع الإجهاض في خانة عامة تخص المس بالأخلاق، والذي يُجرِّم كل من يلجأ إليه، ويجرم كذلك المساعدين الطبيين، أو غير الطبيين، الذين ساعدوا تلك الحالة، لتحل وضعية أزمة حرجة في حياتها، يعني منطلقنا هو مقاربةُ صحة النساء والأسرة".
"لا تناقض" مع الشريعة
تعليقاً على وجهة النظر القائلة إن هذا الموضوع تجب معالجته انطلاقاً مما تنص عليه مقتضيات الشريعة الإسلامية، أفادت الصقلي بأنه "لا يوجد أي تناقض في هذا المجال، لأن العلماء قالوا -بحسبها- إن الحالات، التي يجب فيها الحفاظ طبيّاً على حياة وصحة الأم، تعد فوق أشياء أخرى مجتمعية"، مردفة: "هناك تماطل وتأخر في إصدار هذه القوانين والتغييرات، التي طالبنا بها في مجال الإيقاف الطبي للحمل، أنا ألحُّ على هذا التعبير، ليخرج الموضوع من فكرة أن الإجهاض يمس فقط بالأخلاق".
وبيَّنت الصقلي أن العلماء هم المكلفون بالمسائل الدينية، و"يعرفون ما هي الحالات والشروط المتعلقة بإيقاف الحمل"، وذلك بنصوص قالت إن "هناك نقاشاً حولها من طرف بعض العلماء، إذ هناك -وفقها- من هو منفتح جدّاً، وهناك من هو متعصب قليلاً في هذه المسائل"، مبرزة أن "هذا ليس هو الموضوع، بل الموضوع هو المجتمع والأطفال الذين يولدون غير مرغوبٍ فيهم، وتكون حياتهم مضرورة منذ البداية، وصحة الأم، حتى لو كانت متزوجة، وليست العازبة فقط، والقاصرات اللائي يغرر بهن، وهو شبه اغتصاب".
وختمت الصقلي تصريحاتها، لـ"جسور بوست"، بالقول إنه يمكن أن نرى الحلول المتماشية مع الإمكانيات العلمية والطبية، التي تطورت جدّاً، إلى درجة تسهل هذه المأمورية، وإن الإنسان يجب أن يبحث عن المصلحة الفضلى المتعلقة بصحة المواطنات والمواطنين والأطفال والأسر، وإن هذا القانون لا بد أن يصدر، ويجب أن يكون فيه انفتاح بدون تعصب، وإنه "لا يوجد تناقض مع المسألة الدينية".
ويحظر القانون الجنائي المغربي، بحسب منظمة العفو الدولية، الإجهاض ما لم يقم به طبيب، أو جراح، مرخص له بمزاولة المهنة، وما لم يُعَدّ ضروريّاً للحفاظ على صحة المرأة، أو حياتها، ويعاقب القانون على الإجهاض أو محاولة الإجهاض بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة، فضلاً عن عقوبات إضافية بالحبس، بموجب أحكام قانونية تجرم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج.
نقاش مركَّب وأشواط مهمة قُطِعت
من جهتها، قالت رئيسة منتدى "الزهراء للمرأة المغربية"، الذي يضم أزيد من 100 جمعية نسائية، بثينة قروري، إنهم يعتقدون أن النقاش حول الإجهاض هو نقاش مركب، يتداخل فيه الجانب الصحي والجانب الديني والجانب الحقوقي، وإن المملكة المغربية قطعت أشواطاً مهمة في التعاطي الموضوعي مع هذه الإشكالية، بما يحقق المصلحة العليا للمرأة والأسرة.
وأضافت قروري، في حديث مع "جسور بوست"، أنه تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الملك محمد السادس، بصفته أميراً للمؤمنين، سبق له أن كلف كلاًّ من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ووزارة العدل والحريات، بالإضافة إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بتنظيم استشارات موسعة حول إشكالية الإجهاض مع جميع الفاعلين المعنيين، وبلورة رأي موضوعي وحكيم، يعطي الأولوية لخدمة المصلحة العليا للأسرة والمواطنين، وأن هذه المقاربة التشاورية لقيت إشادة واسعة من طرف كل الفعاليات المعنية.
وتابعت قروري: "وقد أكدت هذه الاستشارات، على اختلافها، أن الأغلبية الساحقة تتجه إلى تجريم الإجهاض غير الشرعي، مع استثناء بعض حالاته من العقاب، لوجود مبررات قاهرة، وذلك لما تسببه من معاناة، ولما لها من آثار صحية ونفسية واجتماعية سيئة على المرأة والأسرة والجنين، بل والمجتمع".
وأردفت قروري أنه تم حصر هذه الحالات في ما يلي: أولاً، عندما يشكل الحمل خطراً على حياة الأم، أو على صحتها، ثانياً، في حالات الحمل الناتج عن اغتصاب أو زنا المحارم، ثالثاً، في حالات التشوهات الخلقية الخطيرة والأمراض الصعبة التي قد يصاب بها الجنين".
وأوضحت قروري أنه من هذا المنطلق، أصدر جلالة الملك تعليماته السامية إلى كل من وزير العدل والحريات، ووزير الصحة، قصد التنسيق بينهما، وإشراك الأطباء المختصين، من أجل بلورة خلاصات هذه المشاورات في مشروع مقتضيات قانونية، لإدراجها في مدونة القانون الجنائي، وعرضها على مسطرة المصادقة، وذلك في إطار احترام تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، والتحلي بفضائل الاجتهاد، وأن الحكومة السابقة قامت بالفعل بتضمين هذه المقاربة في مشروع القانون الجنائي، غير أن الحكومة الحالية قامت بسحبه من البرلمان، وأنهم في انتظار إحالته مرة أخرى إلى البرلمان.
حقوق المرأة وحق الجنين
أفادت قروري بأنهم في منتدى "الزهراء للمرأة المغربية" دَعوا دائماً إلى مقاربة موضوعية، تسعى إلى تحقيق التوازن بين حقوق المرأة والتأثيرات المحتملة للحمل عليها صحيّاً ونفسيّاً، وحق الجنين في الحياة، وبالتالي لا يمكن القول -بحسبها- بِمُطْلَقِ الحق للمرأة في إسقاط الجنين، دون أدنى ضوابط، لأن الأمر لا يتعلق بها فقط، بل بالحق في الحياة، وحرمة النفس البريئة، الذي هو حق مقدم على باقي الحقوق.
وختمت قروري تصريحاتها لـ"جسور بوست" بالقول إنهم من هذا المنطلق يؤيدون ما جاء في الاستشارة الملكية؛ من اعتبار أن الأصل في الإجهاض هو التجريم، وأن إباحته تبقى استثناءً في الحالات المذكورة، وإنهم يعتبرون أن القانون وحده لا يكفي للحد من هذه الظاهرة، وهو ما أكده جلالة الملك بحديثه عن "ضرورة التوعية، والوقاية، ونشر وتبسيط المعرفة العلمية والأخلاقية، التي لها علاقة بهذا الموضوع، لتحصين المجتمع من الأسباب، التي قد تؤدي إلى الإجهاض".
ومن جانبه، اعتبر الأمين العام الحالي لحزب "العدالة والتنمية" المغربي (إسلامي)، ورئيس الحكومة المغربية الأسبق، عبد الإله بنكيران، أن “الإجهاض قتل”.
وقال بنكيران في كلمة ألقاها في لقاء بالمجلس الإقليمي بالرباط يوم 10 مارس 2024 إنه وجد أننا "أسوأ من المشركين، لأن هؤلاء كانوا يتركون البنت تولد، وتصل إلى سن معينة، قبل وَأْدِهَا، بينما نحن نُدخِل ملقطاً ونُقطِّع الجنين جزءاً جزءاً!"، مردفاً: "هناك من الأجنة من بلغ عمره قبل إجهاضه 6 و7 أشهر، ويكون قد تشكل، أليس هؤلاء مجرمين؟!".
وتابع بنكيران أن المدافعين عن الإجهاض يقولون إن "المرأة حرة في جسدها"، مبرزاً أنها "ليست حرة في جسدها، ولا في جنينها، لأنه ليس جزءاً منها، بل هو مخلوق آخر، وإذا تُرِك فمن الراجح أنه سيولد".
“لا عودة لنقطة الصفر”
أما الأمين العام السابق لحزب "العدالة والتنمية" المغربي، ورئيس الحكومة المغربية السابقة، سعد الدين العثماني، فقد أفاد بأن موقف المغرب تجاه إباحة الإجهاض قد حُسِم بصفة نهائية، وأنه لا يمكن إعادة النقاش بخصوص هذا الموضوع إلى نقطة الصفر، بعدما تم تحقيق التوافق حوله.
وأبرز العثماني، في لقاء حزبي بالرباط في أواخر عام 2019 (كان وقتها رئيساً للحكومة)، أنه كان هناك حوار وطني حول موضوع الإجهاض، وأن الملك محمد السادس أقر توصياتِ لجنة خاصة أشرفت على الحوار، وأُدرجت (التوصيات) في مشروع القانون الجنائي".
وأوضح العثماني أن "البعض يحاولون إعادة النقاش حول موضوع الإجهاض إلى بدايته"، معتبراً أن "هذا ليس إيجابيّاً"، وأنه "لا يجب أن نتحلل مما اتفقنا عليه".