ماذا تحقق في المغرب بعد 14 عاماً على «حركة 20 فبراير 2011»؟

ماذا تحقق في المغرب بعد 14 عاماً على «حركة 20 فبراير 2011»؟
مظاهرة لشباب مغاربة خلال احتجاجات 20 فبراير

مرت 14 عاماً على احتجاجات حركة 20 فبراير 2011 في المغرب، التي جاءت في سياق ما يعرف بـ"الربيع العربي"، ورفعت مجموعة من المطالب، من بينها "الحرية، والعدالة، والديمقراطية، وإسقاط الفساد والاستبداد، وتعديل الدستور، وإرساء مَلكية برلمانية"، دون المطالبة بإسقاط النظام.

وتجاوب ملك البلاد، محمد السادس، بشكل إيجابي مع تلك المطالب، من خلال إقرار مجموعة من الإجراءات، أبرزها إعلان انتخابات تشريعية مبكرة، وتعديل الدستور، الذي حمل مستجدات مهمة، من ضمنها تكريس الإرادة الشعبية، عبر تنصيصه على أن الملك يختار رئيس الحكومة من الحزب، الذي يتصدر نتائج الانتخابات التشريعية، وتقليص سلطات الملك، مقابل توسيع صلاحيات رئيس الحكومة.

في هذا التقرير، يرصد "جسور بوست" ما تحقق في المغرب من إصلاحات في مختلف المجالات، خلال الـ14 عاماً الماضية، وكذلك المشاكل والتحديات المستمرة، والانتظارات، التي لا تزال قائمة، من خلال حوارات مع متخصصين مغاربة في مجالات حقوق الإنسان، والقانون، والتحليل السياسي والاستراتيجي.

تجاوب ذكي ودستور جديد

قال عميد كلية الحقوق وأستاذ القانون العام في جامعة عبدالمالك السعدي بطنجة تطوان (شمال المغرب)، محمد العمراني بوخبزة، إن حركة 20 فبراير جاءت في سياق معين سمي "الربيع العربي"، الذي يمكن القول، -بحسبه- إنه لم يكن ربيعاً بقدر ما كان خريفاً عربيّاً، لأن الأمور لم تتطور في اتجاه تحقيق الشعارات التي تم رفعها، مبرزاً أن المغرب كان لديه خصوصية؛ تتمثل في طبيعة النظام السياسي القائم، وطبيعة الشعارات، التي رفعت في احتجاجات 20 فبراير.

وأضاف بوخبزة، في حديث مع "جسور بوست"، أنه بعد 20 فبراير 2011، كان هناك تجاوب ذكي جدّاً في المغرب مع شعارات الربيع العربي، وأن أهم إنجاز كان هو اعتماد دستور جديد، أدخل المغرب في مرحلة جديدة على مستوى المؤسسات وشرعية السلطة، إذ أصبح هناك حديث قوي عن المنهجية الديمقراطية، واحترام صناديق الاقتراع.

انتظام الانتخابات ومحاربة الفساد

تابع بوخبزة أن الانتخابات توالت بشكل دوري ولم تتوقف، وأنه حتى في فترة انتشار فيروس "كوفيد-19" احتُرمت أجندة الانتخابات (الانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية، 8 سبتمبر 2021)، مردفاً أنه كانت هناك إقامة أو إرساء لمؤسسات أصبح لها دور مهم جدّاً في الحياة العامة، من قبيل مؤسسات الحكامة، والمجلس الأعلى للحسابات، وأن المغاربة أصبحوا يسمعون عن ملفات فساد وشخصيات تحال إلى القضاء، ومتابعة رؤساء جماعات، واعتقال وزراء، وغيرها من الأمور ذات الصلة، وبالتالي دخل المغرب في جو جديد، قوامه تخليق الحياة العامة، ومحاربة الفساد.

وأجرى المغرب منذ 20 فبراير 2011 إلى الآن 4 استحقاقات انتخابية؛ انتخابات تشريعية في 25 نوفمبر 2011، وانتخابات جماعية وجهوية في 4 سبتمبر 2015، وانتخابات تشريعية في 7 أكتوبر 2016، ثم انتخابات تشريعية وجماعية وجهوية في 8 سبتمبر 2021.

العدالة الاجتماعية والمجالية

أفاد بوخبزة بأن هذه المرحلة ارتبطت كثيراً بشعارين أساسيين، وهما العدالة الاجتماعية والمجالية، إذ تم اعتماد مجموعة من المخططات، أو برامج واستراتيجيات، غايتها تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية (أي بين المناطق)، وفق بوخبزة، الذي قال إنه تم في هذا الجانب فتح ورش الجهوية المتقدمة، الذي تُعلَّق عليه كثير من الرهانات رغم تأخره نوعاً ما على مستوى التنزيل.

أوضح بوخبزة أنه حدث تطور مهم على مستوى حقوق الإنسان، خاصة أن دستور 2011 دستور للحقوق والحريات، وتطورٌ نوعاً ما في القضاء، على مستوى استقلالية السلطة القضائية، التي عرفت ورشاً كبيراً جدّاً يخص فك الارتباط بين السلطتين القضائية والتنفيذية، كما تم تحيين مجموعة من النصوص القانونية، التي لها علاقة بالحقوق والحريات، إلى جانب ترسانة قانونية، من أجل التهيؤ لمناخ الأعمال، لدعم الاستثمار في المغرب، ومواجهة تحديات البطالة، إضافة إلى مشروع وصفه بوخبزة بالمهم جدّاً، وهو النموذج التنموي الجديد، الذي أبرز أنه وضع من أجل الارتقاء بالمغرب إلى مصاف الدول الصاعدة في أفق 2035، ما جعل المغرب يعيش، وفق المتحدث نفسه، حراكاً اجتماعيّاً وسياسيّاً مهمّاً جدّاً.

ريادة ومكاسب دبلوماسية 

بيَّن بوخبزة أن المغرب حقق خلال هذه الأعوام الـ14 ريادة على مستويات متعددة، خاصة بعد العودة إلى مؤسسات الاتحاد الإفريقي (2017)، وعلى المستوى الرياضي، من خلال رسم صورة جديدة للمغرب عالميّاً عن طريق كرة القدم، بعد وصول المنتخب المغربي إلى المربع الذهبي في كأس العالم قطر 2022، واختيار المغرب لاحتضان نهائيات كأس العالم 2030، بشراكة مع إسبانيا والبرتغال، فضلاً عن المستوى الخارجي، الذي حقق فيه المغرب -بحسب المتحدث ذاته- اختراقات مهمة تخص قضية الصحراء المغربية، خاصة مواقف الدول الكبرى التي دعمت الطرح المغربي؛ الولايات المتحدة الأمريكية، وإسبانيا، وفرنسا، وألمانيا، وكثير من الدول، وفتح قنصليات في تلك المنطقة، ما يعني أن المغرب عاش زخماً حقيقيّاً خلال هذه الأعوام.

في المقابل، أبرز بوخبزة أنه بدون شك اعترضت المغرب صعوبة خلال هذه المرحلة، موضحاً أن هناك بعض الملفات التي أثرت على صورة المغرب على مستوى حقوق الإنسان، خاصة تلك المتعلقة بمتابعة بعض الصحفيين بالقانون الجنائي، والنقاش حول مستوى التضخم، الذي أثر على مستوى المعيشة، وإن كان هذا الأمر عالميّاً وكونيّاً -بحسب بوخبزة- الذي أردف أنه رغم قيام الحكومة بالكثير من الإجراءات، للتخفيف من حدة التضخم، لم يكن هناك انعكاس على القدرة الشرائية والمعيش اليومي للمواطن.

وعود “لم تتحقق”

تابع بوخبزة أن بعض الوعود التي قُطعت لم تتحقق بالشكل المطلوب، وأن انتظارات المواطن المغربي ارتفع سقفها إلى مستويات أعلى، معتبراً ذلك أمراً طبيعيّاً بالنسبة لمجتمع يعرف حركية ودينامية كبيرتين، وأن منسوب البطالة ارتفع بشكل مخيف جدّاً، وهو أمر كانت الوعود الانتخابية ووعود الحكومة تقول إنها ستواجهه من خلال سياسات عمومية.

وختم بوخبزة تصريحاته لـ"جسور بوست" مبرزاً أن الحصيلة يمكن أن نقول إنها إيجابية بالمقارنة مع ما حدث في بعض الدول الأخرى التي عاشت "الربيع العربي"، وأن المغرب استطاع تدبير المرحلة بذكاء وحكمة كبيرين، من خلال تدبير الانتقال نحو عهد جديد في إطار دستور جديد، وخلق جو جديد سمح للبلاد بتحقيق الكثير من الأشياء، مستدركاً أنه في الوقت نفسه لا تزال هناك بعض التحديات المتعلقة بالبطالة والتشغيل بالأساس، إلى جانب وضعية حقوق الإنسان، خاصة حرية التعبير ومواجهتها لبعض الصعوبات، معتبراً أن هذا أخف أضراراً بالمقارنة مع ما عاشته كثير من دول "الربيع العربي".

إنجازات أقل من الانتظارات

من جانبه، قال المحلل السياسي المغربي، وأستاذ القانون الدستوري والفكر السياسي في جامعة القاضي عياض بمراكش، عبدالرحيم العلام، إنه كانت هناك انتظارات وطموح وتفاعل مؤسساتي رسمي، ورغبة شعب ومؤسسات، على رأسها المؤسسة الملكية، في أن يحدث تغيير على مستوى محاربة الفساد، ومن أجل الحريات، خاصة السياسية، والتقدم في مجال التربية والتعليم وغيرها من الأمور، وأن يكون الدستور متقدماً، لكن الذي حدث هو أن "سقف الانتظارات ربما كان أقوى مما تحقق، لأن المغرب لا يزال اليوم متأخراً بشكل كبير"، مبرزاً أن الحكومة الحالية قالت إنه "مع نهاية ولايتها، سيصل المغرب إلى المرتبة 60 عالميّاً في التعليم، لكن التراجع ازداد".

أضاف العلام، في حديث مع "جسور بوست"، أنه على مستوى الحريات، نرى أيضاً "ما يحدث لمجموعة من الصحفيين والصحفيات والحقوقيين الذين تم اعتقالهم، وبينهم صحفيون من الذين ساهموا في تطوير حركة 20 فبراير، وكانوا رموزاً لها".

وتابع العلام أنه على مستوى الفساد والرشوة، "ما زال المغرب يعاني من هذه المشاكل"، وأن ذلك "يظهر في التقارير الرسمية للمجلس الأعلى للحسابات، وهيئة الوقاية من الرشوة"، كما قال إن النموذج التنموي الجديد "بقي حبراً على ورق".

دستور متقدم وضمير إيجابي

في المقابل، أفاد العلام بأنه مع ذلك، لا يقولُ إن 20 فبراير أو تلك اللحظة لم يتحقق فيها شيء، موضحاً: "على الأقل ربحنا دستوراً، رغم المؤاخذات والملاحظات عليه، ولكن يبقى دستوراً متقدماً (...) وتشكَّل ضمير نفسي عند المواطنين والمواطنات، يفيد بأن هناك دائماً إمكانية للتغيير، وحتى بالنسبة للمؤسسات فقد أيقنَت أن المطالب الشعبية ليست دائماً فوضوية، أو غير معقولة، بالعكس، تَبيَّن أنه من الممكن أن يؤدي الاحتجاج إلى شيء إيجابي، ويمكن للتفاعل بين المؤسسات والاحتجاجات أن يجنب الدولة المطبات، هذا كله تحقق".

وأوضح العلام أن "الضمير النفسي، الذي كان عند المغاربة قبل 2011، كان سلبيّاً"، لأن المغرب عاش سنوات الرصاص، و"الاحتجاجات، التي أدت به إلى الطريق المسدود"، بينما اليوم تشكل ضمير نفسي مجتمعي يؤشر إلى إمكانية للتغيير، وأن المغاربة كلهم تفهَّموا أن مسار التغيير السياسي هو مسار مؤسساتي، لكن هذا لا يمنع أن "هناك أيضاً مساراً موازياً يتمثل في الحركات الاحتجاجية"، مبرزاً أن عدداً من المطالب الفئوية الاجتماعية انتعشت بعد 20 فبراير، وأن هذا كله من إيجابيات تلك اللحظة.

المطالبة بجودة الحقوق

بيَّن العلام أن المطالب في المغرب لم تعد تتعلق فقط بالحقوق في حد ذاتها، بل أصبحت حول جودة الحق، وأن المغاربة لم يعودوا يطلبون فقط أن يجدوا القطار أو النقل ليستقلوه، أو أن يجدوا فصلاً دراسيّاً أو مستشفى أو طبيباً، بل أصبحوا يريدون أن يأتي القطار في الموعد، ويصل في الموعد، وأن يكون مكيَّفاً، وأن تكون خدمات المستشفى جيدة، وأن المواطن لم يعد فقط يبحث لابنه عن مقعد في المدرسة، بل أصبح يريد أن يكون مضمون التعليم جيداً، وأن يكون الأستاذ في المستوى، والأمر نفسه على مستوى الحق في النقابات، والحق في العمل السياسي -بحسب العلام- الذي قال إن الحقوق أصبحت شيئاً طبيعيّاً، وإن المطالب الآن هي جودة الحقوق، وإن هذا كله من إيجابيات تلك اللحظة (20 فبراير).

وأكد العلام أنه من بين الإيجابيات أيضاً أن المغرب لا يزال في تفاعل، وأن ما حدث في 20 فبراير لم ينتهِ بعد، وأن البلاد لا تزال في خضم تلك اللحظة.

أبرز العلام أنه ما زالت هناك أشياء كثيرة ينبغي القيام بها، وأن القوانين التنظيمية، خاصة قانون الإضراب وقانون النقابات وعدداً من القوانين، ينبغي أن تواكب طموح أو روح دستور 2011، لا أن تنتمي إلى فترة ما قبله، متابعاً أنه على مستوى الحريات وحقوق الإنسان، تنبغي مراجعة كثير من الأمور التي عرفها المغرب، خاصة بعد سنة 2013، وأن يتم الرجوع إلى مرحلة 2011-2012 التي كان فيها المغرب بمؤسساته وشعبه يسير نحو التطور على مستوى التشريع والعدالة، خاصة العدالة المجالية، والتوزيع العادل للثروات.

"ضعف" التعليم

أردف العلام أن الورش الأهم، الذي ينبغي أن يعمل فيه المغرب بشكل كبير، ناهيك عن الصحة وغيرها، هو التعليم، مبيِّناً أن التعليم في المغرب "لا يزال في تراجع للأسف"، وأنه "لا توجد مؤشرات حقيقية على أنه يسير نحو الأفضل، بل إن كل المؤشرات تقول إن المغرب في تراجع، لأن السياسة الاستراتيجية للتعليم ضعيفة، وأن هذا ربما يتحمل الجميع مسؤوليته، لكن المسؤولين هم الأكثر تحملاً للمسؤولية".

من جهته، قال الخبير المغربي في مجال حقوق الإنسان، ومدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية، والرئيس السابق للمركز المغربي لحقوق الإنسان، خالد الشرقاوي السموني، إن النظام السياسي المغربي كان منفتحاً على جميع المطالب، واستوعب مطالب الاحتجاجات بكل أصنافها، سواء الاحتجاجات السياسية، أو احتجاجات المجتمع المدني، وإنه كان هناك رد فعل إيجابي في المغرب، عكس بعض الدول العربية الأخرى.

الدستور أطفأ الاحتقان

تابع السموني، في حديث مع "جسور بوست"، أنه كانت لدى المسؤولين المغاربة أذن صاغية تجاه جميع المطالب، ولذلك أعلن الملك محمد السادس في خطاب، عن التوجه نحو مراجعة الدستور، لأن هذا الأخير (الدستور) هو الذي ينظم العلاقات بين الحكومة والبرلمان، وبين الملك والبرلمان، وينص على الحقوق والحريات، ويعد وثيقة أساسية تشكل خارطة طريق لأي إصلاح سياسي في أية بلاد.

وأوضح السموني أن النظام المغربي كانت لديه جرأة، إذ جاء بتعديلات مهمة جدّاً في دستور 2011، كان المواطن المغربي يتطلع إليها، ولذلك حدث انفراج، ولم يعد هناك احتقان اجتماعي، مردفاً أنه كانت هناك قنوات حوار مع الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات؛ وضمنها الحقوقية بجميع أصنافها والنسائية وغيرها، ما أدى إلى خلق نوع من الثقة بين المواطنين والدولة -وفق السموني- الذي اعتبر هذا شيئاً مهمّاً جدّاً، لم يحدث مثلاً في تونس وليبيا ومصر وسوريا، وغيرها من الدول التي عرفت ثورات أدت إلى إسقاط أنظمة.

وأضاف السموني أن النظام المغربي ظل قويّاً وثابتاً، لأن هناك دولة، ومؤسسات تعمل في إطار الدستور، وتتجدد من حيث تركيبتها واختصاصاتها، وأن هناك دماءً جديدة، وحيوية في النظام المغربي، ما جنّبه الهزات التي عرفتها بعض الأنظمة العربية.

حقوق وحريات ومؤسسات

بيَّن السموني أن الدستور المغربي (2011) نص على مجموعة من الحقوق والحريات، ونص كذلك على مجموعة من المؤسسات، التي تتخصص في إرساء الحكامة، وتقوية منظومة حقوق الإنسان والشفافية، ومحاربة الفساد، مبرزاً أن هذه المؤسسات تشتغل، وأن المغاربة يتطلعون إلى مزيد من الإصلاحات، وإلى التنزيل السليم لمقتضيات الدستور.

أفاد السموني بأن هناك مقتضيات إيجابية، ومتقدمة جدّاً، لكن مع الأسف بعضها لم يُفعَّل بعد، ولم يحظَ بنوع من الجرأة السياسية، معتبراً ذلك شيئاً عاديّاً في أي نظام ديمقراطي في طور التطور، يعرف نكسات ونوعاً من التردد أو عدم الثقة، على مستوى إصلاحات عميقة وكبرى، وأن تفعيل تلك المتقضيات يتحقق مع الوقت، لأنه يحدث تغيير على مستوى العقلية والثقافات والنظامين الإداري والسياسي، والمنظومة الفكرية، ويأتي مسؤولون جدد.

وأضاف أن كل طرف يسعى إلى تنزيل وتفعيل الدستور والقانون، من أجل تقوية منظومة حقوق الإنسان، وتحقيق التقدم والرفاه الاقتصادي، والمساواة بين الرجل والمرأة في المغرب، مؤكداً على ضرورة المزيد من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، لكي يكون المغرب في مصاف الدول المتقدمة، التي تتبنى نظاماً سياسيّاً ديمقراطيّاً، فيه المساواة وكرامة الإنسان والمحاسبة والشفافية.

دستور الحقوق والحريات

قال الناشط الحقوقي المغربي، وعضو اللجنة التنفيذية للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، والرئيس السابق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، بوبكر لاركَُو، متحدثاً عن أهم ما تحقق في المغرب بعد احتجاجات 20 فبراير، إن أول شيء هو دستور 2011، الذي وصفه بأنه دستور الحقوق والحريات، ونفذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في مجملها، وأنه هو الأساس الذي يمكن الانطلاق منه بالنسبة لما هو حقوقي وديمقراطي، وأنه جاء بكثير من الأشياء الجديدة، معتبراً أن هذه النتائج مهمة، رغم بعض الانتقادات.

وهيئة الإنصاف والمصالحة أنشأها الملك محمد السادس، في عام 2004، لتصفية ملفات انتهاكات حقوق الإنسان، التي عرفها المغرب ما بين سنتي 1956 و1999، وكشف الحقيقة وتعويض الضحايا وإصدار توصيات لتفادي تكرار الانتهاكات.

أضاف لاركَو، في حديث مع "جسور بوست"، أن هناك "إشكالاً على مستوى تفعيل هذه المقتضيات الدستورية"، موضحاً: "نعم استطعنا أن نُقِيم الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، والمؤسسات الوطنية تمت إعادة النظر في أنظمتها، لتكون أكثر استقلالية، ومنها المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومجلس المنافسة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، كل هذه المؤسسات عرفت تطوراً ونقلة نوعية، وأيضاً بعض القوانين التنظيمية، وتفعيل اللغة الأمازيغية، ولكن نجد أن بعض القضايا التي تمس المواطن ما زالت لم تتحقق، من بينها تلك التي نتداول فيها منذ 10 سنوات، المتعلقة بالقانون الجنائي، لأنه هو المؤسِّس".

وتابع لاركَُو: "نحن أمام تظاهرة كونية في 2030 (كأس العالم)، ونبحث عن حلول لما يمكن أن يقع، في حين أنه لو جددنا وأحيينا القانون الجنائي، انطلاقاً من المقتضيات الدستورية، والاتفاقيات والعهود الدولية، التي صادق عليها المغرب، وتم نشرها في الجريدة الرسمية، وأيضاً ما جاءت به الخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكنا في حِلٍّ من هذا النقاش، الذي لم نستطع إلى حد الآن أن نخرج منه، حيث إن هذه القوانين تتراوح ما بين مجلس النواب والأمانة العامة للحكومة".

ملاءمة قوانين الحريات العامة

أردف لاركَُو أن "هناك أيضاً إشكالية أساسية تتمثل في أن المغرب لم يستطع أن يلائم قوانينه التي تهم الحريات العامة، خاصة حرية التجمع والتظاهر والجمعيات، وأن هذه القوانين تجب مراجعتها، لتتلاءم أولاً مع الدستور، وأيضاً مع الاتفاقيات الدولية والتوصيات التي توصي بها الاتفاقيات التعاقدية، والاستعراض الدوري الشامل، ولجنة الحقوق المدنية والسياسية".

وأبرز لاركَُو أن "هذه بعض الأشياء، التي يجب أن يسير فيها المغرب في أسرع وقت ممكن، لأنه أضاع الكثير من الزمن التشريعي"، موضحاً أنه "مرت نحو 15 سنة على احتجاجات 20 فبراير 2011، وأن إضاعة الكثير من الزمن التشريعي لا يرجع فقط إلى الدولة، ولكن أيضاً إلى الفاعل السياسي في مجال حقوق الإنسان، الذي لا يقوم -وفق لاركَُو- بالواجب، الذي يجب أن يقوم به في هذا المجال، وأن من يقود الحركية الحقوقية هو المجتمع المدني والحركة الحقوقية، وأن القوانين المتبقية ستحقق الكثير للبلاد، ومواطناتها ومواطنيها".

إشكالية في التعليم

بيَّن لاركَو أنه بالنسبة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لا يمكن أن ننكر أن هناك تطوراً اقتصاديّاً في المغرب، خاصة في الصناعة، وأيضاً في الفلاحة، رغم أن المغرب عرف خلال هذه الفترة سنواتِ جفافٍ، لكنه أبرز في المقابل أن "هناك إشكالية في مجال التعليم، تحديداً في جودته، وليس في تعميمه"، موضحاً أن "جودته ينقصها الكثير، ليس فقط على مستوى البرامج، ولكن أيضاً في ما يخص الموارد البشرية، التي نجد أنها -بحسب لاركَُو- لا تؤدي دورها، لأنها لم تتلقَ التكوين والتدريب الْمُلْزَمَ لكل أستاذ وأستاذة"، معتبراً أن "فاقد الشيء لا يعطيه، وأن هناك تحولاً في المجتمع، إذ يريد أن يعمل قليلاً، ويتقاضى أجوراً عالية، وأن العطاء اضْمَحَلَّ في كثير من المجالات".

وبالنسبة للجانب الصحي، قال لاركَُو إنه "لم يتم إلى حد الآن تقييم أين وصل المغرب في تعميم التغطية الصحية، وأن هناك فئات لم تشملها هذه التغطية الصحية، تعد بالملايين، وأن هناك مجهوداً في ما يخص تعميم الحماية الاجتماعية، لكن نجد أنها أيضاً ما زالت لم تراوح مكانها، لأن هناك تذبذباً في التطبيق، ويتم التجريب فقط".

وتنفيذاً لتعليمات ملك المغرب، محمد السادس، انطلق في المملكة، بداية من شهر ديسمبر 2022، تعميم التغطية الصحية، وهو مشروع ملكي يهدف إلى تمكين المغاربة بكل فئاتهم، من نظام موحد للتأمين الإجباري الأساسي عن المرض، ليستفيدوا من خدمة صحية لائقة تغطي العلاج والأدوية والاستشفاء، بنفس شروط السداد، التي يستفيد منها موظفو القطاعين العام والخاص في جميع المؤسسات الصحية العمومية والخاصة، بينما ستتحمل الدولة مصاريف الاشتراك في التغطية الصحية الإجبارية بالنسبة للمغاربة غير القادرين على دفع واجبات الاشتراك.

ويأتي تعميم التغطية الصحية في إطار التغطية الاجتماعية، بميزانية قدرها نحو 51 مليار درهم، مخصصة لتعميم التأمين الإجباري عن المرض، والإعانات الاجتماعية، وتوسيع دائرة المستفيدين من المعاش والتقاعد، والتعويض عن فقدان الشغل.

التخلص من مدن الصفيح

تابع لاركَُو أنه لا يمكن أن ننكر أن السكن الاجتماعي لعب دوراً كبيراً، لأن أغلب المدن المغربية لم تعد فيها أحياء الصفيح، كما كان الوضع في السابق، ولكن "هناك إشكاليات تخص ربط الأحياء الجديدة بالنقل أساساً، وأيضاً بالصرف الصحي".

في ما يخص الأجور، أفاد لاركَُو بأن "النقابات تطالب بالسلم المتحرك للأجور، لأن هناك غلاء في الأسعار، وأن المجهودات التي قامت بها الحكومة على مستوى الزيادة في الأجور، ليست كافية لسد الفجوة بين الأجر والأسعار الموجودة".

كما تحدث لاركَُو عن الجانب الثقافي، الذي قال إنه "لا يعطَى أهمية كبيرة"، موضحاً أن "الميزانية المخصصة لوزارة الثقافة ضعيفة جدّاً، وأن هناك تحولاً رقميّاً، ولا بد من الرجوع أيضاً إلى الكتاب، لأنه هو الأساس، وأن هناك دولاً سبقت المغرب في التحول الرقمي، والارتباط بالشبكات العنكبوتية، لكن بعد تمددها وأخذها لعقول الناس، ترجع الآن (تلك الدول) إلى الكتب، لأنها هي الدائمة، وهي التي تعلم الأجيال، وأن هذا الرجوع يحدث -بحسبه- في الدول الاسكندنافية".

تحديات تواجه المرأة

في ما يتعلق بحقوق المرأة، أوضح لاركَُو أن المغرب "لا يزال يعاني من العنف ضد المرأة، كباقي دول العالم، وأنه من بين دول العالم التي لم تصادق على اتفاقية إسطنبول، ولم يفعلها، رغم أنه صادق على مجموعة من الاتفاقيات التابعة للاتحاد الأوروبي، وأن هناك كذلك تحديات تخص حقوق الطفل".

كما سلط لاركَُو الضوء على "مشكل المساواة، الذي اعتبره إشكالية حقيقية، لأن هناك عقبة المعتقد، وهضم حقوق المرأة، رغم أن نسبتها أكثر من الرجال على مستوى عدد السكان، وأيضاً في الجامعة، وفي التعليم الثانوي والتأهيلي، ورغم أنها متفوقة وتبوأت مكانة مهمة جدّاً وسط أطر الدولة، في التعليم والصحة وغيرهما من المجالات، إذ تمثل النساء -بحسبه- ما بين 40 و47% من الأطر".

وأفاد لاركَو بأن هناك أيضاً "إشكالية مدونة الأسرة"، مبرزاً أنه "على الرغم من وجود مؤشرات على أنها ستعرف مستجدّاً، ولكن ليس كما يريد الحقوقيون والحقوقيات، وليس كما صادق المغرب على الاتفاقيات".

وشرع المغرب، منذ أواخر عام 2023، في تعديل مدونة الأسرة، بعدما وجه ملك المغرب، محمد السادس، في 26 سبتمبر 2023، رسالة إلى رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة المغربية الحالية، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2004، ورفع مقترحات التعديلات إلى الملك في أجل أقصاه 6 أشهر، قبل إعداد الحكومة مشروع قانون في هذا الشأن، وعرضه على مصادقة البرلمان.

وختم لاركَُو تصريحاته، قائلاً: "لا نعطي لهذه المرأة ما تستحق، رغم أنها أصبحت، كما جاء في الإحصاء الأخير، تدبر الأسر، ولم يعد الرجل فقط من يدبرها، ما يعطينا دفعاً لتكون لدينا مدونة أسرة تنصف المرأة"، مردفاً أن "الأحزاب لا تريد المناصفة في ما يخص المشاركة السياسية للنساء، وأن الإشكال يكمن في أننا نتحدث عن ضرورة المناصفة، ولكن لا نعمل بها".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية