الرياضة كمنبر سياسي.. ما تكلفة الوقوف مع فلسطين في عالم الاحتراف؟
الرياضة كمنبر سياسي.. ما تكلفة الوقوف مع فلسطين في عالم الاحتراف؟
كانت الرياضة ولا تزال من كبريات المنصات التي يتفاعل معها الملايين حول العالم، وعلى مر العصور، استُخدمت الرياضة -ليست أداة ترفيهية وحسب- بل وسيلة للتأثير في القيم الاجتماعية والإنسانية.
وخلال السنوات الأخيرة، أظهر العديد من الرياضيين من مختلف أنحاء العالم مواقف شجاعة في مواجهة القضايا السياسية والاجتماعية، سواء كانت تلك القضايا تتعلق بحقوق الإنسان أو بالتحريض على العدالة والمساواة.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك موقف اللاعب الجزائري يوسف عطال، الذي اتخذ خطوة جريئة في أكتوبر 2023 عندما أعلن دعمه لفلسطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في وقت كان فيه قطاع غزة يشهد تصعيدًا عسكريًا.
ولم يكن يوسف عطال المثال الوحيد على ذلك، فهناك العديد من الرياضيين الذين قرروا التعبير عن مواقفهم السياسية وإنسانية رغم التحديات التي قد يواجهونها.
ويستعرض “جسور بوست” مواقف مشابهة لرياضيين آخرين حول العالم، بالإضافة إلى تأثير تلك المواقف على حياتهم المهنية والشخصية.
رياضيون دعموا فلسطين
ازدادت في السنوات الأخيرة، نسبة الرياضيين الذين يرفعون راية القضية الفلسطينية، ما يعكس تحولًا في كيفية استخدام منصات الرياضة لدعم القضايا الإنسانية.
ووفقًا لدراسة أصدرتها “المؤسسة العربية لحقوق الإنسان”، تبين أن 58% من الرياضيين في الدول العربية يعبرون عن دعمهم لفلسطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو في فعاليات رياضية.
أما في الدول الغربية، فقد أظهر تقرير “الشبكة الدولية لحقوق الإنسان” أن أكثر من 45% من الرياضيين، خاصة في أوروبا وأمريكا، بدؤوا يتبنون مواقف سياسية علنية تتعلق بالقضية الفلسطينية. وهذه النسبة تشير إلى تزايد الوعي السياسي بين الرياضيين.
وهناك العديد من الأمثلة المضيئة في هذا المجال، فعلى سبيل المثال، في عام 2021، عُقدت العديد من البطولات الرياضية التي شهدت تصريحات تضامنية مع فلسطين من قبل اللاعبين.
وفي نهائيات دوري أبطال أوروبا، ارتدى العديد من اللاعبين شارات مكتوبًا عليها "فلسطين حرة" خلال المباريات الكبرى.
عطال.. لاعب أصر على موقفه
في عام 2023، اختار يوسف عطال، لاعب المنتخب الجزائري ونادي السد القطري، أن يقف بكل شجاعة بجانب فلسطين، بعد نشره رسالة عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي تضامنًا مع الشعب الفلسطيني في ظل التصعيد العسكري في غزة.
وتعرض عطال لانتقادات واسعة من بعض وسائل الإعلام الفرنسية، إضافة إلى ضغوط من جماهير وفرق معينة، لكن عطال، الذي كان قد انتقل إلى نادي السد القطري بعد فترة قصيرة من حكم قضائي في فرنسا، رفض الاعتذار أو التراجع عن مواقفه.
الحكم الذي صدر بحقه من محكمة فرنسية في يناير 2023، يقضي بسجنه لمدة 8 أشهر مع وقف التنفيذ وغرامة مالية قدرها 45 ألف يورو، أثار جدلًا واسعًا، وأدى إلى تداعيات كبيرة في مسيرته الرياضية.
ورغم ذلك، لم يتراجع عطال عن دعمه لفلسطين، بل ظل يؤكد في تصريحات صحفية أنه لا يحمل أي نية ضد اليهود أو أي شعب آخر، بل كان مجرد تعبير إنساني عن رفضه لما يحدث في غزة.
ولم تقتصر الحملة ضد عطال على وسائل الإعلام، بل امتدت إلى الأندية التي لعب لها في الماضي، وفي هذا السياق، أفادت تقارير إعلامية بأن نادي نيس الفرنسي قد اضطر للتخلي عن خدمات عطال بعدما تصاعدت الضغوط عليه من اللوبيات المختلفة، بما في ذلك ضغط سياسي من بعض الجهات.
تشكيل الرأي العام
تعد الرياضة في العصر الحالي أداة إعلامية قوية تستخدمها الجهات المختلفة للتأثير على الرأي العام.
وباتت وسائل التواصل الاجتماعي، على وجه الخصوص، ساحة مفتوحة لكل من يريد أن يعبر عن موقفه، سواء كان ذلك من خلال تغريدات أو منشورات على منصات مثل تويتر وإنستغرام.
وساعدت هذه المنصات الرياضيين على التعبير عن مواقفهم السياسية والاجتماعية بحرية أكبر، ما جعلهم يتحملون مسؤولية كبرى في نقل الرسائل الإنسانية المهمة.
ويعد دعم يوسف عطال لفلسطين عبر إنستغرام وسيلة مثالية لمتابعيه البالغ عددهم أكثر من 4 مليون شخص، وهو ما يبرز التأثير الكبير الذي يملكه الرياضيون على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأظهرت دراسة أجرتها “منظمة حقوق الإنسان في الرياضة”، أن 70% من الرياضيين الذين عبّروا عن مواقف سياسية عبر وسائل التواصل الاجتماعي واجهوا ضغوطًا أو هجومًا إعلاميًا، ما يؤكد أن تأثير هذه المنصات لا يقتصر فقط على تعزيز النقاش، بل يمتد إلى تكوين رأي عام قد ينعكس على حياة اللاعبين.
دعم الرياضيين لفلسطين
يوسف عطال ليس الوحيد الذي استخدم منصته في دعم فلسطين. هناك العديد من الأسماء اللامعة التي عبرت عن موقفها بشكل واضح.
على سبيل المثال، محمد صلاح، نجم المنتخب المصري ونادي ليفربول الإنجليزي، كان أحد أبرز الرياضيين الذين وقفوا بقوة في دعم فلسطين في أكثر من مناسبة، وقام صلاح بنشر رسائل على حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي تدعم الفلسطينيين.
ووفقًا لاستطلاع أجرته “وكالة أسوشيتد برس”، فإن 64% من الجمهور العربي يرون أن محمد صلاح كان له دور كبير في نشر الوعي بقضية فلسطين في العالم الرياضي.
رياض محرز.. التضامن الجزائري
رياض محرز، لاعب المنتخب الجزائري، هو الآخر كان قد رفع علم فلسطين في إحدى المباريات الكبرى، ما أثار موجة من الإعجاب بين مشجعيه.
وفي تصريحات تليفزيونية، قال محرز إنه لا يستطيع الوقوف مكتوف اليدين أمام ما يحدث في غزة، وكان هذا التصريح بمنزلة دعوة مفتوحة لبقية الرياضيين للتعبير عن آرائهم.
وفي وقت سابق، نشر كاليدو كوليبالي صورة لعلم فلسطين على حسابه في إنستغرام دعمًا للشعب الفلسطيني.
وعبر كوليبالي الذي كان يلعب في صفوف نادي تشيلسي الإنجليزي، قبل انتقاله لنادي الهلال السغودي، في عدة مناسبات عن رفضه للظلم بكافة أشكاله، واختار أن يظهر تضامنه مع الفلسطينيين في وقت كان فيه العنف الإسرائيلي يتصاعد في غزة.
كارلوس تيفيز
اللاعب الأرجنتيني كارلوس تيفيز أبدى دعمه لفلسطين في 2014 عبر نشره لصور تضامنية على وسائل التواصل الاجتماعي.
ورغم حملات الانتقاد التي تعرض لها من قبل الإعلام الغربي، فإن تيفيز ظل متمسكًا بموقفه، ما جعل منه رمزًا للتضامن مع قضايا حقوق الإنسان في الرياضة.
منبر للتغيير الاجتماعي
تلعب الرياضة دورًا مهمًا في تغيير الواقع الاجتماعي والسياسي. مع زيادة الوعي الاجتماعي بين الرياضيين حول قدرتهم على التأثير في المجتمع، بدؤوا في استخدام منصاتهم لتسليط الضوء على قضايا العدالة والمساواة.
وفي دراسة أجراها “مركز الدراسات الرياضية الدولية”، تبين أن 78% من الجمهور العربي يعترفون بأن مواقف الرياضيين تجاه قضايا حقوق الإنسان يمكن أن تسهم في تغيير مفاهيمهم حول تلك القضايا.
ومن خلال مواقفهم التضامنية مع فلسطين، يعكس هؤلاء الرياضيون أن الرياضة هي أكثر من مجرد تنافس على البطولات، بل هي مساحة للحديث عن القضايا الإنسانية الكبرى.
ويشير التضامن مع فلسطين إلى استشعار هؤلاء الرياضيين المسؤولية تجاه القضايا العالمية التي تتعلق بحقوق الإنسان.
تأثر مسيرة الرياضيين بسبب مواقفهم
أثرت المواقف الإنسانية في مسيرة الرياضيين بشكل ملحوظ، فقد يتعرض الرياضيون الذين يتخذون مواقف سياسية إلى حملات هجومية من الإعلام أو من أنديتهم، ما قد يؤثر في مسيرتهم المهنية.
وفي حالة يوسف عطال، تم استبعاده من نادي نيس الفرنسي بعدما تصاعدت الضغوط عليه بسبب دعمه لفلسطين، وهو ما يعكس التأثير المباشر للمواقف السياسية على مسيرة الرياضيين.
ورغم ذلك، فقد أظهر اللاعبون مثل عطال أن المواقف الإنسانية تظل أكبر من أي اعتبارات رياضية أو تجارية.
وأثبت الرياضيون الذين قرروا الوقوف بجانب القضايا الإنسانية، مثل يوسف عطال، أن منصاتهم الرياضية يمكن أن تكون وسيلة قوية لتحقيق التغيير، والإسهام في تحقيق العدالة.