قبور بلا أسماء.. صرخات صامتة للمهاجرين المجهولين على السواحل التونسية
قبور بلا أسماء.. صرخات صامتة للمهاجرين المجهولين على السواحل التونسية
على امتداد الشريط الساحلي التونسي، حيث تتلاطم أمواج البحر الأبيض المتوسط بشواطئ رملية تشهد على أحلام محطمة، تتكشف فصول مأساة إنسانية.
هنا، في هذا الملتقى الأزلي بين الأرض والبحر، يلفظ الموج بين وقت وآخر أجساداً أنهكها عبور مميت، أرواحاً تاقت إلى حياة جديدة لكن القدر كتب لها نهاية مُبهمة في ديار الغربة.
إنهم المهاجرون غير النظاميين، ضحايا يأس دفعهم إلى خوض غمار رحلة محفوفة بالمخاطر، لتستقر بهم الحال في قبور مجهولة الهوية، بعيداً عن أوطانهم وأحبائهم.
في مدينة جرجيس، الجنوبية التي أصبحت نقطة ارتكاز لهذه المأساة الصامتة، يَبرُز مشهدٌ مؤثرٌ يختزل حجم الفاجعة، "مقبرة الغرباء" هكذا أطلقوا على تلك المساحة الشاسعة التي تحوي أجساد المهاجرين غير النظاميين، لم تكن هذه الأرض الهادئة، التي تستقبل رفات من لفظهم البحر، مُعدة في الأصل لهذا الدور المأساوي.
رمضان بن عمر، الناشط الحقوقي والمهتم بملف الهجرة، يحكي لـ"جسور بوست" كيف بدأت القصة بصورة مؤلمة انتشرت كالنار في الهشيم، صور لجثث مهاجرين تُدفن بشكل جماعي وعشوائي في مقبرة قديمة مُهملة، كانت في السابق تُستخدم مكباً للنفايات.
وسط هذا المشهد اللاإنساني، بزغ نور إنساني تمثل في مبادرة فردية قام بها البحار شمس الدين مرزوق، الذي استشعر فظاعة الوضع وقرر أن يتولى دفن هؤلاء المجهولين بكرامة، كأقل ما يمكن تقديمه لروح إنسان.
لاحقاً، وفي محاولة لإضفاء طابع رسمي وإنساني على هذا الأمر، وبمبادرة من فنان جزائري تأثر بالمأساة، وبالتعاون مع فرع الهلال الأحمر التونسي في جرجيس، تم تأسيس "مقبرة حدائق إفريقيا".
سُميت كذلك تيمُّناً بأصول أغلب الضحايا، وأُنشئت لتكون مأوى لائقاً لهذه الأرواح التي لم تُمهلها الحياة لتحقيق أحلامها.
في تلك الفترة، لوحظ تحرك على المستوى الرسمي، حيث تعهدت السلطات التونسية بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر لإطلاق مجموعة من الإجراءات تهدف إلى التعرف على هويات الضحايا قبل دفنهم، كخطوة أولى نحو حفظ كرامتهم وحقوق عائلاتهم.
وشملت هذه الوعود تكوين فرق من الأطباء الشرعيين وتجهيز بعض المرافق الصحية، مثل مستشفى قابس، بالمعدات اللازمة لأخذ عينات الحمض النووي (DNA) بهدف التعرف على هويات الضحايا.
لكن، سرعان ما تبددت الآمال وتلاشت الوعود على صخرة الواقع المرير، وكشفت فاجعة غرق مركب كان يقل مهاجرين قبالة سواحل جرجيس في نهاية شهر سبتمبر من عام 2022 عن قصور مُفجع في هذه الإجراءات المعلنة.
حينها، فوجئ أهالي المنطقة إلى أنه تم دفن ثلاث جثث تعود لأبنائهم، الذين كانوا ضمن ضحايا تلك الرحلة المشؤومة، ضمن قبور المهاجرين المجهولين.
وأثار هذا الاكتشاف الصادم موجة من الغضب والاستياء، ووضع علامات استفهام كبيرة حول مدى جدية السلطات التونسية في تطبيق آليات التعرف على الهويات وحفظ كرامة الضحايا وعائلاتهم.

تحديات تعيق فك لغز الهويات
ورغم التطورات العلمية الهائلة في مجال تحليل الحمض النووي، الذي يُعدّ بصيص الأمل الأخير في الكشف عن هويات الغرقى المجهولين، لا يزال هذا المسار يواجه سلسلة من التحديات والعقبات المتجددة.
ومن النقص في قواعد البيانات الشاملة إلى التعقيدات اللوجستية والقيود الدبلوماسية، تتضافر هذه العوامل لتُبقي مهمة إعادة اسم وهوية أصحاب هذه الرفات رحلة شاقة ومُعقدة، غالبًا ما تنتهي بخيبة أمل لعائلات تنتظر بفارغ الصبر أي خيط يقودهم إلى أحبائهم المفقودين.
وتكشف دارين السهيلي، رئيسة الهيئة المحلية للهلال الأحمر بعين دراهم والمنسقة الجهوية للهيئة، عن سلسلة من التحديات الجسيمة التي تواجه عملهم الإنساني في التعامل مع ملف المهاجرين غير النظاميين، وخاصة في الجانب المتعلق بانتشال الجثث وتحديد هويات أصحابها.
وتشير إلى أن دور الهلال الأحمر لا يقتصر على الاستقبال الأولي للجثث المنتشلة وتقديم الإغاثة العاجلة، بل يمتد ليشمل محاولات إعادة الروابط العائلية للمهاجرين المفقودين، وذلك في إطار مشروع مشترك مع اللجنة الدولية للهلال والصليب الأحمر.
توضح السهيلي، قائلة "نرصد بدقة مسارات دخول المهاجرين الأفارقة إلى الأراضي التونسية وطرق تعامل الأجهزة الأمنية معهم، لكننا غالباً ما نصطدم بحائط سد منيع عندما يتعلق الأمر بتحديد هوياتهم، فهم في الغالب يدخلون البلاد بطرق غير نظامية وبدون أي وثائق تعريفية، بل إن بعضهم يدعي الانتماء إلى دول لا يوجد لها تمثيل قنصلي أو دبلوماسي في تونس، ما يزيد من تعقيد عملية التتبع والتحقق من هوياتهم".
وتشير إلى أن موجة دخول المهاجرين عبر الحدود التونسية الجزائرية تصاعدت بشكل ملحوظ منذ أكتوبر 2020، وفي تلك الفترة، كان يتم توقيف هؤلاء المهاجرين لإخضاعهم لإجراءات الحجر الصحي الاحترازية، حيث تولى الهلال الأحمر مسؤولية توفير الاحتياجات الأساسية من مأكل وملبس وخيام إيواء مؤقتة.
وتضيف: بعد انقضاء فترة الحجر كان يتم تحويلهم إلى السلطات الأمنية المختصة، ومن ثم إلى شرطة الحدود، حيث يتم التعامل مع حالاتهم إما بتقديم طلبات لجوء أو باتخاذ إجراءات الترحيل لمن لا يستوفون شروط الإقامة.
وفي ما يتعلق بالتعامل مع الجثث، تؤكد السهيلي أن الطب الشرعي التونسي يتولى مهمة تحليل الحمض النووي (DNA) تحت إشراف مباشر من وزارة الصحة وبالتنسيق الكامل مع النيابة العمومية، "لكن العقبة تكمن في غياب أي تنسيق فعال أو قنوات اتصال واضحة مع الدول الأصلية لهؤلاء الضحايا، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى غياب التمثيل الدبلوماسي لتلك الدول في تونس، هذا الغياب الفعلي للتواصل يعوق بشكل كبير عملية تحديد الهويات أو حتى التفكير في إعادة الجثامين إلى أوطانها".
وتضيف: "من الناحية النظرية، توجد قاعدة بيانات مركزية لدى وزارة الصحة يُفترض أنها تحتفظ بنتائج تحاليل الحمض النووي للجثث المجهولة، لكن في الواقع، تظل هذه الجثث حبيسة ثلاجات المستشفيات لفترات زمنية طويلة جداً، قد تصل إلى عدة أشهر، دون أن تتبلور أي جهة مختصة تتولى مسؤولية الدفن اللائق أو حتى التفكير في ترحيل الرفات في حال تم التعرف على الهوية لاحقاً".
وتكشف السهيلي عن حالة مؤلمة تجسد هذا الإهمال، حيث بقيت إحدى الجثث في مستشفى بولاية جندوبة لما يقارب العام الكامل دون أن يُتخذ أي إجراء بشأنها، على الرغم من تواصل الهلال الأحمر المستمر مع مختلف المنظمات المعنية والجهات الرسمية.
وتضيف: "في نهاية المطاف، وبعد طول انتظار ويأس، يتم دفن الجثة دون الكشف عن هويتها، ويُكتفى بوضع علامة بسيطة على القبر، شاهداً صامتاً على روح لم يُعرف لها اسم في هذه الأرض الغريبة".
وحول التحديات التي تواجه عملهم، تشدد السهيلي على أن دور الهلال الأحمر أصبح قاصراً على جوانب محددة "مشروع المهاجرين الذي كنا ننفذه توقف للأسف، ولم تعد لنا صلة مباشرة وفعالة بالملف، تدخلنا الآن يقتصر على عمليات النظافة والتعقيم في مراكز الإيواء، وغالباً ما يكون ذلك بشكل تطوعي وإمكانياتنا الذاتية المحدودة".
وفيما يخص الإحصائيات الدقيقة حول أعداد المهاجرين والضحايا، تنفي السهيلي، وجود أي بيانات موثوقة لدى الهيئة المركزية للهلال الأحمر، مؤكدة أنه "إذا ظهرت أي تقديرات رسمية يتم تداولها، فهي في الغالب غير دقيقة ولا تعكس الواقع، لدينا فقط قاعدة بيانات محدودة حول الأحياء الذين تم التعامل معهم من عام 2020 إلى عام 2023".
.jpeg)
عبء إنساني مُضاعف
في ظل هذا المشهد القاتم، تتجلى معاناة أخرى على صعيد البلديات الساحلية، التي تجد نفسها في مواجهة مسؤولية إنسانية وإدارية مُتفاقمة في التعامل مع عمليات دفن جثث المهاجرين غير النظاميين التي يلفظها البحر، خاصة في مدينة جرجيس التي أصبحت بؤرة لهذه المأساة، وسط غياب أي دعم مُنظم وفعال من الدولة أو المنظمات الدولية الكبرى، تتحمل هذه البلديات عبئاً ثقيلاً يفوق قدراتها وإمكانياتها المحدودة.
يقول عبد الرؤوف الحمداني، الكاتب العام لبلدية جرجيس، بلهجة تعكس حجم المعاناة: "نحن في بلدية جرجيس نتعامل بشكل مباشر مع عمليات دفن الجثث، وغالباً ما يتم ذلك دون أي دعم خارجي يُذكر، وهناك بعض الجمعيات المحلية التي تُعنى بشؤون الموتى تقدم لنا مساعدة متقطعة في بعض الأحيان، لكنّ البلدية تتحمل العبء الأكبر، وفي كثير من الحالات، نضطر إلى الصرف من ميزانيتنا المحدودة، بل وحتى من جيوبنا الخاصة، لإنهاء الإجراءات الضرورية لدفن هؤلاء الأموات بكرامة".
ويشير الحمداني، إلى أن البلدية لا تملك أي معطيات دقيقة حول الأعداد الهائلة من الجثث التي تم دفنها في المقبرة، المخصصة لدفن الغرباء، قائلا: "أنا حديث العهد في هذا المنصب، وبالتالي لا أملك أرقاماً واضحة ومُحدَّثة، لكن ما نؤكده هو أن هذه المقبرة تُستخدم لدفن جميع الغرباء بشكل عام، دون أن تكون هناك أي عملية فرز أو تمييز على أساس الجنسية أو أي معيار آخر".
وحول مسألة الهويات الدينية أو الوطنية للجثث، يوضح الحمداني أن البلدية لا تتدخل في هذا الجانب إطلاقاً، قائلا "نحن لا نعرف ديانات المتوفين ولا تصلنا أي اتصالات من قِبل أهاليهم أو سفارات دولهم، وأغلب الجثث التي تصلنا تكون مجهولة الهوية تماماً، ولا يوجد أي تواصل أو تنسيق مع ذويهم أو أي جهة رسمية من دولهم الأصلية".
وفي ما يتعلق بالأثر الاجتماعي لوجود هذه المقبرة على سكان المدينة، يقول الحمداني: "لا أعتقد أن السكان المحليين يشعرون بانزعاج كبير من وجود المقبرة. فهي قائمة منذ زمن طويل، ولم نرصد أي احتجاجات أو مظاهر قلق مُعلنة من قِبلهم. ربما يكون هناك نوع من التعاطف الإنساني الصامت مع هؤلاء الضحايا".
ويؤكد الحمداني أن بلدية جرجيس لا تملك أي خطة حالية لتطوير المقبرة أو تخصيص موارد إضافية لها، مشيراً إلى أن الوضع العام يتطلب أولاً تفعيل تنسيق واضح ومُستدام بين جميع الجهات المعنية على المستويين المحلي والمركزي، مضيفا: "نحن لا نملك علاقة مباشرة مع الجهات القضائية أو الأمنية إلا في سياق الإجراءات الروتينية لعمليات الدفن، فحين تُنهي السلطات المعنية تحقيقاتها الأولية بشأن الجثة المنتشلة، يتم تحويلها إلينا في البلدية للقيام بالإجراءات الإدارية اللازمة ودفنها وفقاً للإمكانيات المتاحة".
ويرفض الحمداني اعتبار ما تقوم به البلدية تَحمّلًا لمسؤولية قانونية مباشرة، قائلاً: "بلدية جرجيس لا تمانع أبداً في أداء هذا الدور الإنساني النبيل، لكن الحقيقة المُرة هي أن المدينة تتحمل عبئاً ثقيلاً يتجاوز بكثير مسؤولياتها وإمكانياتها، ففي كل مرة تُكتشف جثة جديدة على الشاطئ، نُكلَّف نحن بالدفن، دون أي تمويل أو دعم مُستدام من أي جهة، وهو أمر مُكلف للغاية من حيث الموارد المالية واللوجستية والجهود البشرية".
ويختم الحمداني حديثه قائلا: "نحن نعتبر أن المسؤولية في هذا الملف هي مسؤولية جماعية وإنسانية قبل كل شيء، مدينة جرجيس لم ترفض يوماً التكفل بدفن هذه الجثث، لكنها تدفع ثمناً باهظاً مادياً ومعنوياً مقابل ذلك، دون أن تكون هي الجهة المسؤولة فعلياً عن هذه الظاهرة المأساوية المتكررة".
.jpeg)
مبادرات فردية لإيجاد حل
في خضم هذا التقاعس الرسمي، يبرز بصيص أمل يتمثل في مبادرات فردية نبيلة تسعى لتعويض النقص في الاهتمام والمسؤولية، ففي عام 2012، بينما كانت السواحل الليبية تتحول إلى مقبرة عائمة تبتلع جثث المهاجرين الهاربين من ويلات الحروب والفقر المدقع، لم يكن هناك الكثير ممن يلتفتون إلى هذه الأجساد التي يقذفها البحر بلا رحمة.. لا السلطات الليبية كانت قادرة أو راغبة في تحمل مسؤوليتها، ولا المنظمات الإنسانية كانت تملك الموارد الكافية لتغطية حجم هذه الكارثة المتكررة. لكن وسط هذا المشهد القاتم، قرر رجل واحد، اسمه شمس الدين، أن يبدأ مهمة لم يتوقع أبدًا أنها ستستمر لأكثر من عقد من الزمان: دفن المهاجرين المجهولين الذين يلفظهم البحر على شواطئ ليبيا بكرامة وإنسانية.
يسترجع شمس الدين بداية قصته المؤثرة في حديث خاص، قائلاً بصوت يملؤه الأسى: "كل شيء بدأ بصورة.. صورة لجثة مرمية على الشاطئ.. مُلقاة وسط أكوام القمامة، لم يكن لها كفن يسترها، ولا قبر يؤويها، ولا أحد قام بدفنها أو حتى حاول مساعدتها، كانت صورة صادمة، مؤلمة إلى أقصى حد، وكانت الشرارة التي أشعلت كل ما حدث بعد ذلك".
تأثر شمس الدين بعمق بتلك الصورة البشعة، بدأ يبحث ويتساءل: من المسؤول عن دفن هؤلاء الضحايا؟ من يعتني برفاتهم؟ هل توجد مقبرة مخصصة لهم؟ وسرعان ما اكتشف الحقيقة المرة: لا أحد يهتم.. جثث المهاجرين تُترك في العراء لتتحلل، أو تُلقى في مكبات النفايات كأنها مجرد نفايات، بلا كرامة، بلا وثائق تعريفية، وبلا حتى اسم يُذكر.
لم يستسلم شمس الدين لهذا الواقع المرير، حيث قال: "ذهبت إلى البلدية، وطلبت منهم قطعة أرض صغيرة لدفن هذه الجثث. خاطبتهم أكثر من مرة، لكن لم أتلقَ أي رد أو تجاوب، لا الدولة قدمت أي مساعدة، ولا البلدية أبدت أي اهتمام أو اكتراث".
ورغم هذا التجاهل والإهمال، لم ينتظر شمس الدين طويلاً.
بدأ يحفر القبور بيديه، ويشتري الأكفان على حسابه الخاص، ويجمع بعض المتطوعين من أصدقائه وجيرانه الذين تأثروا بمبادرته الإنسانية، كلما جرف البحر جثة جديدة إلى الشاطئ، كان يتعامل معها كما لو كانت جثة أحد أفراد عائلته، قائلا: "نغسلهم بعناية، نكفنهم بستر، نصلي عليهم صلاة الجنازة، ثم ندفنهم بكرامة واحترام، حتى لو لم نكن نعرف من أين أتوا، وحتى لو كانوا بلا أسماء معروفة".
ومن بين مئات الجثث المجهولة التي تعامل معها شمس الدين، يتذكر حالة واحدة تركت في نفسه أثراً عميقاً: "من بين كل تلك الجثث، واحدة فقط تمكننا من معرفة اسمها: روز ماري، كان لديها وشم صغير على جسدها مكتوب فيه اسمها، هذا الشيء كسر قلبي.. اسم وحيد من بين مئات الأرواح التي لم يُعرف لها اسم".
حتى الآن، تمكن شمس الدين وفريقه المتطوع من دفن أكثر من 600 جثة لمهاجرين مجهولين، في البداية، لم تكن لديهم قطعة أرض مخصصة، فكانوا يدفنون الجثث في أماكن متفرقة على الشاطئ، لاحقاً، تمكنوا من الحصول على قطعة أرض غير رسمية جعلوها مقبرة خاصة بهم، لكن -حتى يومنا هذا- لم تُعترف بها رسمياً من قِبل السلطات، "كنت أعود إلى المقبرة باستمرار، أقوم بتنظيفها بنفسي، وأراقب القبور لئلا يعبث بها أحد.. هذا أقل ما يمكنني فعله".
أمثال شمس الدين، هذا الحارس الأمين لرفات المجهولين على شواطئ ليبيا، يضيئون شمعة في عتمة النسيان، فرغم مرور السنوات الطويلة التي أثقلت كتفيه بعبء هذه المهمة النبيلة، لا يزال يزور مقبرته المتواضعة باستمرار، يتفقدها بحنان الأب، ويتأكد من نظافتها وسلامة قبور أولئك الذين لم يعرف لهم اسم أو عنوان.