دراسة تكشف تراجع التدين في تركيا وارتفاع الإلحاد وسط الشباب
دراسة تكشف تراجع التدين في تركيا وارتفاع الإلحاد وسط الشباب
كشفت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة "كوندا" التركية للأبحاث، عن تحولات جذرية في الهوية الدينية للمجتمع التركي خلال السنوات الست عشرة الماضية، مشيرة إلى تراجع واضح في التدين التقليدي وازدياد في أعداد اللادينيين والملحدين، وهو ما يعكس اتجاهاً متسارعاً نحو العلمنة، خاصة بين الشباب في المدن الكبرى.
أظهرت الدراسة، التي استندت إلى عينة واسعة ضمت 6137 مشاركاً من مختلف المناطق التركية، أن نسبة من يعرّفون أنفسهم بـ"المتدينين" انخفضت من 55% في عام 2008 إلى 46% في أكتوبر 2024، في حين ارتفعت نسبة "الملحدين واللادينيين" من 2% إلى 8% خلال نفس الفترة، أما فئة "المؤمنين غير المتدينين" فزادت من 31% إلى 34%، بحسب صحيفة "زمان" التركية.
ولفت التقرير إلى أن نسبة "المتزمتين دينياً" بقيت ثابتة عند 12%، دون تغيير.
عوامل متعددة للتغيير
أرجع خبراء مشاركون في تحليل نتائج الدراسة هذه التحولات إلى عدة عوامل متشابكة، أبرزها:
تراجع ثقة الأجيال الشابة بالمؤسسات الدينية الرسمية، التي يُنظر إليها بشكل متزايد على أنها مقربة من السلطة السياسية.
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي التي سهّلت الوصول إلى أفكار بديلة، ورسّخت ثقافة التشكيك والتفكير النقدي.
الانفتاح الثقافي المتزايد على نماذج اجتماعية خارجية أكثر تحرراً في المسائل الدينية والإنسانية.
تغير أولويات الجيل الجديد، الذي يركّز اليوم على القضايا الاقتصادية، والتعليم، والحقوق الفردية، أكثر من المسائل العقائدية.
ضعف الخطاب الرسمي
أبرزت الدراسة أن الانخفاض الواضح في نسبة المتدينين يشير إلى ضعف فاعلية الخطاب الديني الرسمي الذي اعتمدت عليه الحكومات المتعاقبة، لا سيما في عهد حزب "العدالة والتنمية"، في ترسيخ شرعيتها السياسية والاجتماعية.
وأظهرت نتائج الاستبيان أن الجيل الجديد أصبح أكثر جرأة في التعبير عن قناعاته الدينية أو اللادينية، دون خشية من الوصم أو التهميش.
وتوقعت الدراسة أن تكون لهذه التغيرات تأثيرات بعيدة المدى على المشهد السياسي التركي، الذي ظل لعقود يعتمد على توظيف الرموز الدينية في الحملات الانتخابية، وترسيخ مفاهيم تقليدية حول الهوية الإسلامية للدولة والمجتمع.
وأشارت إلى أن ميل الشباب نحو اللادينية والعلمانية قد يؤدي إلى إعادة تشكيل التحالفات السياسية وتغير في لغة الخطاب العام، وظهور أحزاب جديدة أو تغيرات في أجندات الأحزاب القائمة، بما يتماشى مع التحولات الاجتماعية الجديدة.
اتجاه مستقبلي متسارع
أكّدت مؤسسة "كوندا" أن الاتجاه نحو العلمنة والانفتاح الثقافي يبدو مرشحاً للتزايد في السنوات المقبلة، خاصة مع استمرار نمو نسبة الشباب في المناطق الحضرية، وتزايد الاحتكاك مع أنماط الحياة العالمية.
ويرجح مراقبون أن تواجه السلطات التركية تحديات مستقبلية في التوفيق بين خطابها المحافظ والواقع الاجتماعي المتغير، الذي أصبح يميل بشكل متسارع إلى التحرر من القيود الدينية التقليدية، والبحث عن هويات جديدة أكثر تنوعاً وشخصية.