ثلاثة وعود متعثرة.. ترامب بين تعقيدات الأوضاع في غزة وأوكرانيا وطهران

ثلاثة وعود متعثرة.. ترامب بين تعقيدات الأوضاع في غزة وأوكرانيا وطهران
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

رغم وعوده المتكررة بإحلال السلام في أوكرانيا وفلسطين، أضاف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ملفًا ثالثًا إلى قائمة تعهداته، بمحاولة إحياء اتفاق نووي مع إيران بوساطة عُمانية.

إلا أن الأزمات الثلاث ما زالت تراوح مكانها؛ فالحرب الروسية الأوكرانية مستمرة، ومفاوضات غزة متعثرة، ومحادثات طهران لم تفضِ إلى اتفاق نهائي.

ويرى خبراء في الشأنين الأمريكي والدولي، تحدّثوا إلى "جسور بوست"، أن ترامب لا يظهر جدية كافية في معالجة أزمة غزة، مع انحيازه الواضح لإسرائيل، في حين يواجه صعوبات كبيرة في الملف الأوكراني نتيجة التصعيد الروسي، فضلًا عن التباينات العميقة مع طهران، ما يجعل التوصل إلى تسويات نهائية أمرًا مستبعدًا في المدى القريب، كما يقر أحد أعضاء الحزب الجمهوري الحاكم بوجود تعقيدات وفجوات تعرقل تحقيق اختراق حاسم في هذه الملفات.

خلال حملته الانتخابية، وقبيل دخوله البيت الأبيض في يناير الماضي، تعهّد ترامب بإنهاء حرب أوكرانيا والحرب في غزة خلال "ساعات قليلة". غير أن التطورات الأخيرة، خاصة على صعيد المفاوضات مع إيران التي جرت في سلطنة عمان، تكشف أن الأمور أبعد ما تكون عن الحل.

أوكرانيا وتصعيد لا يهدأ

شهدت الأيام الأخيرة تصعيدًا خطيرًا من الجانب الأوكراني، تزامنًا مع اقتراب جولة جديدة من محادثات السلام في إسطنبول، حيث استهدفت طائرات مسيّرة يُعتقد أن كييف أطلقتها، قواعد استراتيجية داخل روسيا، ما زاد من التوترات وأضعف احتمالات التوصل إلى أي تسوية قريبة.

وبحسب تحليل لشبكة  "CNN"، فإن أوكرانيا وجهت ضربات دقيقة ضد طائرات وأصول عسكرية روسية بعيدة عن الحدود، في مؤشر على تطور قدراتها العسكرية. 

ومن جانبها، لم تُبدِ موسكو أي مرونة سياسية، وواصلت طرح شروط تعدها كييف والغرب غير واقعية، من بينها: الاعتراف بضم الأراضي، نزع السلاح الأوكراني، رفع العقوبات الغربية بالكامل، و"اجتثاث النازية".

وفي المقابل، عرض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقفًا فوريًا لإطلاق النار دون شروط مسبقة، مطالبًا بإعادة الأطفال الذين نُقلوا إلى روسيا.

إلا أن موسكو ردت بتصعيد غير مسبوق، عبر أكبر هجوم بمسيّرات منذ بداية الحرب، أطلقت فيه 472 طائرة دون طيار، وأسفر عن مقتل 12 شخصًا في ضربة صاروخية استهدفت مركز تدريب عسكري.

أما الرئيس ترامب، فتابع هذه التطورات من بعيد، ف حين تتراجع مصداقية تصريحاته المتكررة حول قدرته على إنهاء الحرب خلال "24 ساعة"، ورغم امتلاكه أدوات ضغط سياسية، كالعقوبات وتعديل المساعدات لكييف، فإن دوره بدا هامشيًا وسط تسارع الأحداث ميدانياً.

تجدر الإشارة إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في فبراير 2022 تُعد أطول صراع مسلح في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، بعد فشل عدة جولات تفاوضية، واستمرار الدعم الغربي لأوكرانيا، في مقابل تشديد موسكو قبضتها على الأراضي التي ضمتها.

إيران وصراع تخصيب اليورانيوم 

منتصف مايو الماضي، وخلال زيارة إلى قطر، أعلن ترامب أن بلاده "تقترب بشدة" من التوصل إلى اتفاق مع إيران، مفضّلًا الحلول الدبلوماسية على العمل العسكري. وأكد حينها أن المفاوضات مع طهران "جدّية للغاية" بهدف إرساء سلام طويل الأمد في المنطقة، معربًا عن أمله في ازدهار اقتصادي لإيران.

غير أن نبرة التصريحات تغيّرت سريعًا، إذ أعلن ترامب لاحقًا، عبر منصته "تروث سوشل"، رفضه القاطع لأي مستوى من تخصيب اليورانيوم من قِبل طهران، مؤكدًا: "لن نسمح بأي تخصيب، بموجب الاتفاق المحتمل!"، في موقف يعكس عودة لسياسة "الضغط الأقصى".

ورغم هذا، كشفت تقارير لموقع "أكسيوس" أن الإدارة الأمريكية اقترحت أخيرًا السماح لإيران بتخصيب محدود لليورانيوم، في تحول ملحوظ بمسار المفاوضات، فإن هذه النقطة لا تزال تمثل العقبة الكبرى، في ظل خشية واشنطن وحلفائها أن تُستخدم المواد المخصبة لأغراض عسكرية.

ومن جانبها، ترفض إيران أي قيود على برنامجها النووي السلمي. وقال نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، خلال زيارة للقاهرة، إن حرمان بلاده من أنشطتها النووية المدنية "لن يؤدي إلى اتفاق".

وأكد عراقجي تمسك طهران بحقها في تخصيب اليورانيوم لأغراض مدنية، رافضًا تجميد البرنامج مقابل وعود لا تُنفذ. وتُصر إيران على سلمية برنامجها، في حين تتهمها دول غربية وإسرائيل بالسعي لامتلاك قدرات نووية عسكرية.

وتُعد إسرائيل، التي تمتلك ترسانة نووية غير معلنة رسميًا، البرنامج الإيراني تهديدًا وجوديًا، ودعت مرارًا إلى إجراءات أكثر صرامة لردع طهران. وتشير تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن إيران تخصب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، وهي نسبة تقترب من العتبة العسكرية (90%)، ما يزيد من مخاوف المجتمع الدولي.

ترامب ووعود متعثرة

ورغم تمكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من التوصل إلى هدنة في قطاع غزة قبل توليه رسميًا منصبه في 20 يناير الماضي، فإن هذه الهدنة لم تصمد طويلاً، إذ انهارت في 17 مارس وسط تصعيد عسكري ومنع دخول المساعدات الإنسانية، نتيجة تمسك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمواصلة الحرب.

وتعثرت الجهود الأمريكية الأخيرة أيضًا، بعد رفض حركة "حماس" مبادرة جديدة تقدم بها المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، والذي صرح عبر منصة "إكس" أن رد الحركة "غير مقبول". 

وزاد من تعقيد الوضع استخدام الولايات المتحدة، الأربعاء الماضي، حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار في غزة، رغم دعم 14 دولة من أصل 15 للمقترح.

والقرار، الذي تقدمت به الدول العشر غير الدائمة العضوية، نص على الإفراج الفوري عن جميع الرهائن، ورفع القيود عن المساعدات الإنسانية، وتسهيل وصولها وتوزيعها دون عوائق، بحسب موقع أخبار الأمم المتحدة.

وقد بررت القائمة بأعمال المندوبة الأمريكية، دوروثي شيا، اللجوء للفيتو بعدم تضمن القرار إدانة لحماس، معتبرة أنه "يُقوّض أمن إسرائيل"، مشيرة إلى أن واشنطن تعمل مع شركاء كقطر ومصر على صيغة متكاملة تشمل وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن.

في المقابل، وصف مندوب الجزائر السفير عمار بن جامع الفيتو الأمريكي بأنه "يعكس عجز النظام الدولي"، وقال: "العالم يرسل للفلسطينيين رسالة واضحة: أنتم لستم وحدكم". أما المندوب الصيني فو تسونغ، فعدّ واشنطن "أطفأت بصيص الأمل الأخير لسكان غزة"، مطالبًا بوقف فوري للهجوم الإسرائيلي.

فجوات وتعقيدات

بدوره أكد الدكتور نبيل ميخائيل، عضو الحزب الجمهوري وأستاذ العلوم السياسية في جامعة واشنطن، في تصريح لـ"جسور بوست" أن أزمة أوكرانيا وروسيا تعقدت بعد سلسلة هجمات بطائرات مسيرة شنتها كييف داخل العمق الروسي، معتبرًا أن ترامب يدرك أن السلام ليس قريبًا، لكنه ما زال يأمل في منح فرصة للحوار.

وتوقع ميخائيل أن تتجه الإدارة الأمريكية نحو اتفاق مع إيران يسمح بتخصيب محدود لليورانيوم تحت رقابة صارمة، كما رجّح أن يطلب ترامب من نتنياهو تسهيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، رغم اتساع الفجوة بين رغبته في إنهاء الحرب وتمسك نتنياهو بمواصلة العمليات العسكرية.

وفي السياق ذاته، عدّ الدكتور سعيد صادق، الأكاديمي المتخصص في الشؤون الأمريكية والعلاقات الدولية، أن ترامب لا يملك عصا سحرية لحل النزاعات المعقدة في غزة وأوكرانيا وإيران، وأن وعوده "أقرب إلى شعارات انتخابية تصطدم بواقع شديد التعقيد".

وقال صادق في تصريح لـ"جسور بوست": "الرئيس الذي يصرح بأنه يسعى للسلام، استخدمت بلاده الفيتو لعرقلة قرار وقف الحرب، ما يوضح أن واشنطن لا تملك إرادة حقيقية لإنهاء النزاع، خاصة وأنها الداعم الرئيسي لتسليح إسرائيل".

وأضاف: "اللوبي الإسرائيلي داخل أمريكا يمثل عائقًا كبيرًا أمام أي تحرك حقيقي من ترامب في ملف غزة. أما بالنسبة لأوكرانيا، فوعوده الانتخابية لم تُترجم إلى خطوات فعلية. وفي ما يخص إيران، فمن غير المرجح أن تتنازل طهران عن أنشطتها النووية طالما تحتفظ إسرائيل بسلاح نووي معلن ضمنياً".

وأكد صادق أن "أي تصعيد عسكري من واشنطن أو إسرائيل ضد إيران سيؤدي إلى توتر إقليمي واسع يضر بالمصالح الأمريكية أولاً".

السلام المؤجل

ومن جهته، رأى الدكتور أمجد شهاب، أستاذ القانون الدولي في جامعة القدس، أن ترامب يواجه تحديات حقيقية في تنفيذ وعوده بإنهاء النزاعات، خصوصًا في ظل استمرار السياسة الأمريكية القائمة على إدارة الأزمات بدلًا عن حلها.

وقال شهاب لـ"جسور بوست": "الحديث عن السلام سهل، لكن تطبيقه صعب في ظل الواقع المعقد في مناطق النزاع. استخدام الفيتو ضد قرار وقف الحرب في غزة يعكس حقيقة الموقف الأمريكي، الذي يغطي الممارسات الإسرائيلية ويضعف فرص السلام".

وأشار إلى أن التصعيد المستمر في أوكرانيا، والهجمات المتبادلة، يُصعّب على ترامب تحقيق اختراق سياسي في هذا الملف أيضًا.

وتبدو وعود ترامب بإحلال السلام في غزة وأوكرانيا والتوصل لاتفاق نووي مع إيران، حتى الآن، أبعد ما تكون عن التحقق، حيث تبقى الضغوط الداخلية، والانقسامات الإقليمية، والواقع السياسي المعقد، تصريحات الرئيس الأمريكي حبيسة الحملات الانتخابية، فيما ينتظر العالم أفعالًا تترجم الأقوال.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية