"فايننشال تايمز": ألمانيا تُكرّم محاربيها القدامى لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية

"فايننشال تايمز": ألمانيا تُكرّم محاربيها القدامى لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية
الجيش الألماني - أرشيف

تقيم ألمانيا غداً الأحد، أول احتفال رسمي بالمحاربين القدامى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، في خطوة تُجسد تحولاً غير مسبوق في علاقتها المعقدة مع قواتها المسلحة.

ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز"، اليوم السبت، يشارك وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس في الفعالية التي تضم جنوداً حاليين وسابقين ومواطنين من مختلف أنحاء البلاد، وتتوزع أنشطة الحدث في عدة مدن، من بينها "قرية المحاربين القدامى" التي أقيمت أمام مبنى البرلمان (الرايخستاغ) في برلين.

وتبتعد فعاليات اليوم عن الطابع العسكري التقليدي، ولن تتضمن استعراضات للدبابات أو الطائرات الحربية، وأوضح المقدم مايكل كراوس، رئيس المكتب الوطني للمحاربين القدامى الذي أنشئ حديثاً، أن هذه الخطوة تمثل بداية رمزية نحو بناء ثقافة وطنية تحترم الخدمة العسكرية، مشيراً إلى أن "الرسالة ليست في استعراض القوة، بل في الاعتراف بالخدمة العامة التي يقدمها الجنود".

سياق جيوسياسي جديد

أسهم الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا عام 2022 في إعادة تشكيل المواقف السياسية والاجتماعية تجاه الجيش الألماني، واستجابت الحكومة الألمانية للمخاوف المتزايدة من تهديدات روسيا، ورفعت الإنفاق العسكري بشكل كبير.

وتعهد المستشار الألماني فريدريش ميرتس ببناء أقوى جيش تقليدي في أوروبا، في تحول واضح عن السياسات الدفاعية الحذرة التي اتبعتها ألمانيا لعقود.

اعتبرت سارة بروكماير-لارج، الباحثة في معهد أبحاث السلام في فرانكفورت، أن الاحتفال يعكس "اعترافاً متزايداً في المجتمع الألماني بأن وجود قوات مسلحة فعالة هو أمر ضروري، وأن الجنود يقدمون خدمة حيوية للدولة".

إرث الحربين

تسببت التجارب القاسية لألمانيا في الحربين العالميتين في تعزيز مشاعر الشك والرفض تجاه القوة العسكرية، خصوصاً في ألمانيا الغربية بعد عام 1945، واقتصر استخدام الجيش الألماني (البوندسفير)، الذي تأسس عام 1955، على مهمات إغاثة ومهام محدودة تحت رقابة برلمانية مشددة.

وأشار رئيس جمعية جنود الاحتياط الألمان، باتريك سينسبيرغ، إلى أن البلاد لم تكن تملك إرثاً يمكن الافتخار به بعد الحرب، ما جعل من الصعب إنشاء ثقافة تقدير للمحاربين القدامى في العقود الأولى لتأسيس الجمهورية الاتحادية.

وشارك الجيش الألماني خلال الحرب الباردة في مهام إغاثة فقط، دون التورط في عمليات قتالية، لكن بعد إعادة توحيد ألمانيا عام 1990، بدأ البوندسفير بالمشاركة في عمليات خارجية، أبرزها التدخل في كوسوفو عام 1999 ضمن مهمة لحلف الناتو.

لكن الحدث الأهم الذي شكّل وعيًا جديدًا لدى المحاربين القدامى كان مشاركة أكثر من 93 ألف جندي ألماني في الحرب في أفغانستان، والتي استمرت قرابة عشرين عاماً، وأودت بحياة 59 جنديًا ألمانيًا، إلى جانب مقتل 3 آلاف جندي من قوات التحالف وأكثر من 100 ألف مدني أفغاني.

حملة لإنشاء يوم رسمي

دفع المحاربون العائدون من أفغانستان، الذين عانوا من إصابات جسدية ونفسية، نحو المطالبة بيوم رسمي لتكريمهم، مستلهمين ذلك من تجارب دول مثل أستراليا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، وفي عام 2012، فشلت محاولة وزير الدفاع آنذاك توماس دي مايزيير في إنشاء المناسبة، بسبب رفض سياسي واسع آنذاك.

ورأى المؤرخ العسكري سونكه نيتزل أن التوقيت حينها لم يكن مناسبًا، إذ كان يُنظر للعمليات القتالية الألمانية في أفغانستان باعتبارها "خطأً يجب عدم تكراره"، لكن المطالبات استمرت من الجمعيات والجنود السابقين، حتى وافق البرلمان الألماني العام الماضي على تنظيم يوم للمحاربين القدامى في 15 يونيو من كل عام، ووصفه وزير الدفاع بيستوريوس بأنه "رسالة متأخرة، لكنها مهمة، للاعتراف بالخدمة والتقدير".

واجهت الخطوة انتقادات من أحزاب يسارية، من بينها حزب اليسار المتطرف، الذي نظم فعالية مضادة تحت شعار "لن نحتفل بحروبكم"، واعتبر الحزب أن هذا اليوم يهدف إلى "تطبيع الحرب" وتوفير "وقود بشري" للقوات المسلحة.

وعبّر بعض سكان الولايات الشرقية، التي كانت جزءًا من ألمانيا الشرقية سابقاً، عن تحفظهم إزاء دعم بلادهم العسكري لأوكرانيا، لكن كاتيا هوير، مؤرخة ومؤلفة كتاب عن ألمانيا الشرقية، رأت أن التباين في الآراء لا يُلغي وجود دعم واسع للجيش بين سكان تلك المناطق، حيث يشكّل أبناء الشرق نسبة كبيرة من الجنود في الرتب الدنيا.

المحاربون القدامى

أبدى العديد من المحاربين القدامى ترحيبهم بالفكرة، رغم استمرار شعورهم بعدم القبول المجتمعي، وأوضح ثورستن غارتنر، رقيب أول خدم خمس مرات في أفغانستان ويعاني اضطراب ما بعد الصدمة، أنه لا يشعر بالراحة عند ارتداء زيه الرسمي في وسائل النقل العام ببرلين.

وقال غارتنر: "آمل أن نصل في النهاية إلى وضع مشابه للولايات المتحدة، حيث يحصل المحاربون القدامى على بطاقات هوية وخصومات، لكني أشك في أن ذلك سيحدث قريباً، فالإجراءات تسير ببطء، ولم يُقبل طلبي حتى الآن".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية