"واشنطن بوست": تسييس ترامب للمؤسسات الاقتصادية يهدد الاستثمار في أمريكا
"واشنطن بوست": تسييس ترامب للمؤسسات الاقتصادية يهدد الاستثمار في أمريكا
حذّر المدير السابق للمجلس الاقتصادي الوطني في إدارات بيل كلينتون وباراك أوباما، والمستشار الأول للرئيس السابق جو بايدن، جين سبيرلينج، من أنّ أكبر تهديد يواجه الاقتصاد الأمريكي في عهد الرئيس دونالد ترامب لا يتمثل في الرسوم الجمركية، بل في تراجع الالتزام المؤسسي بمعايير الشفافية والنزاهة الاقتصادية.
ورأى سبيرلينج، في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، الثلاثاء، أن استثنائية الاقتصاد الأمريكي نشأت من الثقة العميقة في المؤسسات الاقتصادية المستقلة وسيادة القانون.
وأشار إلى أن هذه الثقة، التي ترسخت منذ عهد ألكسندر هاملتون، عززت مكانة الولايات المتحدة كوجهة عالمية للاستثمارات طويلة الأجل، وجعلت من الدولار عملة احتياطية دولية ومن سندات الخزانة ملاذًا آمنًا في الأزمات.
التفريط في المؤسسات المستقلة
استند سبيرلينج إلى بحث اقتصادي أجراه كل من دارون أسيموغلو، وسيمون جونسون، وجيمس روبنسون -الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2024– ليُظهر أن نحو 40% من التفاوت في متوسط الدخل بين الدول يُعزى إلى مدى احترامها للمؤسسات الاقتصادية وسيادة القانون.
وانتقد سياسات ترامب التي وصفها بـ"الارتجالية"، معتبرًا أن الضرر الاقتصادي الحقيقي لا يكمن فقط في السياسات التجارية بحد ذاتها، بل في الرسالة التي تبعث بها هذه السياسات إلى الأسواق العالمية، ولفت إلى أن الاستهتار بمعايير صنع القرار أدى إلى تراجع ثقة المستثمرين بالنظام الأمريكي، بما يشبه ما يحدث عادةً في الدول النامية.
استشهد سبيرلينج بما وصفته مجلة "الإيكونوميست" من أن تعريفات ترامب الجمركية جاءت "فوضوية وغير متماسكة"، واعتبر أن ضعف أداء الدولار والأسواق بعد إعلان ترامب عن تلك الرسوم يعكس هروباً حقيقياً من الأصول الأمريكية.
تحذيرات المعسكر الجمهوري
أبرز سبيرلينج تحذيرات شخصيات بارزة داخل الحزب الجمهوري نفسه، مثل كينيث غريفين، المدير التنفيذي لصندوق التحوط "سيتادل"، الذي أشار إلى أن سياسات ترامب تهدد السمعة الاقتصادية الأمريكية المتميزة.
كما أعرب بول سينجر، رئيس صندوق "إليوت مانجمنت"، عن مخاوف مماثلة من أثر السياسات التجارية العشوائية على تدفق رؤوس الأموال.
ورغم تراجع ترامب في بعض الأحيان عن تهديداته القصوى بفرض رسوم جمركية، فإن استمراره في تهميش المؤسسات الاقتصادية المستقلة ونشر الفوضى في عملية صنع القرار أثار قلق الاقتصاديين والمستثمرين.
وأدان سبيرلينج تكرار ترامب هجماته على مؤسسات رئيسية، مثل بنك الاحتياطي الفيدرالي ومكتب الميزانية في الكونغرس ومكتب إحصاءات العمل، مشيرًا إلى أن هذه المؤسسات أدّت دورها ضمن المعايير المهنية المعتادة، غير أن ترامب اتهمها بالتلاعب لمجرد إصدارها بيانات مخالفة لتوجهاته.
وحذر سبيرلينج من أن هذه الهجمات قد تزعزع ثقة المستثمرين في استمرارية استقلالية تلك المؤسسات، وهو ما من شأنه رفع تكاليف الاقتراض وتقويض بيئة الأعمال في البلاد.
ولفت سبيرلينج إلى أن المستثمرين الدوليين باتوا يواجهون أسئلة غير مسبوقة بشأن مدى احترام الولايات المتحدة لعقودها، ومدى إمكانية تعرضهم لاستهداف سياسي أو تهديدات ضريبية مفاجئة، وأشار إلى أنه في ظل توجّه ترامب لفرض رسوم على شركات بعينها أو إلغاء عقود فدرالية بدافع سياسي، تتآكل جاذبية الاستثمار في السوق الأمريكية.
كما تساءل عن قدرة الشركات متعددة الجنسيات على إرسال موظفيها التنفيذيين إلى الولايات المتحدة في ظل الخوف من احتجازهم أو تقييد تحركاتهم، وهي أحداث وقعت بالفعل خلال فترة رئاسة ترامب، رغم امتلاك المتضررين لتأشيرات سارية.
استعادة الاستثنائية الأمريكية
دعا سبيرلينج في ختام مقاله إلى تحرك واسع من قبل قادة الأعمال وأعضاء الكونغرس والمجتمع المدني لحماية مبادئ الشفافية والمؤسسات الاقتصادية المستقلة، مؤكدًا أن الاستمرارية في هذه المبادئ هي ما يميز الاقتصاد الأمريكي عن غيره، وليس السياسات الضريبية أو الجمركية.
وشدد على أن إعادة بناء الثقة العالمية في "العلامة التجارية الأمريكية" تتطلب الالتزام الصارم بالقانون والمعايير المهنية والابتعاد عن إدارة الاقتصاد من منطلقات شخصية أو أهواء سياسية.