"فايننشيال تايمز": مشروع ترامب الضريبي يضعف الثقة في الاقتصاد الأمريكي
"فايننشيال تايمز": مشروع ترامب الضريبي يضعف الثقة في الاقتصاد الأمريكي
أثار مشروع قانون الضرائب الذي طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والمعروف بتسميته "الضخم والجميل"، موجة واسعة من المخاوف في الأوساط الاقتصادية، نتيجة تأثيره المتوقع على ارتفاع الدين العام الأمريكي إلى مستويات غير مسبوقة خلال السنوات المقبلة.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "فايننشيال تايمز"، اليوم الثلاثاء، نبّه مستثمرون بارزون إلى أن سوق سندات الخزانة الأمريكية وصل إلى "نقطة تحول"، مؤكدين أن التوجهات المالية الحالية قد تعرّض قدرة الولايات المتحدة على مواصلة الاقتراض بثقة دولية إلى الخطر.
وسجلت الأسواق المالية مطلع الأسبوع الحالي قفزة في تكاليف الاقتراض طويل الأجل، بعد أن تقدّمت لجنة في الكونغرس بمشروع قانون ميزانية يُتوقع أن يُضيف تريليونات الدولارات إلى العجز الفيدرالي حتى عام 2034، من خلال تمديد التخفيضات الضريبية التي أُقرت في 2017.
جاء هذا التطور بعد أن أقدمت وكالة التصنيف الائتماني "موديز" يوم الجمعة على سحب التصنيف الائتماني الممتاز (AAA) من الولايات المتحدة، ما زاد من توتر الأسواق ورفع المخاوف بشأن سلامة الوضع المالي الأمريكي.
رأى عدد من المحللين أن المشروع وخفض التصنيف معًا يعكسان تفاقم أزمة الثقة في استدامة المالية العامة، في ظل بلوغ الدين والعجز مستويات غير مريحة بالنسبة للأسواق.
اقتراب الخطر
حذّر المستثمر راي داليو، المؤسس والرئيس التنفيذي لصندوق التحوط "بريدج ووتر أسوشيتس"، من خطورة استمرار الخلافات السياسية بشأن التوجه المالي، قائلاً: "يشبه الأمر الوجود على متن سفينة تتجه نحو الصخور، بينما يتجادل قادتها حول الاتجاه بدلًا من إنقاذها".
وشدد داليو على أن الخطر لا يكمن في الخيار السياسي بحد ذاته، بل في غياب أي توجه حقيقي لإعادة السياسات المالية إلى مسار أكثر توازنًا.
ومدّدت إدارة ترامب في المشروع المقترح التخفيضات الضريبية الكبرى التي أقرتها في ولايته الأولى، كما اقترحت تخفيضات كبيرة في تمويل برنامج التأمين الصحي للفئات ذات الدخل المنخفض (ميديكيد)، وبرنامج المساعدات الغذائية للفقراء.
ودفع الجمهوريون المتشددون داخل الكونغرس نحو إجراء تخفيضات أعمق في الإنفاق الحكومي، رغم التحذيرات من التبعات الاجتماعية والاقتصادية.
وأكدت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، المسؤولة كارولين ليفيت، أن المشروع "لا يزيد من العجز"، مشيرة إلى أن التخفيضات ستُعزز النمو وتُوسع قاعدة الإيرادات، وهو ما ردده أيضًا مسؤولون آخرون في إدارة ترامب.
تقديرات غير حزبية
قدّرت "لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة"، وهي هيئة غير حزبية، أن المشروع سيُضيف ما لا يقل عن 3.3 تريليون دولار إلى الدين العام حتى عام 2034، وسيرفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 100% إلى 125%، متجاوزًا نسبة الـ117% المتوقعة بموجب القانون الحالي.
وتوقعت اللجنة ارتفاع العجز السنوي إلى 6.9% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، مقارنةً بـ6.4% بحسب التقديرات المعتمدة سابقًا.
وسارعت وزارة الخزانة الأمريكية إلى زيادة مبيعات السندات لتمويل التوسع في الدين العام، لكن مؤشرات السوق تُظهر أن المستثمرين بدؤوا يطالبون بعوائد أعلى مقابل شراء السندات، مما يزيد من تكلفة الاقتراض على الحكومة.
وسجلت عوائد سندات الخزانة لأجل 30 عامًا ارتفاعًا كبيرًا لتبلغ 5.04% يوم الاثنين، وهو أعلى مستوى منذ عام 2023، وذلك عقب تقدم مشروع القانون وخفض التصنيف الائتماني.
صرّح كبير مسؤولي الاستثمار في "جاردا كابيتال بارتنرز"، المسؤول تيم ماجنوسون، بأن السوق وصل إلى "مرحلة حاسمة"، محذرًا من أن استمرار العجز دون معالجة سيجعل من سوق السندات جهة "انضباطية" لإجبار الحكومة على التراجع.
وأعاد رئيس شركة "يارديني للأبحاث"، الخبير إدوارد يارديني، استخدام مصطلح "حراس السندات"، الذي صاغه في ثمانينيات القرن الماضي، في إشارة إلى استعداد الأسواق المالية للرد على التساهل المالي بطرق قاسية.
وأكد يارديني أن هؤلاء المستثمرين "امتطوا خيولهم وهم مستعدون للتحرك"، تعبيرًا عن القلق من الاتجاه المالي الحالي.
دعوة إلى إجراءات عاجلة
طالب المستثمر راي داليو الحكومة الأمريكية بخفض العجز إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي في أقرب وقت، وذلك من خلال مزيج متوازن من خفض الإنفاق، وزيادة الإيرادات، وخفض تكلفة الاقتراض الحقيقية.
وأوضح مدير المحفظة الاستثمارية في "دبل لاين"، المسؤول بيل كامبل، أن مؤسسته خفّضت استثماراتها في سندات الخزانة لأجل 20 و30 عامًا، مشيرًا إلى غياب أي جهد جاد "لكبح جماح الدين العام".
واستفادت الولايات المتحدة تاريخيًا من كون الدولار العملة الاحتياطية العالمية، وسندات الخزانة أصولًا آمنة، ما منحها قدرة استثنائية على تسجيل عجز مرتفع مقارنةً بدول أخرى دون أن تتحمل أعباء مالية ضخمة، لكن التحدي الجديد، بحسب الخبراء، يأتي في وقت تتزايد فيه المخاوف بشأن استدامة هذا الامتياز.
وأكد مدير استراتيجية العملات في "دويتشه بنك"، الخبير جورج سارافيلوس، أن السوق أعاد خلال الشهرين الماضيين تقييم مدى استعداده لتمويل "العجز المزدوج" في الولايات المتحدة، في إشارة إلى العجز المالي والتجاري معًا.
وحذر سارافيلوس من أن تراجع الإقبال على شراء الأصول الأمريكية، إلى جانب جمود المنظومة المالية التي تُنتج عجزًا مرتفعًا بشكل مستمر، يُشكل مصدر قلق حقيقي للأسواق.