"حرب الجواسيس".. معارك صامتة تشعل جبهة جديدة بين إيران وإسرائيل بعد الهدنة

وسط تحذيرات حقوقية بـ"تصفية المعارضين"

"حرب الجواسيس".. معارك صامتة تشعل جبهة جديدة بين إيران وإسرائيل بعد الهدنة
معارك الجاسوسية بين إيران وإسرائيل

رغم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التوصل إلى اتفاق أنهى المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران، فإن ملف "الجواسيس" لا يزال مفتوحًا على مصراعيه، مع تصاعد موجة من الاعتقالات في كلا البلدين طالت العشرات، في ظل اتهامات بالتجسس وتعاون مع العدو، وسط تحذيرات حقوقية من استغلال هذه التهم لتصفية معارضين، خاصة في إيران.

وبينما توقفت المعارك منذ الهجوم الإسرائيلي على طهران في 13 يونيو الجاري، فإن الحملات الأمنية داخل إيران لم تهدأ، بل تصاعدت حدتها، لتطول نشطاء وصحفيين ومستخدمين لمواقع التواصل، بزعم ارتباطهم بإسرائيل أو دعمهم لها، ما دفع خبراء للتحذير من أن النظام الإيراني قد يستخدم ذريعة "التجسس" لتوسيع قبضته الأمنية وتصفية خصومه.

ومنذ اندلاع المواجهة، شنت السلطات الإيرانية حملات دهم واعتقال طالت العشرات في محافظات متفرقة، تحت لافتات فضفاضة من بينها "نشر الإشاعات"، و"الدعاية ضد النظام"، و"التشويش على الرأي العام".

حرب الجواسيس

في 18 يونيو، أعلنت استخبارات الأمن الداخلي الإيرانية اعتقال 16 شخصاً في أصفهان بتهم تتعلق بـ"دعم العدوان الإسرائيلي"، في حين سبق ذلك إعلان جهاز الأمن الداخلي توقيف عنصرين في ساوجبلاغ بمحافظة البرز بزعم تصنيع متفجرات ضمن خلية مرتبطة بالموساد.

وفي الأحواز، تم اعتقال أربعة أشخاص بتهمة "أنشطة دعائية لمصلحة إسرائيل على الإنترنت"، فيما أُلقي القبض على شخصين في كرمان بالتهم ذاتها.

وتكررت في البيانات الرسمية تهمة "نشر الإشاعات"، وهي تهمة غير محددة قانونًا، ما يفتح الباب لتفسيرها على نحو واسع ضد أي انتقاد للنظام أو رأي مخالف، فيما شهدت منصات التواصل حملات تضامن مع بعض المعتقلين، بينهم الناشطة الطلابية مطهره كونه ‌أي، التي أوقفت بعد منشور على "إكس" عدّت فيه الاستبداد الديني السبب الحقيقي للحرب.

وفي يزد، أعلنت السلطات اعتقال خمسة أشخاص بتهمة تصوير مواقع حساسة، دون توضيح طبيعة هذه المواقع أو الأدلة ضد المتهمين.

جبهة أمنية في إسرائيل

الجانب الإسرائيلي لم يكن بمنأى عن الاتهامات، إذ أعلنت الشرطة الإسرائيلية، في 23 يونيو، اعتقال ديمتري كوهين (28 عاماً)، من حيفا، للاشتباه بتجسسه لمصلحة إيران، وجمعه معلومات عن مواطنين إسرائيليين، بينهم امرأة من عائلة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

ووفق التحقيقات، تلقى كوهين تعليمات بتنفيذ مهام تشمل المراقبة والتصوير، وتلقى مقابل ذلك أموالاً بالعملة المشفرة وصلت إلى آلاف الدولارات، مقابل كل مهمة تبلغ نحو 500 دولار.

كما أعلنت الشرطة والشاباك توقيف شاب آخر في تل أبيب بتهمة تنفيذ مهام لمصلحة جهة إيرانية، شملت توثيق مواقع مسؤولين وقواعد عسكرية، وكتابة شعارات محددة، وتلقى مقابلها أموالاً رقمية.

تحذيرات حقوقية

في خضم هذه التطورات، دعت ماي ساتو، المقررة الأممية الخاصة بحقوق الإنسان في إيران، إلى حماية المدنيين، مؤكدة تلقيها تقارير مقلقة حول "اعتقالات تعسفية" بحق نشطاء وصحفيين ومواطنين أفغان.

وأشارت منظمة هنغاو الحقوقية الكردية، إلى اعتقال أكثر من 530 شخصًا في إيران منذ بدء الغارات، موزعين على عدة محافظات، بينهم 67 في خوزستان، و64 في طهران، و53 في فارس، و51 في أذربيجان الغربية، و30 في همدان، وغيرها.

ووجهت للغالبية من المحتجزين عدة اتهامات، أبرزها "التجسس للموساد" أو "دعم إسرائيل" و"إثارة الرأي العام"، وسط غياب أدلة واضحة أو محاكمات علنية.

وفي بيان لافت، نشرت المحامية الإيرانية الحائزة جائزة نوبل للسلام شيرين عبادي تدوينة عبر حسابها على "إنستغرام" انتقدت فيها حملة الاعتقالات الأخيرة، مؤكدة أن "الجاسوس الحقيقي هو من سلّم مواقع الحرس الثوري لإسرائيل، وليس الطالب أو المعلم أو الشاعرة المعتقلة".

وأضافت: "إيران غير قادرة على مواجهة إسرائيل مباشرة، وتصب غضبها على المدنيين العزل... هذا قمع يرتدي عباءة مهترئة تُسمى الدفاع الوطني".

ورغم الهدنة المعلنة بين إسرائيل وإيران، فإن الحرب الاستخبارية بين الطرفين لم تنتهِ، بل دخلت طورًا جديدًا من الملاحقة الداخلية، تحت لافتات "الأمن القومي" و"التجسس"، في مشهد يزيد من المخاوف بشأن الحقوق والحريات، ويفتح الباب أمام تساؤلات حول مستقبل المعارضة والعدالة داخل إيران، خاصة في ظل مؤشرات متزايدة على استخدام النظام للحرب ذريعة لتشديد قبضته.

تحذيرات من تصفية المعارضين

ومع توقف العمليات العسكرية بين إسرائيل وإيران، يبدو أن ساحة المواجهة الاستخباراتية لم تهدأ بعد، بل تحولت إلى ما يشبه "حرب ظل" متواصلة، يخشى مراقبون أن تتحول في طهران إلى أداة لقمع المعارضة السياسية والاجتماعية، تحت يافطة "التجسس لصالح العدو".

بدوره يرى المحلل السياسي والاستراتيجي اللبناني، طارق أبو زينب، أن المواجهات بين إسرائيل وإيران لا تقتصر على الميدان العسكري فقط، بل تمتد إلى الساحة الاستخباراتية، حيث لا يقتصر الصراع في الحروب الحديثة، على الضربات الجوية أو العسكرية، بل يمتد ليشمل الجبهات الأمنية والاستخباراتية، إذ تلعب أجهزة المخابرات في البلدين دورًا حاسمًا من خلال التجسس، اختراق البنى الأمنية، وتجنيد العملاء.

وأكد أبو زينب، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن التجسس لعب دورًا كبيرًا في تحديد أهداف الضربات الجوية بين الطرفين، من خلال رصد التحركات وتحديد مواقع حساسة، قائلا: "قد تكون عمليات التجسس الإسرائيلية ساعدت في استهداف منشآت دقيقة داخل إيران، فيما تسعى طهران بدورها إلى اختراق العمق الأمني الإسرائيلي، سواء لجمع المعلومات أو لتعطيل عمليات مستقبلية".

وأضاف: "مع تطور أدوات المراقبة والاختراق الإلكتروني والذكاء الاصطناعي، فإن دور الجواسيس لن يتراجع، بل سيزداد تعقيدًا وتأثيرًا، خاصة في ظل تجدد التوترات الإقليمية"، متوقعًا أن يتحول العمل الاستخباراتي بين البلدين إلى نمط دائم من "حرب الظل".

ومضى قائلًا: "كلا الطرفين سيواصل استهداف الشبكات السرية والكوادر الحساسة للطرف الآخر، ما يجعل من العمليات الاستخباراتية جزءًا لا يتجزأ من مشهد الصراع، حتى في غياب المواجهات العسكرية المباشرة".

وفي سياق متصل، حذّر أبو زينب من أن النظام الإيراني قد يستخدم تهم التجسس غطاءً لقمع المعارضة السياسية والاجتماعية المتزايدة، خاصة في ظل ما تواجهه طهران من تحديات داخلية، معتبرا أن اتهامات التجسس تحولت إلى أداة قمع أساسية في يد النظام الإيراني، حيث يُزج بالعشرات من النشطاء في السجون بهذه التهمة، في وقت لا تتوافر فيه أدلة حقيقية.

وتابع: "النظام الإيراني، مع اشتداد التوترات الخارجية، قد يُصعِّد من إجراءاته القمعية، باعتقالات عشوائية، وتشديد الرقابة على الإعلام والإنترنت، ومحاصرة الحريات العامة، مؤكداً أن الهدف هو خلق مناخ من الرعب لتقويض قدرة المعارضة على الحشد أو التعبير.

المعارضة ليست خائنة

من جانبه، أكد المحلل السياسي العراقي حسين السبعاوي، أن ساحة التجسس النشطة كانت وما زالت أكثر اتساعًا داخل إيران منها في إسرائيل، ولا سيما أن إيران ساحة واسعة لعمل أجهزة الاستخبارات، خاصة الموساد الإسرائيلي، وهناك تصريحات رسمية وإشارات متعددة إلى نشاط جواسيس داخل البلاد، في حين أن إسرائيل أعلنت فقط عن شخصين تم توقيفهما خلال الحرب، وهو عدد محدود مقارنة بالحجم الحقيقي للعمل الاستخباراتي.

ورغم النشاط الاستخباراتي، يرى السبعاوي في تصريح لـ"جسور بوست" أن "دور الجواسيس لم يصل إلى درجة التأثير في النظام أو تحريك الشارع، لكنه يؤكد أن حضورهم في طهران أقوى"، قائلًا: "بعد انتهاء الحرب، من المتوقع استمرار هذا النشاط لكن بوتيرة أقل".

وحذر من أن النظام الإيراني قد يستغل هذه الفترة لتصفية حساباته مع المعارضة تحت غطاء اتهامات التجسس، مؤكدًا أن المعارضة الإيرانية ليست جواسيس، بل تمثل صوتًا وطنيًا، ويجب التمييز بين من يعبر عن موقف سياسي، وبين من يعمل لمصلحة جهات استخباراتية معادية.

وأضاف: "من المحتمل أن تواجه المعارضة في إيران موجة من الانتهاكات، تشمل الاعتقالات التعسفية وتلفيق التهم، وهو ما يتطلب تدخلًا حقوقيًا عاجلًا لتصحيح الأوضاع بعد توقف الحرب".

بينما يسدل الستار عن الجولة الأخيرة من الحرب بين إسرائيل وإيران، فإن ملف "الجواسيس" يبدو في بدايته. خبراء ومحللون يؤكدون أن الصراع المخابراتي سيبقى ساريًا في الخفاء، وسط خشية من تحوّله إلى أداة للبطش الداخلي في طهران.

في هذا السياق، يتعين على المجتمع الدولي والهيئات الحقوقية أن تراقب بعناية التطورات الجارية، لضمان عدم استخدام تهم "التجسس" لتصفية المعارضة أو مونها مسوغًا لتقييد الحريات؛ فالحرب قد تتوقف على الجبهات، لكن صداها في دهاليز الاستخبارات سيستمر طويلًا.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية