"فايننشيال تايمز": موجة حر قاتلة تكشف عن غياب العدالة البيئية في أوروبا
وصلت إلى 46 درجة مئوية في إسبانيا والبرتغال مخلّفة ست وفيات
ضربت موجة حرّ صيفية مميتة جنوب أوروبا هذا الأسبوع، مخلّفة ست وفيات، وأجّجت حرائق غابات واسعة النطاق في اليونان وتركيا، ورفعت درجات الحرارة في إسبانيا والبرتغال إلى حدود 46 درجة مئوية.
ووفقاً لصحيفة "فايننشيال تايمز"، الجمعة، أجلت السلطات أكثر من 1500 شخص في جزيرة كريت اليونانية، في وقت واصل فيه رجال الإطفاء محاولاتهم المضنية للسيطرة على النيران، وتسببت الحرائق كذلك في مصرع مزارعين اثنين بعد أن علقت مركبتهما وسط النيران في إقليم كاتالونيا الإسباني.
وأخلت فرق الطوارئ أكثر من 50 ألف شخص من منازلهم في محافظة إزمير غرب تركيا، بعد أن خرجت الحرائق عن السيطرة.
تسجيلات حرارية قياسية
تجاوزت درجات الحرارة 40 درجة مئوية في عدة مناطق، وسُجّلت أعلى المستويات في إسبانيا والبرتغال، في وقت تعاني فيه أوروبا من موجات حر متكررة.
أكدت المسؤولة الاستراتيجية للمناخ في المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية، سامانثا بيرجيس، أن موجات الحرّ منذ يونيو تعرّض ملايين الأوروبيين لإجهاد حراري مفرط، مشيرة إلى اتساع رقعة التأثير وارتفاع حدة الظواهر.
أوضحت بيرجيس أن ارتفاع درجات الحرارة هذا العام تماشى مع خصائص شهري يوليو وأغسطس، لافتة إلى تسجيل أعلى درجات حرارة في يونيو على الإطلاق في إسبانيا وإنجلترا، في حين حلت فرنسا ثانيًا، وسجّلت البرتغال 46.6 درجة، وهو رقم قياسي لشهر يونيو.
من جانبه، أرجع خبير الكوارث المناخية في جامعة أثينا، ميخاليس دياكاكيس، تصاعد الحرائق في كريت وتركيا إلى "الحرارة الشديدة والرياح القوية التي تخلّف ظروفًا مثالية للاشتعال"، وأوضح أن الطبيعة الوعرة لجزيرة كريت، وتحديدًا الوديان شديدة الانحدار، تؤدي إلى تسارع انتشار الحرائق، ما يصعّب عمليات الإخماد.
اندلع حريق كريت يوم الأربعاء قرب بلدية إيرابيترا، وأسهمت الرياح الشمالية في تمدّده بسرعة.
مفاعلات نووية مهددة
قلّصت فرنسا وسويسرا نشاط بعض محطات الطاقة النووية بسبب موجة الحر، حيث تعتمد هذه المحطات في تبريدها على المياه النهرية، والتي تُعاد إليها بعد أن تكتسب حرارة.
أوضح رئيس مجموعة الاستشارات النووية، بول دورفمان، أن إعادة المياه الساخنة إلى الأنهار يشكّل تهديدًا مباشرًا للنظام البيئي، وقد يؤدي إلى نفوق الكائنات النباتية والحيوانية، وأشار إلى أن هذا الخطر دفع إلى وقف تشغيل بعض المفاعلات مؤقتًا.
حذرت وكالة ستاندرد آند بورز في تقريرها الأخير من أن جنوب أوروبا يعد من بين أكثر المناطق في العالم تضررًا من ندرة المياه، داعية إلى استثمارات عاجلة في البنية التحتية، خصوصًا في إسبانيا وإيطاليا.
وتوقعت الوكالة استمرار انخفاض تدفقات الأنهار الكبرى كالرّاين والسين وإلبه خلال فصل الصيف، بسبب الطقس الدافئ وربيع جافّ.
وكشف مدير الأبحاث في المرصد الوطني بأثينا، كوستاس لاغوفاردوس، أن حرارة سطح مياه البحر المتوسط بلغت مستويات شبه قياسية، باستثناء بعض المناطق التي استفادت من الرياح الشمالية الباردة، مثل أجزاء من بحر إيجة.
نبّه لاغوفاردوس إلى أن تغير المناخ يوسع من نطاق تأثر مناطق أوروبا التي كانت تعرف بطقسها المعتدل، ويجعلها عرضة لموجات حرّ غير مسبوقة.
نداء علمي لتحرّك سياسي
أيّد نحو 200 من العلماء والباحثين الأوروبيين المشاركين في مؤتمر "نقاط التحول العالمية" ومنتدى إكستر للمناخ في بريطانيا بيانًا يطالب صناع القرار باتخاذ إجراءات حاسمة، ولا سيما قبل انعقاد قمة المناخ "COP30" المرتقبة في البرازيل.
حذّر المشاركون من أن العالم بات على بعد سنوات قليلة من تجاوز ارتفاع الحرارة العالمي لسقف 1.5 درجة مئوية مقارنة بعصور ما قبل الصناعة، وهو الحد الذي يتوقّع أن تتعطل بعده أنظمة الأرض الحيوية بشكل لا رجعة فيه.
أكدت عالمة البيانات في مركز روس للمدن المستدامة، التابع لمعهد الموارد العالمية، روث إنجل، أن أوروبا بحاجة ماسة إلى التأهب لدرجات حرارة أشد قسوة، وشدّدت على أن الحرارة الشديدة قاتلة بذاتها، كما تؤدي إلى تزايد خطر حرائق الغابات وتلوث الهواء وتفشي الأمراض المرتبطة بالمناخ.
رأت أن التحدي الأبرز هو توفير الحماية للسكان في الأماكن التي يشعرون فيها بالحرارة مباشرة، مثل البيوت وأماكن العمل والمرافق العامة.