بعد فاجعة تكساس.. ماهر نقولا يحذّر من تكرار الكوارث المناخية بالولايات المتحدة
بعد فاجعة تكساس.. ماهر نقولا يحذّر من تكرار الكوارث المناخية بالولايات المتحدة
اعتبر المدير التنفيذي للمركز الأوروبي الآسيوي للدراسات الاستراتيجية، ماهر نقولا الفرزلي، المستشار السابق لدى البنك الدولي، أن "السدود، والخزانات، والبنى التحتية النهرية والطاقة الكهرومائية تُعد من فئات الأصول طويلة الأمد، ذات دورات استثمارية بطيئة ومكلفة، وغالبًا ما تمتد امتيازاتها لعشرين أو ثلاثين عامًا.. وما نشهده اليوم ليس إلا نتيجة تأجيلات متراكمة وسوء تقدير منهجي، بدأ منذ عقود".
وأشار الفرزلي، في تصريح خاص لـ"جسور بوست"، إلى أن فهم هذا التدهور لا يمكن أن يتم دون العودة إلى الجذور الأيديولوجية للسياسة الأمريكية، قائلاً: “في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، صعد تيار المحافظين الجدد، الذين سعوا للتخلص من السياسات التوافقية السابقة، مثل تلك التي تبناها آيزنهاور أو روزفلت”.
وتابع: "مصطلح البنية التحتية، الذي كان يُعدّ تقنيًا ومحايدًا، تحوّل إلى ساحة معركة أيديولوجية في ظل حرب أفكار ثنائية بين واشنطن وموسكو، لاحقًا مع بكين، ما جعله مرتبطًا بالماركسية، أو يُستخدم كذريعة للهجوم على البرامج الاجتماعية. وبدلًا من بناء سدود في لويزيانا، كانوا يفضلون قصف تكريت وبنغازي".
إهمال متعمّد وكلفة بشرية
يرى الفرزلي أن الكارثة التي ضربت تكساس لم تكن مفاجئة، قائلا: "للأسف، معظم السدود في تكساس تعاني من ضعف صيانة وشيخوخة بنيوية.. بعضها يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر.. فكيف لدولة تدّعي قيادة العالم أن تُهمل هكذا منشآت حيوية؟ في الصين أو اليابان، تُصان وتُحدّث هذه المنشآت باستمرار، بينما في أمريكا، تُترك حتى تنهار".
وحول ضعف الاستجابة للطوارئ، قال: "أنظمة الإنذار المبكر في تكساس فشلت فشلاً ذريعًا. وزارة الأمن الداخلي نفسها اعترفت بأن النظام 'تجاوزته الأحداث، وهذا لا يعني فشلًا تقنيًا فقط، بل فشلًا أخلاقيًا. كيف يُترك مخيم يضم مئات الفتيات دون خطة إخلاء واضحة؟!".
تقرير لوكالة FEMA كشف أن 58% من المناطق المعرضة للخطر في تكساس لم تُحدّث فيها شبكات التصريف منذ 2021، رغم وجود تمويل، وهو ما وصفه الفرزلي بأنه "قنبلة مؤجلة انفجرت اليوم، وستنفجر غدًا إن لم نتحرك فورًا".
أولوية الحرب على حساب الإنسان
يرى الفرزلي أن أصل الأزمة ليس فنيًا، بل سياسياً-أيديولوجياً، قائلا: "تظل الأولوية في واشنطن هي تمويل حروب الناتو التي لا تنتهي، فيما يُترك ملايين الأمريكيين في ولايات الجنوب بلا حماية. يصرفون المليارات على تسليح أوكرانيا، بينما يموت الأطفال غرقًا في تكساس. إنها ليست مفارقة، بل جريمة منظمة ضد الفقراء".
وأضاف: "ليس سرًا أن أغلب المتضررين في مقاطعة كير من أبناء الأقليات والمجتمعات الفقيرة. هؤلاء لا صوت لهم في الكونغرس، ولا من يحاسب المسؤولين حين يغرقون.. العدالة المناخية في أمريكا مجرد شعار.. في الواقع، من لا يملك سيارة لا ينجو".
وانتقد الفرزلي تعاطي وسائل الإعلام الأمريكية مع الكارثة، قائلاً: "في وقت كان يجب أن نرى تغطية طارئة لواحدة من أكبر المآسي البيئية منذ كاترينا، انشغلت شبكات مثل CNN وFox News بأخبار الطرح الأولي لأسهم شركات التقنية في وول ستريت. وكأن دماء الأطفال أرخص من مؤشرات داو جونز".
وختم الفرزلي، قائلا: "الأطفال الذين غرقوا في ميستك لم يكونوا فقط ضحايا فيضان، بل شهداء نظام يفضّل صفقات النفط والسلاح على بناء خزانات المياه. السؤال الحقيقي الآن: هل نحن مستعدون للموجة القادمة؟ لأن الماء، حين يفيض، لا يطرق الباب".
فيضانات مدمرة
في أوائل يوليو 2025، اجتاحت فيضانات مدمرة ولاية تكساس، لتُسفر، حتى مساء الخامس من الشهر ذاته، عن مقتل أكثر من 109 شخص، في حصيلة مفتوحة على المجهول. فيما لا تزال فرق الإنقاذ تبحث بين الطين والحطام عن 160 فتاة فقدن بعد أن اجتاح نهر غوادالوبي "مخيم ميستك" الصيفي في مقاطعة كير.
الحدث لم يكن مجرد حالة طقس متقلبة، بل مأساة وطنية كشفت، مرة أخرى، عمق الفشل البنيوي في البنية التحتية الأمريكية، وسوء إدارة المخاطر المناخية. نهر غوادالوبي، الذي لطالما مثّل ملاذًا للعائلات، ارتفع منسوبه بشكل مرعب -ثمانية أمتار في 45 دقيقة فقط- ليحوّل المخيم من مساحة مرح إلى مسرح فاجعة.