قضاة يُحاكمون وحكام يُستدعون.. معركة لإسكات الأصوات المتضامنة مع المهاجرين بأمريكا

قضاة يُحاكمون وحكام يُستدعون.. معركة لإسكات الأصوات المتضامنة مع المهاجرين بأمريكا
القضاء الأمريكي - أرشيف

في تناقض صارخ مع المبادئ الديمقراطية، اتخذت السلطات الفيدرالية الأمريكية موقفًا متشددًا من المواقف الإنسانية تجاه المهاجرين، مستهدفة قضاة، حكام، ومدعين عامين اتهموا بتقديم إيواء أو الحماية للمهاجرين، ويكشف ذلك تحدياً خطِراً لاستقلال السلطات المحلية، وتهديداً واضحاً لحقوق الإنسان.

وفتح المدعون الفيدراليون في نيوجيرسي تحقيقات ضد الحاكم الديمقراطي فيليب د. مورفي بعد تصريح أدلى به في فبراير بأنه "مستعد لإيواء مهاجرة" في منزله عشية حل وضعها القانوني، حسبما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز".

أُبلِغ الحاكم وسُئل شهود حول تصريحاته، ثم استدعى ولكنه لم يُستجوب، ووفقاً لتقرير  "نيويورك تايمز"، قاد التحقيق المدعية العامة المؤقتة ألينا هابا، المحامية الحاملة لنفس التوجهات السياسي لترامب، ما دفع اثنين من السيناتور الجمهوريين لوصف تحركها بأنه "ملاحقات قضائية تافهة وذات دوافع سياسية".

وتدل هذه الخطوة على أن مجرد التعاطف أو دعم مهاجرٍ في وضع إنساني صالح يمكنه عرض صاحب القرار لمساءلة جنائية، في إشارة مباشرة إلى تحول خطِر في تصور "القانون كأداة للعدالة".

قاضٍ يضحي من أجل حق إنساني

انطلقت الأزمة القضائية من حيث لم يتوقع أحد، حين اعتقلت FBI في أبريل، القاضية هانا دوغان من مقاطعة ميلووكي، واتُهمت بإعاقة اعتقال مهاجر داخل قاعة المحكمة، حسب "سي إن إن" وأفادت "رويترز" أن اتهامها تمثل أول محاولة بمستوى فيدرالي ضد قاضٍ في قضية تتعلق بمساعدة مهاجر على تجنّب الاعتقال داخل المحكمة.

دوغان استعانت بإجراءات قضائية، مستخدمة ما يسمى بالحصانة القضائية لتبرير تدخلها، ورفضت الادعاء بأنها تصرفت من موقع سلطتها لصون كرامة المهاجرين، لكن الاتهامات تقول بأنها "إخفاء شخص من الاعتقال" و"عرقلة إجراءات فيدرالية".

وكان موقف المدّعين الذي تسلّط على دوغان، وصفته أكثر من 150 قاضيًا سابقًا بأنه محاولة ترهيب قصدت "زعزعة ثقة الجمهور في القضاء" – وفق تقرير نشرته وقتها "واشنطن بوست".

قرارات فيدرالية تدافع عن الحقوق

في المقابل، جاءت ردود القضاء الفيدرالي مدغمة للحقوق بحيث أصدرت القاضية مامي فرامبونغ من لوس أنجلوس أمرًا بحظر حملات اعتقال مهاجرين عشوائية في سبع مقاطعات في كاليفورنيا، إذ اعتبرت أن ICE ينتهك الدستور، حسب أسوشيتد برس وبوليتيكو في تغطية شاملة، كما أمرت بفتح مراكز الاعتقال أمام المحامين يوميًا، وضمان التواصل السري مع المحامين، لتقر مبادئ حقوقية بحتة تحمي كرامة المتهمين.

وفي نفس السياق، حظيت هذه القضية بتصفيق من هيومن رايتس ووتش ومجموعات الحقوق المدنية مثل ACLU التي انتقدت ممارسات التفتيش العرقي في مواقف كالمغاسل وساحات العمل.

وأصدر قاضٍ من ولاية ماريلاند، كما نقلت "أيه بي نيوز"  و"رويترز"، قراراً شارك فيه القاضي بولا سينيس، يتطلب من الحكومة إعادة المتهم كيلمار أبريغو إلى المحكمة وتقديم ضمانات بعدم ترحيله إلى بلاد يُحتمل تعرضه فيها لخطر.

وهذا يعكس موقفًا قضائيًا ثابتاً بحق المهاجرين إلى حماية القضاء كمسار دعم، بعيدًا عن تبريرهم كتهديدات أمنية.

أهداف إدارية أم عقوبات سياسية؟

ما بين هذه الحالات تتضح صورة تصعيدية من البيت الأبيض تجاه تعاطف المؤسسات القضائية أو الحكومية مع المهاجرين، يظهر ذلك بوضوح في ترشيح مسؤولين مثل هابا وتعرضهم للتدقيق، والاعتقالات التي طالت قاضيات اتخذن خطوات دعماً لكرامة المهاجرين.

هذه الإجراءات تطمس فاصل العدالة والقضاء، وتحوّل القضية الإنسانية إلى مسألة أمنية، أو سياسية، رغم أنها ليست كذلك بحسب المفاهيم الدولية لحقوق الإنسان.

وتسلط استطلاعات الرأي التي نقلتها غالوب مؤخرًا الضوء على تحفظ الجمهور الأمريكي تجاه سياسات الترحيل القسرية، بل يبدي دعمًا متزايداً لمشاريع الجنسية والمسارات القانونية، معتبرًا أن الهجرة مسألة إنسانية قبل أن تكون أمنية، ويشير هذا التراجع الشعبي إلى رغبة في تعامل مختلف مع قضية المهاجرين.

ويدعم خبراء مثل أستاذة الحقوق ليديا سعد بأن التحول في الموقف الشعبي يعكس عدم تلقّي الجمهور للنهج القاسي واستعدادهم لدعم المشروعات المؤهلة لضمان الكرامة الإنسانية، دون الإفراط في التشديد.

كرامة المهاجر واستقلال القضاء

تبين هذه الدراسات والملاحقات أن إدانة الأفراد بسبب تصرفاتهم الداعمة للمهاجرين لا يعد مجرد فرض قانوني، بل تدخل سياسي يناقض فطرية الديمقراطية وسيادة القانون، بل إن هذه الممارسات قد تُخطئ في فهم الحرية القضائية، وتضع معها علامة استفهام حول دور المحاكم كمؤسسة مستقلة.

ومن الضروري أن يتوسط القضاء في معادلة التوازن بين الأمن والحرية، وأن يُبرهن أمام المجتمع أن القوانين المصممة لحماية حقوق الأفراد ليست أدوات قمع، وإن استسلام الفيدرالي مهامَّ سياسية على حساب مبادئ الحقوق، يهدّد أسس الحكم الديمقراطي وألوان الكرامة الجماعية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية