بعمليات أمنية وأحكام قضائية.. تشيلي تسدد ضربة قاضية لعنف العصابات

بعمليات أمنية وأحكام قضائية.. تشيلي تسدد ضربة قاضية لعنف العصابات
الأمن في تشيلي - أرشيف

تشهد تشيلي أزمة أمنية غير مسبوقة في ظل انتشار عصابات إجرامية من أمريكا اللاتينية، أبرزها فنزويلية الجنسية، استفحلت في السنوات الأخيرة مستغلة ضعف الحدود وتهريب المخدرات والمهاجرين، وتواجه الدولة هذا التحدي بإجراءات جذرية على المستوى القضائي، والأمني، والتعاون الدولي، ما يجعل المشهد الراهن محوريًا في تاريخ تشيلي الحديث.

ووجه القضاء التشيلي واحدة من أقوى الضربات التنظيمية ضد الجريمة المنظمة في البلاد، الثلاثاء، بعد أن أصدرت محكمة في منطقة تاراباكا شمال البلاد، أحكامًا بالسجن تتجاوز 300 عام بحق 12 من قيادات عصابة "ترين دي أراجوا" الفنزويلية، التي تُعد من أخطر الشبكات الإجرامية العابرة للحدود في أمريكا اللاتينية.

وأكدت المدعية العامة في المنطقة، ترينيداد شتاينرت، أن الأحكام تضمنت خمس عقوبات بالسجن المؤبد، إحداها بحق القيادي البارز في العصابة، كارلوس غونزاليس، المعروف بلقب "إسترييا"، الذي لن يُسمح له بطلب الإفراج المشروط قبل قضاء 40 عامًا من محكوميته، معتبرة أن هذه الأحكام "نموذجية" وتشكل رسالة حازمة من الدولة ضد الجريمة المنظمة.

وشملت المحاكمة متهمين من جنسية فنزويلية، بالإضافة إلى رجل يحمل هوية كولومبية يُرجّح أنه من أصل فنزويلي أيضًا، وتوزعت باقي الأحكام على مدى يتراوح بين عامين و22 عامًا، بحسب طبيعة الجرائم ودور كل متهم.

عمليات أمنية واسعة النطاق

يأتي هذا الحكم بعد سلسلة عمليات أمنية واسعة النطاق، أسفرت عن تفكيك خلايا رئيسية للعصابة التي ظهرت للمرة الأولى داخل سجن "توكورون" في فنزويلا عام 2014، ووسّعت أنشطتها بسرعة إلى كولومبيا، بيرو، وتشيلي، حيث تورطت في جرائم قتل واختطاف وتهريب مهاجرين وتجارة المخدرات.

وفي مارس الماضي، كانت تشيلي قد وجهت ضربة أولى للعصابة بإصدار أحكام بالسجن تصل إلى أكثر من 560 عامًا بحق 34 عضوًا من الشبكة نفسها، في إطار حملة قضائية وأمنية غير مسبوقة.

وتزامن صدور الأحكام الجديدة مع تصاعد التحذيرات من توسع العصابات الأجنبية داخل الأراضي التشيلية، الأمر الذي دفع الحكومة إلى اتخاذ خطوات جذرية لتعزيز الأمن، شملت تأسيس وزارة للأمن العام وإجراء تغييرات واسعة في القيادات الأمنية، خاصة بعد تورط عناصر من الجيش وسلاح الجو في شبكات تهريب مخدرات ومواد كيميائية ممنوعة مثل "الكتامين".

تصاعد خطير بالجريمة المنظمة

تواجه تشيلي تصاعدًا خطيرًا في الجريمة المنظمة خلال السنوات الأخيرة، حيث أظهرت التقارير الرسمية أن الجرائم المرتبطة بالعصابات تكبد الاقتصاد أكثر من 8.2 مليار دولار سنويًا، ما يعادل 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب تقرير لوكالة رويترز.

وتزايدت المخاوف الشعبية من تفاقم الأزمة، خصوصًا مع ما أثارته تحقيقات النيابة العامة بشأن إمكانية وجود خلايا نائمة للعصابة في عدة مدن، واستغلال موجات الهجرة غير النظامية كغطاء للتمدد.

وفي تطور لافت، كانت الإدارة الأمريكية قد صنّفت "ترين دي أراجوا" كمنظمة إرهابية في فبراير الماضي، في خطوة تهدف إلى الحد من نشاطها الإقليمي والدولي، وقد أعربت الحكومة التشيلية عن ترحيبها بهذا التصنيف، مؤكدة أنه سيسهل من عمليات التنسيق والتعاون الاستخباراتي بين الدول.

تحديات أمنية كبيرة

وتُعد هذه الأحكام علامة فارقة في المواجهة القضائية ضد واحدة من أخطر العصابات في المنطقة، إلا أن السلطات التشيلية ما زالت تواجه تحديات كبيرة، لا سيما في ضبط الحدود، ومراقبة الشبكات المالية التي تمول هذه العصابات، وتعزيز قدرات الأمن الداخلي.

ويؤكد مراقبون أن المواجهة الحقيقية لا تكمن فقط في الأحكام القضائية، بل في بناء سياسات أمنية متماسكة وشاملة، تدمج بين الردع القانوني والعمل الوقائي، وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية لضمان قدرتها على التصدي لهذا الخطر العابر للحدود.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية