لندن وبرلين تتفقان على مواجهة مهربي البشر وتعزيز التعاون الدفاعي
لندن وبرلين تتفقان على مواجهة مهربي البشر وتعزيز التعاون الدفاعي
أعلنت بريطانيا وألمانيا اتفاقًا ثنائيًا واسع النطاق يهدف إلى مكافحة تهريب البشر وتعزيز التنسيق في ملفات الهجرة والدفاع، في خطوة وُصفت بأنها تمثل مرحلة جديدة من "التقارب العملي" بين العاصمتين بعد سنوات من التوتر السياسي الذي أعقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست).
جاء الإعلان خلال الزيارة الرسمية الأولى للمستشار الألماني فريدريش ميرتس إلى المملكة المتحدة، حيث التقى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، في أول قمة سياسية رفيعة بين الطرفين منذ التغيير الحكومي الأخير في لندن، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، اليوم الجمعة.
وأعرب ستارمر عن "امتنان كبير" لألمانيا لموافقتها على تعديل تشريعاتها هذا العام، بما يجرّم تسهيل الهجرة غير الشرعية إلى بريطانيا.
ولفت إلى أن الاتفاق سيسمح بمصادرة القوارب الصغيرة المستخدمة في عمليات التهريب، والتي غالبًا ما تُصنّع أو تُرسل من ألمانيا، مضيفًا أن هذا التطور يمثل "خطوة محورية في كسر سلاسل التهريب عبر المانش".
محور الاتفاق الثلاثي المنتظر
اتفق الجانبان على تعزيز التعاون الاستخباراتي والعملياتي ضد شبكات تهريب البشر، خصوصًا تلك التي تنقل مهاجرين بشكل غير شرعي من أوروبا إلى الساحل الجنوبي لإنجلترا عبر قناة المانش، في ظروف شديدة الخطورة.
وتُعد ألمانيا من أبرز الدول الأوروبية التي يُعتقد أنها تُستخدم كنقطة انطلاق لتلك القوارب، خاصة عبر السوق السوداء للمطاط والمعدات البحرية.
وسجلت السلطات البريطانية أرقامًا قياسية في أعداد المهاجرين غير النظاميين القادمين من القارة الأوروبية هذا العام، حيث تجاوز عدد الواصلين عبر القوارب 22 ألف شخص، وسط انتقادات داخلية لطريقة تعامل الحكومة مع الملف.
من جانبه، أعلن المستشار ميرتس أن هناك اتفاقية ثلاثية وشيكة ستجمع بريطانيا وألمانيا وفرنسا لمعالجة هذه القضية بطريقة شاملة، قائلًا: "نريد تقليل الهجرة غير الشرعية بشكل ملموس في كل أنحاء أوروبا، ولن يحدث ذلك دون تنسيق أمني وقانوني واضح بين الدول الكبرى".
صفحة جديدة بعد بريكست
وقّع الطرفان معاهدة جديدة حملت اسم "معاهدة كيسينغتون"، تضمنت بنودًا لتعزيز التعاون في التعليم والتبادل الثقافي والدفاع والذكاء الاصطناعي، إضافة إلى تحسين شروط التنقل بين البلدين.
ووصف ستارمر المعاهدة بأنها "تاريخية" وتؤسس لعهد جديد من العلاقات البناءة بعد سنوات من التباعد الذي خلفه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وفي المقابل، عبّر ميرتس عن "أسفه الشخصي" للبريكست، معتبرًا أن من المهم عدم التقليل من حجم التحسّن الحاصل في العلاقات الثنائية.
وكشفت المعاهدة عن تسهيلات جديدة، منها تمكين المسافرين البريطانيين من استخدام البوابات الإلكترونية عند دخول ألمانيا بدءاً من نهاية أغسطس المقبل، بالإضافة إلى تسهيل إجراءات التبادل المدرسي بين الطلاب، بما يعزز التقارب الثقافي بين الجيل الجديد.
أولوية دفاعية وتهديدات روسية
توسعت المباحثات لتشمل ملفات استراتيجية مثل الدفاع والتصنيع العسكري، لا سيما في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا والتوتر المتصاعد بين حلف شمال الأطلسي (ناتو) وروسيا.
وأكد الجانبان التزامهما بتقوية الأمن الأوروبي-الأطلسي، وتعزيز الردع في وجه أي تهديد محتمل، كما تعهّدا بتطوير شراكات جديدة في قطاع الدفاع، شملت دعمًا مشتركًا لمشاريع إنتاج آليات قتالية من طراز "بوكسر"، وطائرات "تايفون"، وربما مشاريع مستقبلية تتعلق بصواريخ بعيدة المدى.
وكان البلدان قد أعلنا في مايو الماضي رغبتهما في تطوير صواريخ يتجاوز مداها ألفي كيلومتر، بما يفوق المدى الحالي لصواريخ "ستورم شادو" الفرنسية-البريطانية.
آفاق للنقل والذكاء الاصطناعي
كشف ميرتس عن مشروع مشترك بين لندن وبرلين لتحسين خطوط السكك الحديدية، مع إعلان شركة "يوروستار" عن خطة لإطلاق أول خط مباشر للقطارات من فرانكفورت إلى لندن بحلول عام 2030، في خطوة ستُحدث طفرة في حركة النقل بين البلدين.
ونص الاتفاق على تعاون استراتيجي في مجالات الابتكار والذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، مع تشجيع الاستثمارات المتبادلة وتعزيز التبادل العلمي.
ويُعد هذا الاتفاق بمثابة خريطة طريق جديدة للعلاقات البريطانية- الألمانية، لا تقتصر على الهجرة أو الدفاع، بل تمتد إلى رؤية أوسع للتعاون الأوروبي المشترك في مرحلة ما بعد بريكست.