على شفا المجاعة.. مفاوضات غزة تتعثر بين حسابات السياسة وصرخات الجوع
على شفا المجاعة.. مفاوضات غزة تتعثر بين حسابات السياسة وصرخات الجوع
في الوقت الذي ترتفع فيه أصوات الساسة من غرف التفاوض في الدوحة، تذبل أرواح الأطفال في غزة من الجوع، وتئن العائلات المحاصرة من وطأة القصف وغياب أبسط مقومات الحياة، ومنذ السادس من يوليو، تدور مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وحركة حماس برعاية دولية لإنهاء حرب مدمّرة دخلت شهرها الحادي والعشرين، بينما تكشف الوقائع اليومية عن كارثة إنسانية متصاعدة.
ورغم تعاقب المبادرات والهدنات المؤقتة، بقيت الخلافات السياسية سيد الموقف، لتُبقي المدنيين الفلسطينيين أسرى الحصار، وفريسة للمرض والجوع والقصف، في واحدة من أكثر الأزمات الحقوقية إلحاحًا في العصر الحديث، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، اليوم الأربعاء.
بين المفاوضات والموت البطيء
وسط الاضطرابات الإقليمية، تواصلت في العاصمة القطرية الدوحة محاولات وسطاء دوليين -على رأسهم الولايات المتحدة وقطر ومصر- لتحقيق وقف لإطلاق النار، يتيح إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، ويمهّد لتبادل أسرى ومعتقلين، إلا أن تلك الجهود تصطدم بجدار من التعنّت السياسي، بين اشتراطات إسرائيل الأمنية، ومطالب حركة حماس بوقف شامل للعمليات ورفع الحصار.
وفي حين تتحدث الأطراف عن تقدم "تقني" في المفاوضات، يعيش سكان غزة على واقع يومي من القصف، والنزوح، والمجاعة.
ومنذ بداية الحرب في 7 أكتوبر 2023، قُتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، ودُمرت البنية التحتية بشكل شبه كامل. وتشير التقارير الأممية إلى أن القطاع المحاصر يشهد واحدة من أسوأ الأزمات الغذائية عالمياً.
وأفاد مدير مجمع الشفاء الطبي، الدكتور محمد أبو سلمية، بأن 21 طفلاً لقوا حتفهم مؤخراً نتيجة الجوع الحاد وسوء التغذية. هذا الرقم ليس مجرد إحصاء، بل ناقوس خطر، يُنذر بما هو أعظم في حال استمرت العرقلة السياسية دون تحرك إنساني فوري.
عوائق تحول دون الحياة
ترفض إسرائيل حتى الآن ربط أي هدنة مؤقتة بإنهاء دائم للحرب، وتصر على تفكيك "البنية التحتية لحماس" أولاً، وهو شرط تعتبره الحركة استسلامًا غير مقبول. في المقابل، ترى حماس أن وقف إطلاق النار دون ضمانات سيعيد الدوامة نفسها.
ويؤكد الباحث السياسي كريم بيطار أن المفاوضات لا تتقدم فعلياً لأن "نتانياهو وحماس لا يمتلكان مصلحة داخلية حقيقية في التوصّل إلى تسوية شاملة الآن، فكلا الطرفين يواجه أسئلة مصيرية من جمهوره".
وما بين السياسة والواقع، يبقى المدنيون وقوداً لهذا الصراع. تشير الأمم المتحدة إلى مقتل أكثر من ألف فلسطيني أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات غذائية منذ مايو، ما يطرح تساؤلاً أخلاقيًا حول استخدام الحصار كسلاح ضد السكان.
وطالبت أكثر من 100 منظمة غير حكومية بفتح المعابر فورًا، محذّرة من "مجاعة جماعية"، وموضحة أن المساعدات، حتى حين تُسمح، تمرّ بإجراءات معقّدة تجعلها تصل متأخرة أو بكمية غير كافية.
الحاجة إلى ضغط دولي
رغم الجهود الدبلوماسية، يتفق الخبراء على أن غياب ضغط فعّال على إسرائيل، لا سيما من الولايات المتحدة، يعني بقاء المفاوضات في حالة مراوحة.
يقول بيطار: "دون ضغط ملموس، ستفشل هذه الجولة كما فشلت الجولات السابقة".
أما حماس، فبحسب أندرياس كريغ، "تواجه ضغوطًا غير مسبوقة من سكان غزة، وقد تقبل بهدنة مؤقتة لتخفيف المعاناة، شرط ألّا تبدو كتنازل سياسي".
تؤكد أزمة غزة مجددًا أن المعايير الإنسانية لم تعد في صدارة أجندة السياسة الدولية. أكثر من 21 شهرًا من الحرب، وآلاف الأرواح المفقودة، وملايين المهددين بالجوع، كفيلة بأن تجعل أيّ تأخير في وقف النار وصمة على جبين العالم.