نيان ليست القصة الأخيرة.. لماذا لا يمنع الإعدام العنف ضد الأطفال في إيران؟

نيان ليست القصة الأخيرة.. لماذا لا يمنع الإعدام العنف ضد الأطفال في إيران؟
عقوبة الإعدام في إيران- أرشيف

في مشهدٍ صادمٍ هزّ الرأي العام الإيراني، عادت قضية اغتصاب وقتل الطفلة نيان تشلبیاني (6 سنوات) في مدينة بوكان لتفتح جرحاً اجتماعياً غائراً، يتجاوز المأساة الفردية إلى البُنى المهترئة التي تكرّس العنف ضد النساء والأطفال، وبينما سارعت السلطات إلى تنفيذ حكم الإعدام بحق الجاني، رأى كثيرون أن هذا ليس إلا محاولة لدفن القضية، لا حلّها.

في بلد ترتفع فيه معدلات الفقر، ويواجه الأطفال والنساء تمييزاً قانونياً ممنهجاً، ويُستخدم الإعدام كوسيلة دعائية لبثّ الخوف، تصبح الجرائم مثل تلك التي راح ضحيتها نيان، نتيجة منطقية لدوامة العنف، لا استثناءً، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الأربعاء.

ويبدو أن سياسة "الردع بالإعدام" باتت جزءاً من خطاب الدولة الإيرانية تجاه الجرائم البشعة، فالمجرم يُقتل، والجريمة تُنسى، بينما يبقى الخوف والوجع في قلوب الضحايا والأحياء. لكن هل يمكن حقاً للإعدام أن يوقف جرائم مثل اغتصاب الأطفال أو العنف الأسري؟

الإعدام لا يعالج الجريمة

لأن الإعدام لا يعالج جذور الجريمة، ولا يعوّض الضحايا، ولا يمنع التكرار. بل هو "محاولة استعراضية لمحو الجريمة من الذاكرة الجماعية"، بينما تظل الأسباب الحقيقية -الفقر، والتمييز، والقصور القانوني- قائمة ومستمرة.

نيان لم تكن ضحية شخص واحد فقط، بل ضحية نظام بأكمله لم يمنح أمّها الحق في حمايتها، ولم يمنحها هي الحق في الطفولة. ففي إيران، تُمنح الحضانة للأب أو الجد من جهته بعد سن السابعة، حتى لو ثبت أن المحيط العائلي مؤذٍ أو عنيف.

ومع أن نيان عانت لأشهر من الاعتداء الجنسي على يد أقارب والدها، لم تستطع أمها أن تنتزع حق الحضانة، لأن القوانين المستندة إلى تفسيرات فقهية ترى الأم "ناقصة الأهلية"، والرجل "وصياً طبيعياً"، مهما كانت الوقائع.

وفي بيئة قانونية كهذه، تصبح الأم مهمّشة، ويُجبر الطفل على العيش مع معذّبيه، تحت مظلة قانون لا يعترف بخطورة ذلك.

الحلقة التي تسبق الجريمة

بحسب الإحصاءات الرسمية، يعيش نحو 40% من سكان إيران في فقر مطلق أو نسبي. لكن هذا الفقر ليس مادياً فقط، بل تعليمياً، ثقافياً، وحقوقياً، وفي ظل غياب الخدمات الاجتماعية، والحماية القانونية، والانهيار في مؤسسات رعاية الطفل، يصبح العنف مساراً عادياً.

النساء اللاتي يُعِلن أسرهن وحدهن، غالباً ما يتعرضن للعنف المزدوج، من الدولة ومن الأسرة، كما أن القوانين لا تحميهن، القضاء لا يُنصفهن، والشرطة لا تصدّق روايتهن، وفي هذا الفراغ، تتكرر مآسي مثل ما حدث مع نيان.

وتنفذ إيران سنوياً عشرات الإعدامات في الساحات العامة، وغالباً ما يُجبر الأطفال على المشاهدة. تقول منظمة العفو الدولية إن إيران من أكثر الدول تنفيذًا للإعدامات في العالم، وغالباً ما تتم دون محاكمات عادلة.

لكن مشهد القتل أمام الناس لا يُدرّس القيم، بل يغرس العنف. الأطفال الذين يشاهدون الإعدام لا يتعلمون "العدالة"، بل يواجهون صدمة نفسية جديدة، ويُغرس في وعيهم أن العنف هو الحلّ.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية