بذريعة "الدفاع عن الشرف".. جرائم قتل النساء تتفاقم في كردستان والعراق
بذريعة "الدفاع عن الشرف".. جرائم قتل النساء تتفاقم في كردستان والعراق
في زوايا المدن والقرى الكردية بالعراق، تتكرر ذات القصة بمأساوية صامتة.. امرأة تُقتل باسم "الشرف"، ويُطوى الملف بعد جلسة صلح عشائرية، بينما تواصل السلطة تكرار الخطابات التي تدين العنف دون أن تتحرك جذرياً لوضع حد له.
لا تمر أسابيع دون تسجيل جريمة جديدة، والمفارقة أن الجناة في كثير من الأحيان هم من أقرب الناس للضحايا، أما السلاح المستخدم فهو سلاح غير مرخص غالباً، موجود في البيوت، كما في تفاصيل الحكاية، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الأربعاء.
وبحسب ما أكدته آشنا حسن، الناشطة النسوية والصحفية ومسؤولة لجنة اتحاد المرأة في إدارة رابرين، فإن وتيرة جرائم قتل النساء في إقليم كردستان "تأخذ شكلاً يومياً تقريباً"، مضيفةً أن "العقلية الذكورية لا تزال تُشرعن هذه الجرائم تحت مسمى الشرف"، بينما تغيب الإرادة السياسية الجدية لمعالجة الأسباب الجذرية.
كل 20 يوماً تُقتل امرأة
تشير تقارير غير رسمية إلى تصاعد لافت في عدد الجرائم ضد النساء خلال الأشهر الأخيرة، خاصة في منطقتي بتوين وبشدر، حيث تُقتل امرأة كل 20 يوماً تقريباً، وسط تزايد في استخدام السلاح غير المرخص، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والنفسية، وتعاظم تأثير العادات القبلية التي تبرر القتل أو تدفع النساء إلى الانتحار.
"النساء لا يُقتلن فقط، بل يُحرمن من حقوقهن حتى بعد الموت"، تقول آشنا.. وتضيف بأسى: "لا تُمنح لهن العدالة كما ينبغي، وتتحول القبور إلى نهاية صامتة لقصص لم يُنصفها أحد".
تُحمّل آشنا حسن السلطة التشريعية والأمنية مسؤولية مباشرة عن هذه الجرائم، مشيرة إلى أن "حيازة السلاح غير المرخص هي سبب رئيسي".
وتضيف: "يجب إصدار قانون صارم يمنع امتلاك السلاح في المنازل، وأن يُسلّم السلاح بعد انتهاء الخدمة العسكرية. فالسلاح حين يتوفر بلا ضوابط، يتحول إلى أداة للعنف الأسري أكثر منه وسيلة للدفاع".
وبالإضافة إلى السلاح، تلعب المخدرات دوراً متزايداً في هذه الجرائم، حيث يساهم تعاطي المواد المخدرة في تغييب وعي الجناة، وتحويل الخلافات الأسرية إلى كوارث دموية.
ثقافة "المصالحة العشائرية"
لا تخفي الناشطة الكردية قلقها من تفشي ثقافة "المصالحة العشائرية" على حساب تطبيق القانون، وتقول: "حين تُحلّ قضايا القتل عن طريق الصلح العشائري، تُفقد العدالة معناها. يجب أن يُحاسب القاتل، وأن يعلو صوت القانون فوق كل اعتبار".
ترى آشنا أن ما يُضعف القانون أكثر من أي شيء آخر هو التساهل مع الجناة، أو خضوع المؤسسات القضائية لضغط اجتماعي وعائلي، ما يجعل "العدالة تترنح"، وتفتح الباب أمام مزيد من الجرائم.
وتسأل آشنا: "أين شرف الرجل؟ لماذا يُسمح له أن يخطئ، بينما تُقتل المرأة إن أخطأت أو حتى شُكّ في سلوكها؟".
وتضيف: "منذ ولادتنا ندفع أثماناً باهظة، من الحياء المفروض علينا، إلى القيود، وحتى الموت. يجب أن تُراجع المفاهيم الثقافية التي تُستخدم أداة قتل ممنهجة".
وترى أن الحل لا يكمن فقط في الردع القانوني، بل في التعليم، والتربية الأسرية، والتثقيف الإعلامي، وتحسين بيئة النساء الاقتصادية والاجتماعية، "حتى لا تضطر امرأة إلى البقاء في علاقة مؤذية أو منزل خطر لأنها لا تملك بديلاً".
انتحار.. أم قتل ناعم؟
تؤكد تقارير محلية أن بعض حالات الانتحار في كردستان ما هي إلا جرائم قتل مغلّفة، أو ضحايا اضطررن لوضع حد لحياتهن هرباً من واقع لا يُحتمل.
تروي آشنا حالة فتاة لم يُسمح لها بالعودة إلى منزل والدها بعد خلاف مع زوجها، وبدلاً من احتوائها، تُركت لمصيرها، فكانت النتيجة مأساوية. "إذا شعر الإنسان أن الحياة لا تقدم له سوى القهر، قد يختار الموت، لكن أي مجتمع يرضى بذلك؟" تتساءل.
تختم آشنا حديثها: "لا نريد أن نستمر في عدّ الضحايا، نريد أن نمنع الجريمة من أساسها، نريد قانوناً شجاعاً، وإرادة سياسية قوية، وتغييراً ثقافياً يعترف بأن النساء لسن أدوات شرف، بل بشر لهن الحق في الحياة والحرية والسلام".
أزمة بنيوية عميقة
جرائم قتل النساء في إقليم كردستان ليست "حالات فردية"، بل مؤشر على أزمة بنيوية عميقة، تتشابك فيها الأسباب القانونية، الاجتماعية، الاقتصادية، والنفسية.
وإذا لم تتحرك السلطات بجدية لوقف هذه الجرائم، فإن الطريق نحو المزيد من العنف يبدو مفتوحاً.. والضحايا في ازدياد.