عادت من الأسر.. الإيزيدية رهام تعانق الحياة بعد 11 عاماً في قبضة داعش
عادت من الأسر.. الإيزيدية رهام تعانق الحياة بعد 11 عاماً في قبضة داعش
كانت الطفلة رهام في الحادية عشرة من عمرها، عندما اختطفها عناصر تنظيم “داعش” الإرهابي، ذات يوم من صيف 2014، واليوم، بعد 11 عامًا من الغياب، تعود إلى حضن والدتها، بشعرٍ طويل يشوبه الأسى، وقلبٍ ثقيل بالتجربة، لكنها حرة.
على وقع الدموع والزغاريد، وسط مشاعر ممزوجة بالفرح والمرارة، استقبلت عائلة الإيزيدية رهام حاجي حمى ابنتهم، التي غيّبها تنظيم داعش لعقدٍ كامل، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم السبت.
لم تكن العودة عادية، بل حملت رمزية ثقيلة لشعب بأسره، ما يزال ينزف من جراح الإبادة الجماعية التي بدأت عام 2014، حين اجتاح مقاتلو داعش منطقة سنجار، وقتلوا الرجال وسبوا النساء والأطفال في واحدة من أفظع الجرائم في العصر الحديث.
كنت طفلة حين خُطفت
رهام، التي تبلغ الآن 22 عامًا، خطفت منها طفولتها، ومراهقتها، وأحلامها، ظهرت أخيرا بين أذرع وحدات حماية المرأة (YPJ) ووحدات المرأة في شنكال (YJŞ)، بعد أن تمكنت هذه القوات من تحريرها من قبضة داعش، وسلمتها إلى وحدات مقاومة شنكال (YBŞ)، التي أعادتها إلى قريتها لتحتضنها أمها أخيرًا، بعد سنوات من الحزن والتأبين.
في كلمات خافتة مترددة، قالت رهام وهي تحاول احتواء دموعها: "كنت طفلة حين سقطت في الأسر، لم أفهم في البداية ما يحدث، كنت فقط أبحث عن أمي، اليوم، وبعد 11 عامًا، عدت إلى حضنها.
وتابعت: "كنت في كل لحظة أحلم بهذا اللقاء، عشت سنوات طويلة من الألم والانتظار، وكنت أتمسك بالأمل بأن أراها مجددًا، لقد تحققت أمنيتي، لكن قلبي ما زال مع النساء الأخريات اللواتي لم يُعدن بعد".
"اسمها بين الشهداء"
الأم، التي ظنت أن ابنتها قتلت في مجازر داعش، وقامت قبل سنوات بتثبيت اسمها بين الشهداء، لم تصدق عينيها حين عادت رهام واقفةً أمامها.
قالت وهي تحتضنها: "حين رأيتها عادت إليّ الحياة، كنت قد فقدت كل أمل، أدرجت اسمها بين الشهداء، واعتبرتها في عداد الأموات، لكنها اليوم تقف أمامي، حية، تنبض، وتبكي وتضحك.. هذا لا يُصدق".
كان اللقاء صامتًا في لحظاته الأولى، فالدهشة سبقت الكلمات، بكت الأم طويلًا، ثم سجدت على الأرض، وارتفعت زغاريد الجارات والنسوة، في مشهدٍ أشبه بالقيامة الصغيرة من ركام الذاكرة المذبوحة.
نضال لا يتوقف
خلال مراسم تسليم رهام إلى عائلتها في شنكال، وقفت سوزدار شنكالي، ممثلة وحدات المرأة الإيزيدية (YJŞ)، تخاطب الحاضرين بصوتٍ حازمٍ وعينين دامعتين: "اليوم نحتفل بتحرير رهام من قبضة داعش، لكننا لا ننسى أن هناك أخريات لم يَعُدن بعد".
وتابعت: "نعدكن جميعًا أننا سنواصل النضال حتى يتم تحرير كل امرأة إيزيدية، وحتى لا تبقى فتاة واحدة في الأسر، هذه لحظة فخر وفرح، لكنها أيضًا لحظة عهد واستمرار في المقاومة".
وأشادت سوزدار بالدور الحاسم الذي قامت به وحدات حماية المرأة (YPJ)، وقوات سوريا الديمقراطية (QSD)، مؤكدة أن التعاون المشترك هو ما مكّن من استعادة رهام، وغيرها من المختطفات في السنوات الماضية.
جروح لم تلتئم
جاء تحرير رهام قبل أيام قليلة من الذكرى السنوية الحادية عشرة للإبادة الإيزيدية في آب/أغسطس، وهي ذكرى لا تزال تثقل القلوب وتقض مضاجع الناجين والناجيات.
من جهتها، عبّرت سميرة برخدان، عضو مجلس المرأة في منطقة ديكور، عن مشاعرها: “تحرير رهام في هذا التوقيت تحديدًا يعيد الأمل إلى نفوسنا، نأمل أن نُعيد جميع النساء المختطفات إلى بيوتهن”.
وتابعت: "نشكر قوات YPJ وQSD على هذه العملية التي لم تكن فقط تحريرًا لرهام، بل تذكير للعالم بأن هناك نساءً ما زلن يُغتصبن ويسجنّ في صمت".
صرخة لضمير العالم
رغم الانتصار العاطفي في استعادة رهام، يبقى التحدي أكبر، فمئات الإيزيديات ما زلن مجهولات المصير، بعضهن في مخيمات، وبعضهن في بيوت مغتصبيهن، وبعضهن لا يُعرف إن كنّ على قيد الحياة.
رهام لم تعد طفلة، لكنها تحمل على كتفيها ذاكرة شعب، هي صورة لحياة نُهبت ثم استعادت نبضها، ولو بعد حين، وفي عيني والدتها، لم تكن رهام وحدها العائدة.. بل كل الأمل المذبوح منذ عام 2014.