"طفلات في ثوب العرائس".. زواج القاصرات بالسودان يزدهر في ظل الحرب والنزوح

"طفلات في ثوب العرائس".. زواج القاصرات بالسودان يزدهر في ظل الحرب والنزوح
زواج القاصرات في السودان - أرشيف

مع دخول النزاع المسلح في السودان عامه الثالث، لم تقتصر تداعيات الحرب على القتال والدمار، بل امتدت إلى النسيج الاجتماعي نفسه، لتُولد ظواهر أشد إيلامًا، تمزج بين البؤس والاضطهاد. 

ومن بين هذه الظواهر، تبرز ظاهرة زواج القاصرات بوصفها شكلًا من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، الذي تفاقم بشكل مرعب في الآونة الأخيرة، مدفوعًا بواقع النزوح الجماعي، والانهيار الاقتصادي، وانعدام الأمان، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم السبت.

تختفي طفولة آلاف الفتيات السودانيات يوميًا تحت أغطية الزفاف القسري، لا لأن الوقت حان، بل لأن الحرب جعلت كل شيء مبكرًا، الموت، والجوع، والزواج.

حرب تُسرق معها الطفولة

كشف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، في تقرير له، أن 34% من الفتيات السودانيات يتزوجن دون السن القانوني (18 عامًا)، من بينهن 12% أُجبرن على الزواج قبل سن الخامسة عشرة، وهي نسبة تضع السودان ضمن الدول التي تواجه خطرًا حقيقيًا فيما يتعلق بانتهاك حقوق الطفلات.

هذا الزواج، وفق التقرير، لا يعد تقليدًا اجتماعيًا فقط، بل أحد أبرز أشكال العنف الجنسي والبدني، وينتهك بوضوح المواثيق الدولية التي تحمي الأطفال من الاستغلال، بما في ذلك اتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).

ويقول التقرير إن هذه الظاهرة تتغذى على الفقر والنزوح وفقدان الأمان الأسري، حيث ترى العديد من العائلات في زواج الفتاة حلًا سريعًا للتخلص من عبء اقتصادي أو حمايتها من خطر الاعتداء في بيئات النزوح العشوائية، التي تفتقر للحماية القانونية أو الرعاية المجتمعية.

قانون غائب ومجتمع مكسور

رغم أن القانون السوداني يحدد سن الزواج القانونية بـ18 عامًا، فإن كثيرًا من المجتمعات الريفية لا تزال تربط بين بلوغ الفتاة البيولوجي و"الاستعداد للزواج"، متجاهلة السياق النفسي والجسدي والتربوي للطفلة.

وفي ظل غياب الرقابة القضائية وانشغال الدولة بالحرب والانهيار الإداري، لا تجد الأسر أي عائق قانوني أمام تزويج الفتيات القاصرات، بل تشجع بعض الأعراف والعادات المحلية على هذا الاتجاه، ما يرسّخ ثقافة تزويج الطفلات باعتبارها "واجبًا" أو "صونًا للعرض".

الأخطر، بحسب "أوتشا"، أن زواج القاصرات يرتبط بمستويات عالية من الحرمان من التعليم، والوفاة خلال الحمل أو الولادة، والعنف الأسري، ما يجعل من الطفلة ضحية لدوائر متكررة من الانتهاك تبدأ من عقد الزواج ولا تنتهي بسهولة.

أرقام تحت الأنقاض

يرتبط زواج القاصرات في السودان أيضًا بوضع اقتصادي مروّع. يشير التقرير إلى أن 24% من الأطفال السودانيين يعملون في ظروف شاقة، لا سيما في المناطق الريفية، حيث تُجبر الطفلات على بيع المياه أو السلع الرخيصة، ما يحرمهن من التعليم ويجعلهن أكثر عرضة للاستغلال الجنسي والمجتمعي.

وتُظهر الأرقام أيضًا أن 3.04 مليون سوداني، نصفهم من الأطفال، بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية، لكن تقليص التمويل اضطر الأمم المتحدة لتقليص حجم المساعدات المقررة، ما يعني أن الآلاف من الفتيات سيُتركن لمصيرهن دون حماية.

في دارفور، حيث تتفاقم الكارثة، وصلت نسبة الأطفال الذين يتلقون علاجًا من سوء التغذية الحاد الوخيم إلى 46%، بحسب بيانات نشرت في يوليو، وهو رقم مرعب يشير إلى أن حياة الملايين من الأطفال، خصوصًا الفتيات، في خطر مباشر.

"لم أكن أريد الزواج"

في أحد مخيمات النزوح على أطراف مدينة الأبيض، جلست فاطمة (اسم مستعار)، فتاة تبلغ من العمر 14 عامًا، ترتدي ثوبًا أكبر من حجمها، وتهمس: "لم أكن أريد الزواج.. كنت أريد المدرسة، لكن أبي قال إنه لا يملك ما يُطعمنا به، تزوجتُ رجلًا في الثلاثين من عمره، لا أفهم ما يحدث، كل يوم أبكي، ولا أحد يسمعني".

هذه ليست حكاية واحدة، بل آلاف الحكايات التي تختبئ خلف جدران الصمت والخوف، وتصرخ في وجوهنا بلسان الأطفال: "أنقذونا قبل أن نُفقد للأبد."

دعوة لحماية الفتيات 

في وقتٍ تتزايد فيه وحشية النزاع المسلح في السودان، وتزداد معه هشاشة المجتمع، لا بد من أن تتحرك المنظمات الدولية والإقليمية والحقوقية بشكل فوري لحماية الفتيات من براثن الزواج القسري.

الزواج المبكر ليس خيارًا، بل فصلٌ آخر من فصول الحرب ضد الطفولة، وإن لم تُرفع هذه القضية إلى طاولة صناع القرار، فإن جيلاً كاملًا من الفتيات سيُمحى من كتب المستقبل قبل أن يتعلم حتى كيف يكتب اسمه.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية