بطلات على الكراسي المتحركة.. رياضيات عراقيات يُحلقن بأحلامهن رغم قلة الدعم

بطلات على الكراسي المتحركة.. رياضيات عراقيات يُحلقن بأحلامهن رغم قلة الدعم
شابات عراقيات يلعبن تنس الطاولة

في قاعة صغيرة غير مهيّأة لاحتضان أصحاب الهمم، ووسط انقطاع متكرّر للكهرباء ونقص فادح في المعدات، تتحرك الكراسي المتحركة بسلاسة بين الطاولات، وتصدح كرات تنس الطاولة بإيقاع الأمل والإصرار. 

هنا في محافظة الديوانية، ثماني شابات عراقيات يُدربن أحلامهن لا عضلاتهن فقط، في رحلة شاقة نحو التتويج العالمي، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، اليوم الأحد.

تجلس نور الهدى سرمد، الطالبة الجامعية ذات الـ25 ربيعًا، بثبات خلف الطاولة، وترفع مضربها بثقة لا تكسرها الظروف. حصلت على ميداليات وطنية، وتطمح لما هو أكبر، رغم ما تقول إنه "تدريب في ظروف أقرب إلى المستحيلة".

"المناضد مكسّرة والتيار الكهربائي ينقطع باستمرار، نشتري المضارب على حسابنا الخاص"، تقول نور الهدى بأسى، وتتابع: "لكن رغم كل شيء، الرياضة جعلتني أقوى، وجعلت لحياتي معنى".

على طريق الأمل

فريق الديوانية لتنس الطاولة للنساء من ذوي الإعاقة، يتدرب ثلاث إلى أربع مرات أسبوعيًا، المسافة إلى القاعة شاقة لبعضهن، إذ تسكن بعض اللاعبات في بلدات تبعد أكثر من 40 كيلومترًا، والتنقل بسيارات الأجرة ليس متاحًا دائمًا، "لا تقبل أغلب سيارات الأجرة أن تقلّنا نحن المعوّقين"، تشرح نور، التي تتأخر أحيانًا عن التدريب لهذا السبب.

تفتقر القاعة لأبسط معايير التهيئة الخاصة بذوي الاحتياجات، ولا يوجد تكييف في ظل حرارة قد تتجاوز 50 درجة صيفًا، ولا مراوح خوفًا من تأثير الهواء على حركة الكرة.

المدرب محمد رياض، المصاب بشلل الأطفال وعضو اللجنة البارالمبية المحلية، يؤكد أن "الرياضة هنا تقوم على المجهود الذاتي فقط". 

المعدات التي يستخدمها الفريق حصلوا عليها منذ سنوات، وهي بالية، يقوم بصيانتها شخصيًا. "ليست لدينا طاولات خاصة، ولا مضارب مخصصة. كل شيء يشترى من مال اللاعبات"، يقول بلهجة حزينة.

بطلات من الظل

نجلة عماد، إحدى خريجات هذا الفريق، صنعت المفاجأة في دورة الألعاب البارالمبية باريس 2024 بفوزها بالميدالية الذهبية – الأولى في تاريخ العراق في هذه اللعبة. ورغم التتويج، ما زالت تعتمد على رعاية خاصة، لا دعم حكومي. 

تقول: "لا شيء مستحيل.. إذا كانت لديك المهارة والإرادة، يمكنك الوصول. لكننا بحاجة لمن يفتح لنا الباب".

بدورها، تحكي إيمان حمزة، الفائزة بالمركز الثاني في بطولة تايلاند العالمية 2024: "لم أتلقَّ دعماً حكومياً، وتكفلت أحيانًا بالمشاركة من مصروفي الشخصي، الناس يروننا عاجزات، لكننا قادرات على فعل كل شيء. نحن بطلات عالم".

كسر أكثر من حاجز

التحديات أمامهن لا تقتصر على الدعم اللوجستي، ففي مجتمع محافظ أن تكون الأنثى المقعدة رياضيةً، لهو كسر لأكثر من حاجز. 

تقول نور الهدى: "المجتمع لا يريد للمرأة أن تخرج، لاسيما إذا كانت معاقة. ما فعلناه أننا تحدّينا هذه الصورة، وخرجنا من بيوتنا".

لكن هذا التحدي ليس بلا ثمن. في العام الماضي مثلًا، أُلغيت مشاركة نساء في ماراثون البصرة بحجة "الاختلاط"، ما يسلّط الضوء على التوتر بين الرياضة النسوية والعادات الاجتماعية.

ورغم ذلك، تتحدى هؤلاء الفتيات الواقع بالعزيمة والإيمان، ويحملن رسائل غير مكتوبة: الإعاقة ليست نهاية، بل بداية جديدة.

حين تصمت الدولة 

يُجمع المدرب والفريق على أن الرياضة النسوية، وخصوصًا لذوي الإعاقة، تُترك على الهامش، رغم أن العراق بلد نفطي غني. 

تقول نور: "الدولة تهتم بكرة القدم فقط، لكن نحن أيضًا نرفع اسم العراق".

وفي قاعة صغيرة بلا تبريد، وعلى طاولات قديمة ومضارب منهكة، تُكتب قصص بطلات حقيقيات. بطلات يتحدّين العجز، ويتدرّبن على الفوز.. ليس فقط في المباريات، بل في الحياة ذاتها.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية