الخبرات تتهاوى من سماء ناسا.. هل يهدد تقليص الموظفين حلم البشرية في الفضاء؟

الخبرات تتهاوى من سماء ناسا.. هل يهدد تقليص الموظفين حلم البشرية في الفضاء؟
ناسا

في قلب واحدة من أعظم المغامرات البشرية، مغامرة استكشاف الفضاء، يلوح في الأفق تغييرٌ مؤلم، فبينما تتجه أنظارنا نحو النجوم، وتتوالى الإنجازات التي تدفع حدود المعرفة، تستعد وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" لوداع صامت لنحو 3870 موظفًا ضمن برنامج "الاستقالة الطوعية". 

هؤلاء ليسوا مجرد أرقام؛ إنهم مهندسون وعلماء وباحثون وإداريون، كل منهم يحمل في طياته جزءًا من الشغف والعلم الذي دفع البشرية إلى القمر والمريخ وما وراءهما، إنها خطوة مؤلمة تأتي في إطار خطة أوسع لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي تسعى لتقليص القوى العاملة في المؤسسات الفيدرالية، وفقًا لما ذكرته وكالة "بلومبرج".

هذه الأرقام، كما أوضحت وكالة "ناسا" في بيانها الرسمي، قابلة للتغيير، فربما يتراجع البعض عن قرارهم أو لا تتم الموافقة على جميع الطلبات، لكن مجرد وجود هذا الرقم يعكس عمق الأزمة. تؤكد الوكالة أن "السلامة لا تزال أولوية قصوى"، محاولةً طمأنة الجميع بأنها "تُجري عملية موازنة بين أن نصبح أكثر كفاءة وانسيابية، مع الحفاظ على قدرتنا الكاملة في مواصلة الاستكشاف والابتكار". 

غموض مستقبل الفضاء

قدمت "ناسا" لموظفيها فرصتين للمغادرة خلال 2025 من خلال برنامج "الاستقالة المؤجلة"، بدأت الجولة الأولى من البرنامج في يناير الماضي، بالتزامن مع بداية ولاية ترامب الثانية، حيث قاد وزير "كفاءة الحكومة" إيلون ماسك هذه الخطوة، في تلك الجولة، قبل العرض نحو 870 موظفًا، وهو ما يمثل 4.8% من القوة العاملة آنذاك.

أما الجولة الثانية، فكانت في يونيو الماضي، وانتهى التقديم لها في 25 يوليو، وأسفرت عن قبول نحو 3000 موظف إضافي، أي 16.4% من موظفي الوكالة.

بعد احتساب هؤلاء المغادرين، إضافة إلى نحو 500 استقالة تقليدية خلال الفترة نفسها، من المتوقع أن يبلغ عدد الموظفين المدنيين المتبقين في وكالة "ناسا" نحو 14 ألفًا. هذا يعني أن الوكالة ستفقد حوالي 18% من قوتها العاملة خلال فترة قصيرة.

شكوك حول المستقبل

تزداد الشكوك حول المسار المستقبلي لـ"ناسا" في مجال الاستكشاف الفضائي، خاصة مع توقع خسارة أربعة من كبار مسؤوليها المرتبطين ببرنامج استكشاف القمر، هؤلاء المسؤولون هم العقول المدبرة وراء المشاريع الطموحة التي تعدنا برحلات جديدة إلى القمر، وربما يومًا ما إلى المريخ،  فهل ستظل رحلتنا إلى النجوم ممكنة بنفس الزخم والطموح مع غياب هذه الكفاءات؟

تهدف هذه الخطوة، بحسب جانيت بيترو، القائمة بأعمال مدير "ناسا" السابقة، إلى "تقليل أي تخفيضات غير طوعية في القوى العاملة مستقبلًا"، لكن الخبراء يحذرون من "هجرة جماعية" قد تؤدي إلى خسارة الوكالة لأفضل خبراتها، وهي خبرات لا تقدر بثمن، بُنيت على عقود من العمل الشاق والتفاني.

في فبراير الماضي، ناشدت وكالة "ناسا" بطلب إعفاء شامل لحماية موظفيها من قرارات التسريح الجماعي، هذه المناشدة لم تأتِ من فراغ، بل من قلق عميق داخل أروقة الوكالة.

أصوات تدق ناقوس الخطر

بلغ هذا القلق ذروته في رسالة بعنوان "إعلان فوييجر"، وُجّهت إلى المدير المؤقت المعين حديثًا شون دافي، الذي يشغل أيضًا منصب وزير النقل، في هذه الرسالة المؤثرة، حذر مئات من موظفي "ناسا" السابقينوالحاليين من أن التخفيضات قد تُهدد سلامة وكفاءة العمليات، لقد أكدوا أن "آلاف الموظفين قد غادروا بالفعل، حاملين معهم معارف متخصصة لا غنى عنها لتنفيذ مهمة الوكالة".

وفق مراقبين؛ هذه ليست مجرد تحذيرات روتينية، إنها صرخات من قلوب تعشق الفضاء وتخشى على مستقبل "ناسا". إنها مخاوف حقيقية من أن يؤدي نزيف العقول هذا إلى تعريض أرواح رواد الفضاء للخطر، أو إلى تأخير لا يمكن تعويضه في برامج الاستكشاف الحيوية، أو حتى إلى فقدان مكانة "ناسا" الريادية في العالم. فالخبرة المتخصصة التي يمتلكها هؤلاء الموظفون لا يمكن تعويضها بالتدريب السريع؛ إنها تتراكم عبر سنوات من الممارسة والتفاني في بيئة عمل فريدة ومعقدة.

برامج تقليص القوى العاملة

برامج تقليص القوى العاملة الفيدرالية في الولايات المتحدة هي مبادرات حكومية تهدف إلى خفض عدد الموظفين في الوكالات الفيدرالية، غالبًا ما يتم تنفيذ هذه البرامج لأسباب اقتصادية، أو كجزء من أهداف سياسية لتقليل حجم الحكومة، أو لزيادة الكفاءة المزعومة.

يكمن الهدف المعلن عادةً في "ترشيد الإنفاق الحكومي" و"تحسين كفاءة الخدمات العامة"، وغالبًا ما يتم تبرير هذه البرامج بأنها ضرورية لمواجهة التحديات المالية أو لمواكبة التغيرات التكنولوجية التي قد تقلل الحاجة إلى بعض الوظائف.

وتُعرف هذه البرامج أيضًا بـ"التقاعد المبكر" أو "الاستقالة الاختيارية"، تُعرض على الموظفين مكافآت مالية أو حوافز أخرى (مثل المساعدة في إيجاد وظائف خارج الحكومة) لتشجيعهم على ترك وظائفهم طواعية. والهدف هو تجنب التسريحات القسرية أو تقليلها قدر الإمكان.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية